الذكاء الاصطناعي وتأثيره على الأمن الإنساني
دلين سردار النوري | أستاذة جامعية ومستشارة قانونية
يقف العالم اليوم أمام ثورة جديدة غيرت شكل حياة البشر، ثورة عمادها الذكاء الاصطناعى، مما تجعل نمط المجتمعات البشرية تتجه نحو منحنى جديد مجتمع يتعايش مع الآلات و متوافقة معها، وتُعَدّ هي شاملة على مُختلف المستويات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والأمنيّة وغيرها، لأنّ تطبيقات الذكاء الاصطناعى تتفرَّع وتتزايَد بصورة لا يُمكن استيعابها وحصْرها؛ فهى تكاد تدخل فى المجالات الإنسانيّة كافّة.
مفهوم الذكاء الاصطناعي
أثار مفهوم الذكاء الاصطناعي جدلاً واسعاً ، واختلف الخبراء في تعريفه اذ عرفه البعض بأنه أحد فروع علوم الكمبيوتر المَعنيَّة بكيفيّة مُحاكاة الآلات لسلوك البشر، الذي يهتم بتطوير الحواسيب لتصبح قادرة على القيام بعمليات تشبه بتلك التي يقوم بها البشر كالتفكير وتصحيح الأخطاء ان وجدت ومنهم من عرفه بأنه عبارة عن التطور التكنلوجي الذي يجعل للالة قدرات مثل ذكاء البشر،كالتعلم و التفكير و التكيف و التصحيح الذاتي..الخ.
وقد أسس مجال الحديث لبحوث الذكاء الاصطناعي عام 1956 في مؤتمر كلية دارتموث على يد نخبة من العلماء منهم (جون مكارثى، مارفن مينسكاي، الين نوبل، هربرت سيمون) مُعرِّفا إيّاه بأنّه عِلم هندسة إنشاء اللات ذكيّة، وبصورة خاصّة برامج الكمبيوتر.
أنواع الذكاء الاصطناعي:
ولمّا كان الذكاء الاصطناعى عبارة عن أنظمة كمبيوتر تُحاكى الإنسان فى تصرفاتهم، فهذا لا يعنى أنّ أى قطعة برمجية تعمل من خلال خوارزميّة مُعيّنة، وتقوم بمَهامٍّ مُحدَّدة يُمكن اعتبارها ذكاء اصطناعيّا. ومن أجل أن نُطلق هذا المُصطلح على نظام كمبيوتر، يجب أن يكون قادرا على التعلُّم، وجمْع البيانات وتحليلها، واتّخاذ قرارات بناءً على عمليّة التحليل هذه، بصورة تُحاكى طريقة تفكير الإنسان.
يمكن تقسيم أنواع الذكاء الاصطناعى إلى ثلاثة أنواع رئيسة تبدأ من ردّ الفعل البسيط وصولا إلى الإدراك والتفاعُل الذاتى،وذلك على النحو التالى:
أولا – الذكاء الاصطناعي؛ الضيق أو الضعف
هو من أبسط أشكال الذكاء الاصطناعى، وتتمّ بَرمجته للقيام بوظائف معيّنة داخل بيئة محدَّدة، ويُعتبر تصرّفه بمَنزلة ردّة فعل على مَوقف مُعيَّن، ولا يُمكن له العمل إلّا فى ظروف البيئة الخاصّة به، مثلا: «الروبوت ديب بلو»، الذي ابتكرته شركة IBM، وقامَ بلعْب الشطرنج مع بطل العالم غارى كاسباروف وهَزَمه.
ثانياً/الذكاء الاصطناعى القويّ أو العامّ:
يَمتاز بالقدرة على جمْع المعلومات وتحليلها وعلى مُراكَمة الخُبرات من المَواقف التى يكتسبها، والتى تؤهِّله لأن يتّخذ قرارات مستقلَّة وذكيّة،السيّارات ذاتيّة القيادة.
ثالثاً/ الذكاء الاصطناعى الخارِق:
ما زالت أنواع الذكاء هذه قيد التجارب وتسعى إلى محاكاة الإنسان، ويمكن التمييز بين نمطين أساسيَّين منها: الأوّل يحاول فَهْم الأفكار البشريّة، والانفعالات التى تؤثِّر فى سلوك البشر، ويملك قدرة محدودة على التفاعُل الاجتماعى. والثانى هو نموذج لنظرية العقل، حيث تستطيع هذه النماذج التعبير عن حالتها الداخلية، وأن تتنبّأ بمَشاعر الآخرين ومَواقفهم وأن تتفاعل معها؛ إنّها الجيل المُقبِل من الآلات فائقة الذكاء.مثلاً روبوت صوفيا شبيه بالبشر صممته شركة “هانسون روبوتيكس” الموجودة في هونغ كونغ صممت كي تتعلم وتتأقلم مع السلوك البشري وتصرفاته، ولكي تعمل مع البشر.
تداعيات الذكاء الاصطناعي على الامن الإنساني
يقصد بمفهوم الامن الإنساني، حماية الانسان من المخاطر المحرجة والمضرة سواء أكانت بيئية اقتصادية وغذائية أم صحية شخصية أو سياسية. حيث يمثل احترام حقوق الإنسان اساس حماية أمن الإنسان ويشدد إعلان فيينا لحقوق الإنسان الصادر في 1993 على عالمية وترابط حقوق الإنسان لجميع الناس.
لما كان الهدف الأساسي للذكاء الاصطناعي هو تسهيل تمكين الافراد من حقوقهم، الا انه يؤثر بالمقابل على هذه الحقوق، قام جدلُ حول الثورة التى سيحدثها الذكاء الاصطناعى على مستقبل الانسان، ولاسيّما أنّها أكبر من قدرة البشر على استيعابها حاليّا، وانقسم آراء الخبراء حول تآثير الذكاء الاصطناعى على الامن الانساني فعلى الرغم من اثاره الإيجابية الا انه في نفس الوقت يطرح مجموعة من التحديات نظراً الى الاستعمال الواسع لهذا الفضاء واستثماره في مجالات سلبية من قبل البعض.
القسم الأول يرى بأنّه يُحسِّن حياة الأفراد ويَجعلها أكثر سهولة، كما صرَّح مؤسِّس Apple, Google Amazon, Facebook
أمّا القسم الآخر فعبَّر عن مَخاوفه من التداعيات السلبيّة للذكاء الاصطناعى على حياة البشروهناك العديد من القضايا التي لابد من الوقوف عندها كالجريمة المعلوماتية والامن الالكتروني بل وحتى الامن القومي وكلها بالمحصلة تمس الامن الانساني، وقد أشار الأمين العام للأمم المتحدة في الجلسة التي انعقدت في 24 من شهر سبتمبر 2018، للمخاطر التي قد تنجم عن هذا المستوى من التطور التكنولوجي، حيث دعا الدول إلى التفكير في كيفية الاستفادة من التطور التكنولوجي وبالموازاة التقليل من مخاطره واعتبره بمثابة تهديد جديد للسلم والأمن الدوليين.وغالى أصحاب هذا الرأى فى تشاؤمهم إلى حد القول إنّ تطوير ذكاءٍ اصطناعى قد يُمهِّد لنهاية الجنس البشري.
مميزات الذكاء الاصطناعي
حققت بحوث الذكاء الاصطناعي نجاحاً في نهاية التسعينات وبداية القرن والواحد والعشرون في مجلات كبيرة في التكنلوجيا والطب ومنها استخراج البيانات والتشخيص الطبي وغيرها من الإنجازات، مما يمكن أن يفتح فرصًا هائلة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs) التي حددتها الأمم المتحدة في خطة التنمية المستدامة لعام 2030.
إذ عملت النهوض بالتعليم وتطويره، وهذا ما حققته الولايات المتحدة الأمريكية في التسعينات من القرن الماضي عند ادراج اتفاقية تحرير الخدمات ضمن الاتفاقات المشمولة للمنظمة العالمية للتجارة، حيث اعتبرت هذه الأخيرة التعليم الإلكتروني خدمة تباع وتشترى باعتبار مستقبل التعليم عن بعد بواسطة الانترنيت، والذي كانت الولايات المتحدة آنذاك قادرة على ضمانه كحق للأفراد كونها هي من يحكم الانترنيت وهي المتربعة على عرش السيادة التكنولوجية دوليا.
هذا وبالإضافة توفِّر نُظم الذكاء الاصطناعى مميّزات متعدِّدة فيما يتعلق بالامن القومي و العسكري، من حيث تحقيق الكفاءة والفاعليّة فى ساحة المعركة، والحفاظ على الأرواح البشرية وحمايتها، فضلا عن مكافحة الإرهاب والتنبّؤ بالتهديدات المستقبلية
تحديات الذكاء الاصطناعي
حسب تقرير هيئة الأمم المتحدة حول شبكة الإنترنت الصادر في3 يونيو2011: اشارت الى انه “وبالنظر إلى أن الإنترنت أصبحت أداة لا غنى عنها لتحقيق عدد من مبادئ حقوق الإنسان، ومكافحة عدم المساواة، وتسريع التنمية والتقدم الإنساني، ينبغي ضمان حصول الجميع على خدمة شبكة الإنترنت وأن يكون من أولويات جميع الدول”.
ومن التحديات الواضحة للذكاء الاصطناعي هو تأثيره على الحرية كحق من الحقوق الأساسية. فرغم أن الانترنيت والهواتف الذكية سهلت إلى حد كبير ممارسة الأفراد لحرية التعبير، فإنها بالمقابل تساهم في تقييد هذه الحرية، وذلك لأن نفس الوسائل والتقنيات التي تشجع حرية التعبير تسهل مراقبة هذه الحرية أحيانا كثيرة بدوافع أمنية. هذا بالإضافة الى خرق الحق في الخصوصية اذ تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي على كمية هائلة من البيانات بما في ذلك البيانات الشخصية، والتي قد تحتوي على معلومات حساسة مثل العلاقات الأسرية والآراء الدينية وغيرها.
وعلى مستوى الأمن القومي: حيث يُمكن لدولة أجنبيّة أن تَستخدم نُظم الذكاء الاصطناعى للتعرُّف إلى الأفكار والتوجّهات السياسيّة والاجتماعيّة لأفراد الدولة المعادية لها على مَواقِع التواصل الاجتماعى، إضافة إلى إمكانية توظيف جميع أجهزة الذكاء الاصطناعي للتدخل في الشؤن الداخلية للدول، حيث لم تعد الحروب اليوم تقليدية، بل أصبحت حروبا الكترونية أو سيبريانية. وستكون كلمة الفصل في تحديد مسار الإنسانية لمن يمتلك السيادة التكنولوجية.
الخاتمة
بما آن الذكاء الاصطناعى سيكون قادرا على القيام بوظائف متعدّدة على المستوى الشخصى فى حياتنا اليوميّة ، ورصْد أيّ مُحاوَلة اختراق أو قرْصَنة والتنبُّه لها، ولأنّه سيخرق حقوق الانسان في حقه في الخصوصية والتعبير والتنبيه إلى خطرٍ ما، وقيادة سيّارتنا، والتعرُّف إلى حالتنا النفسيّة والمزاجيّة والتفاعل معها،الخ…، لذا لا بدّ من وضع منظومة تنظيميّة وأخلاقيّة تَحكم عمل الذكاء الاصطناعى، وحماية الوظائف التى سوف تتأثَّر جرّاء عمليّة الأجهزة الذكيّة، وصياغة قوانين تَضمن حقوق البشر الأساسيّة.