عوالم العاطفة المحسوسة في المجموعة القصصية ” ياسمين ”
قمر منى | فلسطين
كتاب الياسمين للكاتبة الفلسطينية إسراء عبوشي، الصادر عن دارالشامل للنشر والتوزيع ، يحتوي الكتاب على ١٦٢صفحة من القطع المتوسط، حيث يتضمن مجموعة من القصص القصيرة، أما الغلاف فقد حمل لوحة للفنّان الفلسطيني: عماد أبوشتية وصممته من مصر وفاء صلاح.
استهلت الكاتبة الفلسطينية مجموعتها القصصية التي تحمل عنوان “الياسمين” بمقدمة للأستاذ جميل السلحوت الذي بدوره قدم الكاتبة بنيذة عن حياتها تحت ظل الاحتلال كما أشاد بالهدف من هذه المجموعة التي تنقسم الى أربعة أجزاء وهي ” تفرق شملنا، المعزوفة الأخيرة، أسطورة الحب، قيود “الياسمين”.
ويبدو أنها شاهدة عيان لتلك الجرائم والفوضى التي خلفها الاحتلال لذا تقرر أن تعطر حروفها بالياسمين فتكتب عن الدم، عن الحلم الياسميني الصاعد .
أما الاهداء فقد اسقتنا الكاتبة من خلاله الحب لعائلتها وبالأخص والدتها التي بدات بها وقد حققت حلمها المنتظر.
القصة الأولى”تفرق شملنا“: تحدثت الكاتبة من خلال هذه القصة عن حرب ١٩٦٧ وما جرى من تقسيم للأراضي الفلسطينية إلى شرقية وغربية مما أودى إلى بعثرة العائلات وشتاتهم، حيث قامت الإدارة الأردنية بضم جزء من فلسطين لها ” الضفة الغربية”، كما أنها منحتهم الجنسية الأردنية.
ولا شك بأن الكاتبة تنقلنا من موضع إلى آخر فتراها تتحدث عن أسباب قوة الشعب الذي لا يقهر والذي ينهض من جديد مهما اشتدت عليه الظروف والمحن كما انها تتحدث عن جمال الأم الفلسطينية وصمودها فتراها تخلع شوك الحياة بإرادة صلبة وعزيمة لا تموت ، بالإضافة إلى أنها تعرض معاناة المرأة والتي ما زال التعامل معها يقتصر على أنها خادمة ليس لها حقوق .
ملخص القصة :تروي هنا لنا الكاتبة قصة الشاب “سامر ” الذي كان لحبه النصيب الأكبر من البعثرة وذلك من خلال حبه لابنة عمه”مرام ” التي تعتبر اردنية والتي لا تمتلك الجنسية الفلسطينية وهذا يعني بأنها ليست مواطنة من فلسطين وأنها أجنبية، ويبدو أن الاحتلال لم يقتصر على شطر البلاد فقط وإنما شطر القلوب والعقول وغرس بها من الأفكار ما يشتهي.
ولكن الحب أقوى بكثير من جميع أسباب الفراق، فتراها تقول “الحُب يترك في سماء الوصال علامات كأنه يهمس ولا يسمعه إلا حبيبان صدقا العهد ” ثم تبدأ خيالات الرفض التي تحول بين سامر ومرام وتبدأ الأفكاربالضغط عليهم ومنها أن مرام إذا تخطت الحدود ودخلت فلسطين فلن تستطيع العودة إلى أهلها في الأردن وبذلك تعود العائلة إلى الشتات والاغتراب مرة أخرى .
وبعد فترة وجيزة تتدخل وصال “اخت مرام ” لكي تقنع الأهل بأن الحب أقوى من كل شيء وأنها ستتولى العناية بأمها حين تسافر مرام وسرعان ما جاء يوم الفرح في الضفة الغربية “الأردن ” لترحل بعد ذلك إلى فلسطين الذي لم يعد وطنها.
القصة الثانية “المعزوفة الاخيرة” :تتحدث هنا الكاتبة عن ألم السجن للسجين والعائلة والذي يعتبر غربة مذاقها علقم ، عن العنف والتنكيل الذي يتعرض له السجين سواء لفظي، جسدي، نفسي، عن الخسارات التي تلحق به، عن فقدان أحد أعضائه ووصوله إلى العجز، تحدثت أيضا عن الرباط في الأراضي المقدسة والصمود رغم الأساليب العنيفة والتهديد.
ملخص القصة : قصة فتاة تسمى سعاد بنت الثانية عشر ربيعآ، تزوجت من شاب يدعى عمر، وكان زواجهما تقليدي لكنه بُني على الحب ولم تمر فترة إلا والظلام يحيك ما يريد من أفعال وفي ليلة مات فيها القمر طرق باب بيتهم لص محتال فتتمزق الأسرة الصغيرة ويقوم الاحتلال بسجن عمر والذي حكم عليه ب٣٠ عامآ ويبدو أن عمر فدائي الهُوية وما أن توارت الأيامفانجبت سعاد طفلها “إباء”.
وما إن كبر ابنها وأصر على زيارة الأقصى فبات شهيدآ، عريسا لمدينة فلسطين، فتقول سعاد “أحدهم بالجنان والأخر جنتي” ثم بعد ذلك يخرج زوجها من السجن وكالعادة فلن أتفاجئ بما سردته الكاتبة من عادات وتقاليد أنا لا أحبذها، فبعد طول انتظار هذه المرأة لخروج زوجها من السجن إلا أن الأهل يقررون أن يزوجواابنهم عمر بدافع إنجاب أطفال ويبدو أن نظرتنا إلى المرأة لن تتغير بأنها خلقت فقط للانجاب!!
القصة الثالثة “أسطورة الحب”:
تنتقل بنا الكاتبة إلى عالم الحب والأحلام، وتستحضر قضية زواج الفتيات من رجال العائلة بحيث أن لا يأخذهم غريب، تذكر هنا الكاتبة قوة الإخلاص للفتيات التي تفوق بكثير الرجال
ملخص القصة: تروي لنا قصة شاب يدعى “عمر”وفتاة “أمل” يجمعهما الحب رغم بعد المسافة، حيث كانت الفتاة تزور قريتها بين حين وآخر وترى ذلك الحبيب الذي كان ينتظرها أن تطل عليه وتبدأ بعد ذلك اللقاءات بينهما للافصاح عن الحب، وكعادة الفتاة في المجتمعات العربية التي لطالما تحبذ بوح الرجل دائما بحبه لها وتنتظر الفارس المغوار الذي لا يخجل إلا أمام عينيها.
إلا أن الأحداث تتأزم فتسحب الثورة معها رجالآأبطالآ للجهاد منهم عمر وما أن اشتدت الظروف وسجن عمر ٣ سنوات وبعد طول انتظار ولوعة فراق، يزِّف أبو عمر خبر خطوبة ابنه عمر على ابنة عمه ابن الشهيد التي لا بد من احتضانها في العائلة وأن لا يأخذها غريب، وما أن مرت الأيام وتزوج عمر ابنة عمه رغمآ عنه. إلا أن الحياة أقفلت أبوابها على امل لذا تقرر الزواج هروبا من الحب لكن القدر يجمعها بعمر مرة أخرى فيحاول عمر الاقتراب من زوج أمل بحجة العمل، ويبدو أن أمل لم تنساه فيعود قلبها ليخفق بحبه من جديد لذا تقرر الطلاق من زوجها فهي لا تستطيع أن تقدم الحب الحقيقي لزوجها .
سنوات تمر من عمر أمل وتبقى أمل على أمل أن تجتمع بعمر الذي يقرر الحفاظ على أسرته مقابل ذلك الحب تصاب أمل بمرض السرطان ولا تجد من يخفف عنها ويبدو أن لحبها أصالة امرأة شرقية لا يمكن أن تتلاعب بمشاعر الآخرين وان احبت فانها تحب من القلب ورغم ذلك الألمالا ان وهي على فراش الموت لا تتمنى إلا أن ترى عمر “ذلك الحبيب الذي أدار ظهره لها ورحل !!”
نعم ماتت تلك الأسطورة التي لم تفلح بالنسيان ويبدو أن الموت سياخذ حق أمل وسيكون لعمر النصيب الأكبر من فراقها لسنواته المتبقية من عمره .
تختتم القصة بندم عمر واعتراف زوجته بأنها على دراية بحبه لأمل، لكن يبدو أن عمر تبقى منه حتفة من الوفاء وقرر العودة إلى زوجته لكن كغريب وليس كزوج فيبقى في عزلة لفترة من الزمن ويعترف بأن الحب الذي يولد لا يموت .
القصة الرابعة “قيود الياسمين”:
- تطرح الكاتبة قضية المرأة الفلسطينية التي ما زالت تنجب أبطالاً رغم ما فقدته من شهداء
- تتحدث عن الشباب الذي يفني عمره في سبيل الحرية للأرض
- طرحت قضية عملاء الوطن لكن لا شك بأن العميل الخائن لا علاقة لعائلته به وأن الصفة لا تشملهم كما أنها تذكر العديد من الأسباب لبيع الوطن ولكنني لا أعتقد بأنها مقبولة أو كافية مهما كانت، فالغاية لا تبرر الوسيلة حتى لو كان مكرهآ فلا شك بأن كثيرا من الناس تبيع أوطانها لأنه الأساس خائن أو بهدف مادي.
- تعود الكاتبة لتقص علينا قضية الفصائل والأحزاب التي قسمت الشعب الفلسطيني إلى أجزاء
- تنوه الكاتبة إلى مدى الظلم والأذى والجحيم الذي يعيشه أهل الأسير أو الشهيد مثل هدم المنازل والتهجير قسرآ
- عرضت أنواعاً كثيرة من الجهاد ولا شك بأن الأم الفلسطينية التي كانت تعد الطعام للمحاربين هو نوع من أنواع الجهاد .
ملخص القصة : تستهل الكاتبة هذه القصة بالتمني بأن تكون أجسادنا جسرآ للحرية وتبدأ بابي فداء ذلك المولود الجديد للأرض الذي جعل لتاريخه بصمة لن ينساها أبناء شعبه ، كان أبو فداء فدائياً مطارداً من الاحتلال ولا يستطيع رؤية أهله إلا حين تتاح له الفرصة لزيارتهم بين حين وآخر، وكأي رجل يحلم بالاستقرار والزواج وبناء الأسرة، وسرعان ما تقرر عائلته أن تزوجه من فتاة تدعى ياسمين وذلك من خلال فرح صامت بسبب وضعه المأساوي وحدادآ على أرواح الشهداء، يتفاجأ أبو فداء ذلك الوطني بأن ياسمين ابنة عميل فيتردد بالزواج منها لكن النصيب أقوى بكثير مما نعتقد، ويبدو أن ياسمين قد عانت من سمعة أبيها السيئة والتي رافقتها في ظل مجتمع لا يرحم، ويبدو أن حياتها كانت جحيماً منذ أن توفيت والدتها قهرآ على يد والدها لكن تم النصيب وتزوجها أبو فداء.
نعود إلى الأفراح من جديد ويبدأ عرس أخته لأبي فداء وكالعادة الجواسيس ينتشرون خصوصا بعد أن شاع خبر وجود أبي فداء ولم يصبر العدو كثيرا حتى تمكن من الإمساك بأبي فداء بعد أن كوّن عائلة وأصبح لديه فداء، وبعد سنوات عديدة جاء قرار بتبادل صفقات للأسرى وكان من ضمنهم أبو فداء، حيث كانت ياسمين تنتظره لكي يستقبل معها مولودهم الجديد الذي حملت به من وراء القضبان ولم تنتظر أن تهرم أو يفوتها عمر الإنجاب، هكذا هي الأم الفلسطينية التي تحاول دائما أن تنجح في جميع المصائب والمحن .
ملاحظات :
- غلب على هذه القصص الطابع التراجيدي الحزين .
- لا شك بأنها مجموعة قصصية ثمينة المحتوى إلا أنني كنت أفضل وضعها في رواية واحدة لأن جميع القصص تدور حول قضية واحدة ألا وهي القضية الفلسطينية
- أسلوب الكاتبة حماسي للدفاع عن الوطن ، تراها أحيانا تحمل مشاعر حزينة تخاطب الروح .
- كما أعجبني أسلوبها الممزوج بين القوة والعاطفة فتراها تقول : ” كنت أتجنب النظر لعيونها، كي لا تجرحها نظرات الشفقة التي تسكن عيوني رغمآ عني”.
- لا شك بان الياسمين ورائحته العطرة ازهرت علينا بثوب لافت مبدع يحمل معاني القسوة والأمل معآ، ولا شك بأن القلم الذي يحمل الجمال لا بد بأن يصل إلى ما يريد.