حشرة كافكا في زمن الكورونا
فتحي مهذب | تونس
إرتعدت مفاصلي بعد ركلة مروعة من حوافر الشك الجامح كما لو أنه ثور مجنح يهشم أقفال الرأس بمرونة فائقة ويصب بنزين الأسئلة في قلعة الرأس المسيجة بأليغوريات معقدة ثم يضرم النار
في برديات الروح الهادئة.
لم أسلم من عضة النهار السامة المكرورة. حيث تتناسل خفافيش بشرية قرمة مهووسة برائحة الدم وشن روائح جحيمية في الأرجاء. أنا إبن الليل الشرعي. صديق النجوم السائرة نحو تخومات المجهول أرتاد المقبرة المجاورة لبيتنا المتواضع لأمارس فن السحر في خلوة مطلقة لا تشوبها شائبة.
أتهجى شواهد القبور القديمة وأستحضر هيئات ذويها وأظل أتحاور معها مستبطنا إلماعات خواطرها ومستدقات أحاجيها ومغاليقها حد إنفراج غيمات الروح المتراكبة وإشعاع أشياء غريبة أمام باصرتي كأنها صرف اليقين الأقصى.
نمت هذه الليلة في شرخ عتمتها الباذخة بعد يوم عصيب وحرب شعواء مع الأبالسة المسلحة بأعتى ترسانة الشر والسخيمة.
لم أستسلم البتة. لم أنطو على نفسي. مثل جرذ قميء. قطعت رؤوسا كثيرة.طاردت ثعابين زنخة
موقنا أن الحرب ضرورة تحتمها أحيانا شرانية الآخر ليس لنا من خوض غمارها بد.
في آخر الليل أحسست بامتلاء في مثانتي. حاولت إفراغ هذه الشحنة البيولوجية ولكن لم أفلح. لم تكن الأمور سلسة كعادتها.حاولت أن أتحسس عضوي الذكري ولكن لم أعثر عليه حاولت الصراخ ولكن صوتي تبخر مثل غيمة في غلواء العمر. أصابني ذعر شديد وأدركت أخيرا أني تحولت إلى حشرة كريهة بيد أني لم أزل أحافظ على طاقة التفكير والتحديق في كبريات المسائل الوجودية.
حشرة قميئة شاذة تختزن داخلها عقلا ألمعيا نزاعة تفكيرا واستغوارا لبكر السبيل.
ظللت واجما والذعر يتطاير من عيني الجاحظتين.
دخلت أمي صباحا كعادتها حاملة صينية الفطور ولكن ما إن رأتني على تلك الشاكلة حتى إعتور الوهن أغصان أعصابها وسقطت الصينية من يديها المرتجفتين .
حدقت في تفاصيل وجهي المليء بالكدمات ثم سقطت مغشيا عليها.
كنت أشاهد هذا السيناريو التراجيدي مكسور الخاطر غير قادر على تجاوز هذا الشرط الكوني الضاغط.
فكرت في مساعدة أمي وإيقاظها غير أن جسدي لم يستجب لهذا الفعل الذي يستميز به البشر.
أنا مجرد حشرة مفكرة غير قادر على ترتيب الأمور والقيام بواجباتي اليومية.
وعلى غرة غشي أخي الأكبر حجرتي واستطاع أن يوقظ أمي المصدومة المتشققة.
كنت أراقب هذا المشهد الحزين بصمت عاجزا على النطق وإفراغ مكنوناتي كأن جلمودا من الصخر الصلد قد وقع على كلكلي الهش.
-قالت الأم : ماذا سنفعل بهذه الحشرة البائسة ما مصيرها وما جدواها هنا؟.
– قال الأخ الأكبر : سأسحقها بجزمتي العسكرية وهكذا نتخلص منها إلى الأبد إذ لا فائدة ترجى من وجودها ستجلب لنا العار والفضيحة . قالت الأم تريث حتى نصغي إلى رأي أبيك حيال هذه الحشرة المقززة.
تناهى إلى مسمع الأب ما دار من حديث بينهما إذ تقحم الحجرة مثل ثور هائج فهاله مشهد إبنه وقد تحول إلى حشرة مدرعة ذات سيقان غزيرة وعينين براقتين تثير الغثيان.
أطلق صرخة مدوية ما هذا الكائن الشيطاني المشوه الذي تلبس إبني؟. ماذا ارتكب حتى تعاقبه الآلهة وتنزله منزلة وضيعة خسيسة لا تليق بشرطه الإنساني.
ثم أردف قائلا : لعل لجذور هرطقته سببا منطقيا في تحوله وسقوطه في فخ الأدنى من المخلوقات.
قال الأخ الأكبر: إنه ما فتى يطالع مصنفات الملاحدة ويتشبع بمقولاتهم ومفاهيمهم وآليات تفكيرهم. إنه شديد السخرية من الكتب السماوية ساخرا من مضامينها ويعدها ضربا من الأساطير التي إجترحتها مخيلة شعرية ملتاثة. إنه لا يؤمن بالحساب ولا العقاب والخوارق .
أذكر أن له نصا شعريا يسخر فيه من سورة الإسراء والمعراج ويعد البراق أروع كائن أسطوري على الإطلاق.ومآخذه على الأنبياء
مثيرة جدا.
قالت الأم لذلك كان كثير الخلوة مستنكفا من معاشرة الآخرين معتبرا إياهم شرا محضا.
قال الأخ الأكبر : هذا لا يفيدنا في شيء.
لأدهسه مرة واحدة ونرح أعصابنا
من حرائق هذه المحنة التي وقعنا فيها.
قال الأب سنعامله مثل كائن هش جدير بالشفقة والرثاء.
ثم تسللوا خارج الغرفة صافقين الباب وراءهم.
حزنت حزنا شديدا لحدة الحوار الذي جد بين أطراف العائلة وبكيت بكاء مرا مستبطنا أسباب هذا العجز الوبيل الذي حاق بي وجعلني فريسة سهلة أمام سهام الآخرين
بمقدور كل إنسان أن يقلب لك ظهر المجن بمجرد سقوطك في شرك العجز واللافاعلية.