الإسلام دين النظافة بأوسع معانيها

ماجد الدجاني| فلسطين


اهتم ديننا الإسلامي الحنيف بنظافة الإنسان وصحة جسمه، وحرَص أشد الحرص على النظافة بشكل عام وبيّن فضلها، وهذا ما نجده في السنة النبويّة الشريفة؛ فمن يتصفح السنة النبوية والأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك سيجد أحاديث كثيرة تدعو إلى النظافة، ولا توجد أمة على سطح الأرض أشد حرصاً على نظافتها من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فالإسلام حضّ أتباعه على النظافة وأمر بها بشكل عام، من ذلك مثلاً قوله صلى الله عليه وسلم: “إن الله تعالى طيّب يحبّ الطيْب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظّفوا أفنيتكم ولا تَشبّهوا باليهود”. سنن الترمذي.

هذه دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يحرص الإنسان المسلم على النظافة؛ لأن الله سبحانه وتعالى يحب من كانت النظافة صفةً له، كذلك ورد في حديث سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم زائراً في منزلنا، فرأى رجلاً شعثاً قد تفرّق شعره، فقال عليه الصلاة والسلام: “أما كان يجد هذا ما يُسكن به شعره؟!”. صحيح ابن حبان.

ورأى رجلاً آخر عليه ثياب وسخة، فقال عليه الصلاة والسلام: “أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه؟!”. صحيح ابن حبان. فلم يرضَ من الرجل أن يترك شعره هملاً من غير تنظيف أو تسريح أو عناية، ولا أن يلبس ثوباً وسخاً.


الطهارة شرط لكثير من العبادات
اهتم الإسلام كثيراً بنظافة الإنسان حساً ومعنىً، لذلك جعل الطهارة شرطاً لكثير من العبادات، كالصلاة، والطواف بالبيت الحرام، وقراءة القرآن… فهذه أمور لا تصح العبادة بها إلا إذا كان المسلم طاهراً، متوضئاً، حريصاً على نظافة جسمه وبدنه وثوبه ومكانه، ولأجل ذلك أُمِر المسلم أن يتطهر بعد قضاء الحاجة، وقد بيّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من أسباب عذاب القبر عدم تنزّه المرء من بوله. كذلك نقرأ جيداً في كتب الفقهاء أحكام الغسل من الجنابة والحيض والنفاس، وكذلك الأمر بالغسل كل يوم جمعة، حتى أنه جاء في بعض الأحاديث أن غسل الجمعة واجب على كل محتلم[1]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام، يغسل رأسه وجسده”. صحيح مسلم.


طهارة البدن
يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: “طهروا هذه الأجساد طهّركم الله”. مجمع الزوائد. والبدن يعكس حقيقة ما عليه الإنسان من طهارة معنوية كما يقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى: “أما البدن فليست الصورة داخلة تحت كف الآدمي، بل يدخل تحت كفه تحسينها وتزيينها”.

أي إن الإنسان الذي يزين من ظاهره ويزين من ثيابه فهذا يعكس زينة باطنه، ويعكس صلاح قلبه ونقاءه وصفاءه.


أ- التطهر لإقامة الصلوات الخمس
من أبرز ما يحرص عليه المسلم في طهارته أنه يتطهر لإقامة الصلوات الخمس، وفي ذلك فضل كبير؛ فالمسلم عندما يتوضأ يحقق شرطاً من شرائط صحة الصلاة، ألا وهو طهارة البدن, لكنه في الوقت نفسه يحقق أمراً أعظم من ذلك بكثير، ألا وهو مغفرة السيئات والذنوب والمعاصي التي ارتكبها، فقد بشّر النبي صلى الله عليه وسلم المتطهرين والمتوضئين بمغفرة الذنوب، فقال عليه الصلاة والسلام: “أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من دَرَنِه شيء؟”.قالوا لا يبقى من دَرَنِه شيء. قال: “فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا”. صحيح مسلم. فإذا توضأ الإنسان وصلى يُغفر له ما كان بين الصلاتين من الذنوب الصغائر طالما أنه اجتنب المعاصي الكبيرة والعياذ بالله تعالى.

في رواية أخرى يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء”. صحيح مسلم.

عُنِيَ الإسلام كثيراً بطهارة البدن، وقد عبّر النبي صلى الله عليه وسلم عن المؤمنين الذين يُكثرون من الطهارة ويحرصون على الوضوء أنهم بحرصهم على نقاء بدنهم ووضاءة وجوههم ونظافة أعضائهم يُبعثون يوم القيامة غرّاً محجّلين من الوضوء، أي تبدو عليهم علامةٌ تميّزهم عن غيرهم ممن لا يتوضأ ولا يتطهر، لذلك كرم الإسلام بدن الإنسان، وجعل طهارته التامة أساساً لا بد منه لكل صلاة. يقول الله سبحانه وتعالى:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ] سورة المائدة (6).


ب- الحض على نظافة الفم والأسنان
كذلك أمر الإسلام بتنظيف الفم والعناية به، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يستخدم السواك ويقول: “لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة”. صحيح البخاري.

وينصح الأطباء باستخدام معجون الأسنان قبل النوم، وبعد الاستيقاظ، وبعد تناول وجبات الطعام حرصاً على الحفاظ على أسنان الإنسان، فالسواك يقوم بهذا العمل، بل إن فيه من الفوائد – وخاصة عود الأراك – الشيء الكثير ما جمعها بعض الأطباء والمِخْبَريّين بفوائد تزيد على ستين من حيث النتائج الإيجابية التي تنعكس على الإنسان الذي يستخدم السواك بشكل دائم، ومن هنا ندرك قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة”. لِما في السواك من هذه الفوائد العظيمة.
فالسواك فيه فوائد كثيرة، وفيه معانٍ أخرى غير هذه الفوائد الصحية، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: “السواك مَطْهَرَةٌ للفم، مرضاةٌ للرب”.صحيح ابن حبان.


جـ- الاعتناء بالنظافة عند تناول الطعام
أيضاً أوجب الإسلام الحرص على نظافة الطعام، فعلى الإنسان أن يتخلص من كل الفضلات وآثارها وروائحها، وهذا يعد من باب النقاء والتطهير للمسلم. عن سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده”. سنن أبي داود. والمقصود بالوضوء هنا غسل اليدين قبل الطعام وبعده، فالوضوء لغة هو مطلق الغسل.


ء- الاعتناء بصحة الجسم
حتى العلاج والدواء الذي يتناوله الإنسان هو جزء مما دعا إليه إسلامنا العظيم. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم آمراً بالتداوي من باب العناية بالصحة: “ما أنزل الله عز وجل داءً إلا أنزل له دواءً”. مسند أحمد. والتداوي جزء من حفظ المسلم لقوة بدنه القوة المادية:[وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ…] سورة الأنفال (60). ومن باب القوة الأدبية أيضاً. فقد أمرنا عليه الصلاة والسلام بالتداوي، وأمرنا أن نُعنى بصحة أبداننا من خلال العناية بنظافتها، حتى أن الإسلام وصل إلى أمر أبعد من ذلك في تشريعاته ودعوت؛ فقد وضع لنا قواعد في الحجر الصحي لمن أصابه مرض معدٍ أو سارٍ أو غير ذلك، فإذا ظهر مرض معدٍ في بلد ما منع الدخول فيه أو الخروج منه حتى تذهب رقة الداء إلى أضيق نطاق. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها”. مسند أحمد. وذلك من باب الحرص على ألا ينتقل هذا المرض إلى مكان آخر.


هـ- الاعتناء بالزينة والتطيّب
عُني ديننا العظيم عناية كبيرة بزينة الإنسان وجماله. قال تعالى:[يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ…] سورة الأعراف (31). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “من كان له شعرٌ فليكرمه”. سنن أبي داود. وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: “إن الله جميلٌ يجب الجمال”. صحيح مسلم. وكان عليه الصلاة والسلام يُعنى بنظافة ثوبه والطيب كذلك، وهو الذي يقول: “حُبِّبَ إلي من الدنيا النساء والطيب، وجُعلت قرّة عيني في الصلاة”. مسند أحمد.
ومن لطيف ما ورد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تخبرنا به السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدني إليها رأسه فتغسله، ثم ترجّله[2] وهي في حجرتها والنبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، وقد ورد في روايات أخرى عن شمائل النبي صلى الله عليه وسلم أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تطيّب شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسرّحه وترجّله، حتى أن الطِّيْب كان يُرى في مفرق شعره عليه الصلاة والسلام، وهذا دليل على جواز التطيب بالنسبة للرجال، وأن يحرص الرجل على هيئته الحسنة، والنبي صلى الله عليه وسلم أشار كما أسلفنا أنه “حقٌ لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام”. فطالما أننا مأمورون بالنظافة وبأن نأخذ زينتنا عند الدخول إلى المسجد، فالأمر بزينة الثوب وزينة البدن هو جزء من النظافة العامة التي يحلم بها كل إنسان، فالحياة في هذا الكون من غير نظافة لا تطاق، وحرص الإنسان على نظافة كل ما يستخدمه جزء من هذا الدين، وجزء من حبّ الإنسان لشريعته السمحاء.


طهارة الثوب:
أ- الاعتناء بنظافة الثياب
الإسلام عُني بنظافة الإنسان بشكل عام؛ نظافة الطريق والبيت والثياب، فلا بد أن يُعنى المسلم بثيابه ونظافتها وطيبها، فقد أخبر سيدنا جابر رضي الله تعالى عنه أن ذلك الرجل الذي كان يلبس ثياباً وسخة لم تعجب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه؟!”. صحيح ابن حبان. يحرص النبي عليه الصلاة والسلام بذلك على ضرورة نظافة الثوب، وأن يكون ثوبنا نظيفاً وأنيقاً بشكل دائم. جاء في حديثٍ آخر عن رجل يقال له “أبو الأحوص” قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في ثوبٍ دونْ[3] فقال: “ألك مال؟”. فقلت: نعم. قال: “من أي المال؟”. قال قد آتاني الله تعالى من الإبل والغنم والخيل والرقيق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “فإذا آتاك الله مالاً فليرَ أثر نعمة الله عليك وكرامته، إن الله تعالى يحب من أحدكم إذا أنعم الله عليه نعمة أن يرى أثر نعمته عليه”. قال تعالى:[وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ] سورة الضحى (11)


ب- اعتناء النبي صلى الله عليه وسلم بنظافة ثيابه:
أيها الإخوة القراء! العناية بالثياب أمر ضروري، وهو جزء من شخصية المسلم التي ينبغي على كل مسلم أن يبرزها بصورة لائقة ومحببة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعنى هو شخصياً بثيابه؛ فقد كان له جبة يمانية يلبسها يوم العيدين، ويلبسها يوم الجمعة، ويلبسها إذا استقبل الوفود. وقد كان له ثياب أخرى يلبسها مع أهله وعياله، وثياب أخرى يلبسها في الجهاد في سبيل الله تعالى.


جـ- الحض على لبس البياض:
كان عليه الصلاة والسلام يحب لبس البياض، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم نص صريح في فضل لبس الثياب البيضاء وخاصة في الصيف حيث قال: “البسوا البياض فإنها أطهر وأطيب، وكفّنوا فيها موتاكم”. سنن الترمذي. فالثياب البيضاء تعكس النظافة والجمال الذي يُفترض أن يكون عليه كل مسلم، وخاصة أنها أيسر في التنظيف ولا تحمل الوسخ؛ لأن الوسخ يظهر عليها بشكل سريع. وقد ورد عن بعض الحكماء قولهم: “مَن نَظَّفَ ثوبَه قَلَّ همُّه، ومن طاب ريحه زاد عقله”.

طهارة المكان:
أ- الاعتناء بنظافة المسجد
المساجد هي البيوت المُعَدَّة لأداء الصلاة،.
ورد عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أسود – أو امرأة سوداء – كانت تقمّ المسجد فماتت، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها، فقالوا: ماتت. فقال عليه الصلاة والسلام: “أفلا كنتم آذنتموني! دلوني على قبره”. متفق عليه. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم قبرها فصلى عليها. إن هذه العنايةة وهذا التكريم من الرسول صلى الله عليه وسلم لامرأة سوداء – أو لرجل أسود – كان من شأنهم كنس المسجد إنما هو دليل على حرصه عليه الصلاة والسلام على النظافة وعلى إعلاء شأنها، فهذا الرجل – أو تلك المرأة – الذي كان ينظف المسجد كان يقوم بعمل من صلب الدين، ومن صلب هذه الشريعة السمحاء.
فالعناية بالمساجد مما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أنه نهانا عن أمر قد يعدّه بعض الناس يسيراً، ألا وهو البُصاق في المسجد. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “البصاق في المسجد خطيئة، وكفّارتها دفنها”. متفق عليه.


ب- الاعتناء بنظافة المسكن
ومن أنواع النظافة التي ركّز عليها الإسلام نظافة المسكن؛ فالنفس تنشرح عندما ترى مكاناً نظيفاً، وتشمئز عندما ترى مكاناً قذراً، وبيتنا الذي نقيم فيه هو بيت للعبادة والطاعة قبل أن يكون بيتاً للنوم والطعام والشراب، فالله سبحانه وتعالى قد طهّر بيته (البيت الحرام) وعهد إلى سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل عليهما السلام أن يحرصا على طهارة البيت الحرام، وأن يظل مهيَّأً للراكعين والطائفين والساجدين، فقال الله سبحانه وتعالى:[وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ] سورة البقرة (125). فهذا التطهير يشمل التطهير من القذر، ومن مظاهر الشرك والوثنية، فقد طهر الله سبحانه وتعالى البيت الحرام من الأصنام والأوثان التي كانت حوله، وقد أصبح البيت من فضل الله تعالى نظيفاً وطاهراً من حيث الظاهر والباطن.


جـ- الاعتناء بنظافة الطريق:
لقد أعلى النبي عليه الصلاة والسلام من شأن النظافة، حتى أنه مرة ذكر لأصحابه أنه رأى رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس. فالله تعالى أعطاه ثوابه عظيماً وأجراً كبيراً.
فما أروع أن يظل الطريق نظيفاً بعيداً عن كل أذى، وعن كل أنواع الأوساخ والأقذار التي تُلقى في الشوارع، لا بد أن نُعنى بنظافة شوارعنا حرصاً على الصحة والمظهر العام، وأن نُذهب الأذى عنها، فقد عدّ النبي صلى الله عليه وسلم إماطةَ الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان، فقال عليه الصلاة والسلام: “الإيمان بضعٌ وسبعون، فأفضلها قول ((لا إله إلا الله))، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان”. متفق عليه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في بيان فضل إماطة الأذى عن الطريق، وأنها من أفضل أعمال الأمة التي تلقى بها وجه الله سبحانه وتعالى: “عُرِضت عليّ أعمال أمتي؛ حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يُماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخامة تكون في المسجد لا تُدفَن”. صحيح مسلم.
في الوقت نفسه أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين والناس بشكل عام أن يجعلوا الطريق مكاناً لإلقاء فضلاتهم. يقول عليه الصلاة والسلام: “اتّقوا اللاعِنَين”. قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟! قال: “الذي يتخلّى[4] في طريق الناس أو ظلّهم”. صحيح مسلم.
جاء في حديث آخر قوله صلى الله عليه وسلم: “بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخّره، فشَكَرَ الله له فغفر له”. متفق عليه

طهارة القلب
لا شك أيها الإخوة أن عناية الإسلام بالبداية كانت بطهارة القلب؛ طهارة القلب من الشرك، فقد أُمرنا أن تكون عقيدتنا سليمة, وقلوبنا طاهرة من الأحقاد والأدران التي تكدر صفوها، فالقلب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب”. متفق عليه.
وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه ذات مرة عن نتائج سلامة القلب والصدر، وأن هذا النقاء هو أحد الأسباب الموجبة لدخول الجنة إن شاء الله تعالى، فقال عليه الصلاة والسلام: “يطلع عليكم رجل من أهل الجنة”. سنن الترمذي. فدخل رجل من الأنصار, قد علّق نعله في شماله, وماء الوضوء يتقاطر من لحيته. في اليوم الثاني كرر النبي صلى الله عليه وسلم قوله, فخرج الرجل نفسه. وفي اليوم الثالث كرر الرسول صلى الله عليه وسلم بشارتَه لذلك الرجل, فقام عبد الله بن عمر – وفي رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين – إلى ذلك الرجل فقال له: إني لاحيت والدي[5], فإن رأيت أن تضيفني جزاك الله خيراً. فقال له الرجل: نعم. ورحّب به. فمكث عنده عبد الله ثلاث ليالٍ لم يرَ منه مزيد صلاة ولا مزيد عبادة, غير أنه إذا تعارَّ في الليل[6] ذكر الله تعالى، واستيقظ إلى صلاة الفجر. فلما انقضت الليالي الثلاث أخبره عبد الله بما جاء به، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بشره بالجنة ثلاث مرات متتالية. فقال له: والله يا عبد الله! ما رأيت منك مزيد عمل، فحدثني ماذا تفعل؟ فقال الرجل: “والله ما هو إلا ما رأيت مني، غير أني لا أجد لأحد من المسلمين في قلبي غشاً، ولا حسداً على خيرٍ أعطاه الله إياه، ولم أَبِتْ ليلاً ضاغناً على مسلم”. وفي رواية أخرى: “فإني أَبَـحْتُ عِرضي لجميع المسلمين”. الطهور – ظاهراً وباطناً – شطر الإيمان:
أيها الإخوة القراء! إن الله تعالى كمّل المسلم للإيمان، وكمال الإيمان لا يتم إلا بالطهور، وهو النظافة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الطهور شطر الإيمان”. صحيح مسلم. أي أن يجمع المسلم بين طهارة الظاهر بالوضوء والاغتسال ونظافة الثوب ونظافة البدن, وطهارة الباطن بالإيمان بالله سبحانه وتعالى، عند ذلك تُفتَح أبواب الجنة الثمانية للإنسان بعد أن يتوضأ ويقول: “أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله”؛ لأنه بذلك يكون قد جمع بين طهارة الظاهر، وطهارة الباطن من كلمة الشرك، وإعلانه لكلمة التوحيد.


الإسلام دين النظافة بأوسع معانيها

أيها الإخوة القراء! الإسلام هو دين النظافة بأوسع معانيها، نظافة العقيدة بلا شك من الخرافات، نظافة الأخلاق من الرذائل والمنكرات، نظافة اللسان من الفحش والكفر والشتم، نظافة القلم من الكذب والطغيان والفجور والضلال، نظافة الجسد والثياب من الأوساخ، نظافة المسجد، نظافة الطريق، نظافة البيت وفِناء الدار، نظافة سائر جوانب الحياة التي يستخدمها الإنسان في ليله ونهاره؛ حتى يبدوَ المسلم كأنه شامة بين الناس. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إنكم قادمون على إخوانكم، فأصلحوا رِحالكم وأصلحوا لباسكم؛ حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس، فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحّش.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى