نقاط ضعف التنين الصيني

توفيق شومان | مفكر وخبير استراتيجي | لبنان
تُحاط الصين بمجموعة من بؤر التوتر الظاهرة والكامنة، على كامل حدودها تقريبا، فالعلاقة مع روسيا تقوم على شراكة حذرة، ومع الهند ثمة عداء تقليدي عنوانه الحدود المشتركة، لم يعرف المعنيون إلى حله سبيلا، ومع فيتنام جارة الصين الناهضة، هناك توتر يعلو وينخفض، وما زالت ترافقه آثار الغزو الصيني لفيتنام في عام 1979.
بحر الصين الجنوبي أيضا، يشكل صداعا استراتيجيا للصين، حيث تتنازع الأخيرة حوله مع كل من فيتنام والفليبين وماليزيا وتايوان كما أن هونغ كونغ وماكاو، ذات المناطق الإدارية الخاصة، بقدر ما هما صينيتان، فإنهما رأسا حربتين بإتجاه الصين ، اقتصاديا وسياسيا وأمنيا .
بحسب أرقام عام 2018، يبلغ الناتج المحلي لماكاو 58 مليار دولار، والناتج المحلي لهونغ كونغ 390 مليار دولار ، وفيما يمر 12% من الصادرات الصينية عبر هونغ كونغ المصنفة بورصتها في المرتبة الخامسة عالميا بقيمة تداول سوقية قدرها 3 تريليون و800 مليار دولار، ثلثها يعود للشركات الصينية، فإن نصف الإستثمارات داخل البر الصيني يأتي من هونغ كونغ، فضلا عن ضخها رساميل ضخمة في داخل الصين، على ما تقول بيانات “مجلس هونغ كونغ للتنمية”، كما أن تداخل اقتصاد البر الصيني مع اقتصاد هونغ كونغ جعل العديد من الشركات الصينية المتوسطة والعملاقة تنجو من العقوبات الأميركية المفروضة على الصين، بسبب إدارة أعمالها من هونغ كونغ أو امتلاكها مكاتب إقليمية فيها.
وعلى ذلك ، نكون أمام نقطتي ضعف صينيتين ، الأولى مرتبطة ببؤر التوتر الجغرافية المحيطة بالصين، والثانية تكمن في رأسي الحراب الإقتصادية في ماكاو وهونغ ، وبالأخص الأخيرة .
نقطة الضعف الثالثة، تتعلق ببنى الإقتصاد الصيني ذاته، فهذا الإقتصاد قوته الأساسية موضوعية وليست ذاتية، كيف ذلك؟
على الرغم من كون الصين ثاني اقتصاد في العالم، وتحوز على الحجم السكاني الأكبر عالميا ، إلا أن الصينيين غير مستهلكين ، وعلى ما يُجمع علماء وخبراء الإقتصاد، أن عجلة الدفع القوية والأساسية لأي اقتصاد محلي ، تكمن في سوقه الداخلية وفي دورته الوطنية ، وهذا لا ينطبق على الصين ، او أنه ينطبق عليها بصورة جزئية ، ولذلك ثمة من يُطلق على الإقتصاد الصيني صفة “اقتصاد الصادرات” ، أو ” اقتصاد الأظافر الطويلة الخارجة من أصابع قصيرة “، فإذا تقلمت الأظافر خسرت الأصابع أغلب قوتها .
ما مر ذكره ، يُظهر نقطتي ضعف صينيتين تُضاف إلى النقطتين السابقتين ، فحين تُصدر الصين ربع صادراتها إلى الولايات المتحدة وخمسها إلى دول الإتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى تداخل اقتصادها مع هونغ كونغ، يصبح نصف الإقتصاد الصيني على الأقل ، حبيس التوتر أو الإنفراج مع الغرب .
المجموع لغاية الآن أربع نقاط ضعف صينية .
نقطة الضعف الخامسة، عدم امتلاك الصين لفضاء اقتصادي ـ أمني ، فالأمن يحمي الإقتصاد دائما ، وفي المقارنة مع الولايات المتحدة ، فإن فضاءها الأول في سوقها الداخلية، وفضاؤها الثاني على امتداد القارة الأميركية، وفضاؤها الثالث على مستوى العالم، وإذ تسعى الصين إلى تشكيل فضائها من خلال رؤية ” طريق واحد وحزام واحد ” ، فنجاح هذه الرؤية يناصف إخفاقها ، ولا يمكن الحكم عليها نجاحا أو إخفاقا ، قبيل قطعها شوطا ملحوظا وعمليا ، أو سقوطها قبل اكتمال عناصرها مثلما حدث مع مجموعة ال ” بريكس “.
نقطة الضعف السادسة ، متأتية من مجاورة الصين لعملاقين ، وهما روسيا والهند ، وكلاهما له ماض سلبي معها ، وراهن غير إيجابي مثلما هي حالة الهند ، وفي مقارنة ثانية مع الولايات المتحدة ، فإن نهضتها الأساسية في مرحلة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية ، إنما تأسست على انعدام الجوار المنافس لها في عموم القارة الأميركية ، وأما الدول الأوروبية المتنافسة داخل القارة الأوروبية وعلى الأسواق الدولية في الخارج ، فتقاربها النهضوي والعلمي والعسكري والصناعي أدى إلى نشوب حربين عالميتين مدمرتين في عامي 1914 و1939، وهو مشهد يقارب بنهضويته وعسكريته وعلميته وصناعيته ، بحدود أو بأخرى مشهد الصين الحالي وجوارها الروسي والصيني .
السؤال الناتج عن نقطة الضعف تلك : إلى أي حد يمكن أن تذهب الصين وروسيا إلى إطفاء كل عناصر الحذر بينهما ، وما احتمال أن تخمد الصين والهند عناصر العداء التقليدي ؟ الإجابة عن هذا السؤال بشقيه البعيدين يحدد موقع الصين في عالم المستقبل .
في نقطة الضعف الصينية السابعة ، يحضر النموذج ، والنموذج هو عامل الجذب والإعجاب ، فحين كان العرب في ذروة حضارتهم الأندلسية ، راح كثيرون من غير المسلمين يلبسون ثيابا شبيهة بثياب الفاتحين العرب و يسمون أبناءهم وبناتهم : محمد ـ عمر ـ فاطمة … إلخ ، وفي الواقع الصيني الحالي ، لم يقدم الصينيون لغاية اللحظة نماذج يمكن احتذاؤها في الموسيقى والأغنية والسينما وسائر الفنون ، ولا في الأدب والفلسفة والفكر السياسي ، ولا في نمط العيش ، ولا في النظام الغذائي ، ولا في اللباس ، ولا في الإعلام ، وكل ذلك يدخل في مجال الضعف الصيني ، فإما أن الصين لا تمتلك النموذج وإما انها قاصرة عن تسويق نموذجها ، وإذا كانت قاصرة ، فذلك من شر البلية .
نقطة الضعف الأخيرة ، أو ” النقطة الحائرة ” ـ حتى تستقيم الصفة ـ تكمن في كيفية حماية المصالح الصينية الخارجية ، فتاريخيا بنت الصين ” سورها العظيم ” حتى لا يهاجمها أحد ولا تهاجم هي أحدا ، أي أن ثقافة الحرب في الخارج ، أو غزو الخارج ، غير موجودة في الثقافة الصينية التقليدية ، وعلى الرغم من أن الصين معروفة بأنها ” أمة الصنائع والصناعات ” منذ ما قبل ميلاد السيد المسيح وبعده بقرون عدة ، فهي لم تلجأ إلى الفتوحات والغزوات الخارجية لتوسيع أسواقها ، وهذا ما يعطيها علامة إيجابية وأفضلية مقارنة مع الأوروبيين، وحتى مع العرب والعثمانيين في بعض غزواتهم، وفي العصر الحديث ، لم تخض الصين حروبا ومواجهات عسكرية إلا على حدودها، ومن أمثلة ذلك : الحرب الكورية ( 1950) والمواجهة مع الهند (1962) والمواجهة مع الإتحاد السوفياتي (1969 ) وغزو جارتها فيتنام ( 1979).
إن غياب تراث المواجهة الصينية مع الخارج ، ومع أنه يضفي صورة حسنة على تاريخ غابر ، وحيث لم يكن للصين مصالح خارجية ، بل كان الآخرون يذهبون للتجارة معها ، فإن أبرز تحديات الصين المعاصرة ، تقوم على حماية مصالحها الخارجية ، وكيف يمكن أن تكون هذه الحماية وبأي وسائل .
في تكرار الإعادة إفادة كما يقال : تاريخيا لم يكن للصين مصالح خارجية حتى تحميها وتحارب من أجلها ، ولم تعرف الصين حروبا ومواجهات عسكرية بعيدا عن حدودها ، وفي واقع الصين الحالي ثمة مصالح بعيدة ، ولكن ليس لدى الصين تقاليد وتجارب في حماية تلك المصالح .
هذان عاملا مستجدان في كل تاريخ الصين: المصالح الخارجية والدفاع عنها ، وهذا يعني أن الصين تخرج لأول مرة من داخل سورها .
تلك نقاط الضعف الصينية وتلك “نقطتها الحائرة”