الحبس المنزلي في القدس المحتلة انتهاك خطير للقانون الدولي
علي أبوهلال محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي | فلسطين
في إطار سياستها القمعية بحق المقدسيين في مدينة القدس المحتلة، تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي ممارسة كافة الانتهاكات التي تمس حقوقهم وحرياتهم، بما يتعارض مع كافة المواثيق والاتفاقيات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان، وحرياته الأساسية، ومن ضمن هذه الانتهاكات “الحبس المنزلي”، والذي أصبح سياسة ثابتة ومتواصلة منذ عدة سنوات، طالت فئة الأطفال، بالإضافة إلى القيادات الوطنية السياسية والميدانية والعامين في المسجد الأقصى والمرابطين والمرابطات فيه.
وفي هذا الإطار اعتقلت قوات الاحتلال ثلاثة مقدسيين من حي بئر أيوب في سلوان جنوبي المسجد الأقصى المبارك، هم الفتى مهدي خضور، والشابين عامر المحتسب، وعبد عودة ونقلتهم إلى أحد مراكز التحقيق بالقدس، وأفرجت عنهم بعد ذلك مساء السبت الماضي 19/9/2020، بشرط الحبس المنزلي لمدة 5 أيام.
دأبت سلطات الاحتلال والمحاكم الإسرائيلية على فرض أحكام “الحبس المنزلي” التي تقضي بحبس الشخص فترات محددة داخل منزله، أو في منزل أحد الأصدقاء أو الأقرباء، بشكل قسري، وقد يمدد الاحتلال الحبس المنزلي لفترات جديدة، وكل من يخالف يتعرض لعقوبات إضافية، ما جعل من بيوت المقدسيين سجونًا لهم، حيث يمثل الحبس المنزلي عقوبة أكبر من السجن الفعلي، فهو يقيد المحبوس ومن يكفله، ويخلق حالة من التوتر الدائم داخل المنزل وخاصة عندما يكون المستهدف من الحبس المنزلي طفلًا، لما يحدثه من آثاراً وخيمة عليه من ناحية نفسية واجتماعية.
وهناك نوعان من الحبس المنزلي: الأول يُلزم الشخص، سواءً أكان طفلا أم فتاة، رجلًا أم امرأة، بالبقاء في بيته، وعدم الخروج منه مطلقًا طوال الفترة المحددة، والنوع الثاني (وهو أصعب من الأول) يتمثل بفرض “الحبس المنزلي” على الشخص في بيت أحد الأقارب أو الأصدقاء بعيدًا عن بيت العائلة ومنطقة سكناه، ما يشتت العائلة ويزيد من حالة القلق لديها.
تلجأ سلطات الاحتلال إلى أسلوب الحبس المنزلي بالنسبة للأطفال دون سن 14 عاماً، لأن القانون “الإسرائيلي” لا يجيز حبسهم، وخوفًا من التعرض للانتقادات الدولية والمؤسسات الحقوقية، وتفيد الإحصاءات الصادرة عن “هيئة شؤون الأسرى والمحررين” أن عدد الأطفال المقدسيين الذين صدرت بحقهم أحكام بالحبس المنزلي (120) طفلا في العام 2019 و (90) طفلا في العام 2018 و(95) طفلًا خلال عام 2017، و(78) طفلًا خلال العام 2016م، و(60) طفلًا خلال العام 2015، أما بالنسبة للكبار فأن سلطات الاحتلال تحاول من خلال الحبس المنزلي، منعهم من مباشرة أعمالهم ونشاطاتهم الوطنية في إطار وظائفهم أو حياتهم اليومية، وغالبًا ما يطال الحبس المنزلي القيادات الوطنية الفلسطينية في مدينة القدس، كما حدث في نهاية عام 2018 وحتى مطلع العام 2020 عندما استهدف محافظ محافظة القدس (عدنان غيث) والعشرات من القيادات الوطنية الميدانية، في المدينة بالاعتقال ومن ثم الحبس المنزلي.
وفي أوائل العام الجاري، أبلغت قيادة الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي ستة شبان فلسطينيين من بلدة العيسوية، بأنها تعتزم إصدار أوامر اعتقال منزلي ليلي إداري بحقهم، لعدة أشهر، بموجب أنظمة طوارئ وضعها الانتداب البريطاني. ولفتت صحيفة “هآرتس” إلى أن استخدام أنظمة الطوارئ هذه “غير مألوف”، وأن قائد الجبهة الداخلية، تامير يدعي، سيصدر أوامر الاعتقال هذه بصفته القائد العسكري للمنطقة، علما أن إسرائيل تزعم أن القدس الشرقية تقع تحت “سيادة” إسرائيل، ويعني إصدار الجيش، وليس الشرطة، أوامر كهذه اعترافا بأن القدس الشرقية هي أرض محتلة.
ومن الجدير بالذكر أن القرار الإداري الجديد بحق الشبان صدر عن قائد الجبهة الداخلية “تامير يدعي” بصفته القائد العسكري للمنطقة، واستخدم لتنفيذ ذلك أنظمة الطوارئ التي وضعها الانتداب البريطاني، ومن غير المألوف تطبيق القوانين العسكرية على مدينة القدس، التي تدعي إسرائيل أنها موحدة بشطريها، وتخضع لسيادتها، ويعني إصدار الجيش لا الشرطة مثل هذه القرارات اعترافا بأن القدس الشرقية مدينة محتلة.
يشار إلى أن أنظمة الطوارئ الانتدابية تمنح صلاحيات واسعة لقادة جيش الاحتلال، الذي يستخدمها من أجل تنفيذ اعتقالات إدارية وهدم بيوت في الضفة الغربية، “واستخدامها في مناطق تحت سيادة إسرائيل نادر جدا” وفقا للصحيفة. واستخدمت هذه الأوامر في الماضي من أجل منع قياديين فلسطينيين من التنقل من القدس إلى الضفة، أو من أجل هدم منازل في القدس المحتلة.
إن “الحبس المنزلي” يُعد إجراءً تعسفياً غير إنساني ومخالف للشرعة الدولية لحقوق الإنسان، ومخالفاً لقواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني، ولكل المواثيق والأعراف الدولية، وفي مقدمتها اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 وبروتوكولاتها الاختيارية، واتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبروتوكولاها الإضافيان لعام 1977م.
وتتحمل حكومة الاحتلال المسؤولية الدولية عن هذا الانتهاك الخطير، الذي تمارسه ضد الفلسطينيين في القدس المحتلة، ما يستوجب ملاحقتها لدى القضاء الجنائي الدولي وخاصة لدى المحكمة الجنائية الدولية.