ذات خريف..!

كم تمتشقني كف الصدى
سيفا يجوب القفار بغير قدم ؛
لتلبس الصحراء ثوب الجنون
و تتحرش بطهر ردائي…
تمعن في سحق ذرات النور
لتنال من بريق حكاياي التي تسكن برد الفجاج…
تتوالى في عمق العتمة تارة
ثم ما تلبث أن تتجلل بلون نعيق مُحشىرج
يذوب في لجة الغيم المموه بالمحال ..
وبعمق اللحظة في ذاك الأفق المسدود ؛
يفرد الطائر البِلّوري شراعين من وهم ..
يُبرز عينا ويغمض أخرى..
وتهز تلال الصمت بقايا صرخة متهدجة
تتفتت -كَجِهام طاوٍ- على أصل جذع نخلة مُنقعر

أعود ورائي ..
أقفو الخيال ..
انتجع الرؤى..
أتبع ظل غرابٍ أفطسَ ..
ينثر الرماد قسرا في مقلة الصباح
أرتوي ضحىً من غيمات بكائي..
وأنزع-صاغرا – مقلتيّ..
لا أرى من عهدت فيها
فأبكي اليوم دَلْهاً
وما يُحِير البكاء!
..
تغيب الروح وتذوي
ينثال الأفق القابع في محراب اليأس
رشيشا ساخنا ،
وهو ينضوي تحت كومات الرماد،
تأوّت له الجفون بعدما أذبلها لفح الترقب ..
يهولني موكب التلاد
يقف ممددا…
أرعن جونا ينجاب عنه العَمَاء…

فكم تأججت نار انتظاري
بجذوة أفرغها القُنّاص عصرا
تفلت من كنانة الغضب
المطهم بالجموح
كسهم سارب من فحيح السكون..
أصحو من ضيمي على قوافل السنابك
تتوالى بين ردهات الموت..
وعلى أراعيل ذؤبان زور
تنفث الشرر في دروب المدينة
أتلفت من بعيد ..
أهرول مبتور الفم
قد خاتل الصمت بقايا حروفي المهشمة
حين جادت ببعض رائحة المطر ببكارتها
على أطلال أستاري روحي المعشوشبة…
تسبقني ساقي ..
زفوف ..
كأنها ساق عيرانة أُجُد
وارى خلفها من الوقع والرجع منينا
كأنه أهباء…
وطِرَاقا…
من خلفهن طراقٌ…
ساقطاتٍ ألوت بها الصحراء
وحده الغبار المُر
يسرى متبجحا
بين خلايا بوحي الصامت..
تتآكل فوق ذاتي ذراتُ أمل مهيض
تنبعث من مصباح ذَبُلت أطرافُ فتيله ..
وتبقى أردِيَة الرفض
وحدها أنشودتي التي ألِفْتُ سماعها
قبل أن تُغنّى..

وهناك.. هناك على حافة الذاكرة
تسيل عناقيد أيامي
تعبث بها جونة الوهم المطهّم
وصمت الأماني
المصلوبة على حد الشفق..
إذْ ماعاد يسد طنينُ الهوام ذاك الأفق..
ويُحِدّ اليأس مُدَاه الصدأة
ويتناهى بها عنودا كأنها دفواء
وينشر القطران بين الروابي ..
فأي ماء يرويني
والبئر تمعن في الغياب..؟
وكل الخطى مثلي
تسير على وقع الدجى
وهو يُضاحك وهج الخيال ،
ويتماهى أمام أحداق الصائد المتعفن !

يا كُلّ من عبر الصدى بصراخه..
يا كل من لم يَسْتَنِمْهُ برق الغواية
هاهي واحتي الخضراء وقد استحالت
كان رجعها.. وكُنّا…
مكفهرا على الحوادث
لاترتوه للدهر مُؤْيِد صماء

تتماهى بين أقْبِيَةِ الذبول ،
تحبس الخبز عن فمي
وتبتلع فراخها قسرا ..
تتلوى عبر متاهات أفق كئيب
يُطوّقه ليل الجفاف..
في يوم نحس مستمر

خذوني إلى ذاتي
الموغلة في مَطَاوي الشفق
علّني أفيق من ثملٍ
لم يبرح ساحات العطن
وأعود لتلك الروابي والحقول
كما كنت
ذات ربيع…
وذات مسير…
وذات وطن ..
أجدل عباءة السير
نقية تتمايل هناك
هناك …
تلفظنا الارض نحو السماء
نعلو …
نغيب ثم نغيب ثم نغيب
ثم نؤوب كخلق آخر..
ننتناثر بين تلال تكتسي أردية السراب
وتمتزج في حبيّ مكلل
.تنمينا جدود وعزة قعساء..
وأُحْيي بيراعي الواهن
بعض حروفٍ ذبلت
على أذيال حلميَ الهارب مني..
ومثلما كان البدء ..
لم تكن النهاية !

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى