شبابيك زينب رواية الانتفاضة الأولى
جميل السلحوت| القدس
رواية “شبيبيك زينب” للأديب الفلسطيني رشاد أبو شاور، صدرت طبعتها الثالثة عن دار الشّروق للنّشر والتوزيع عام 2018 ، وتقع في 111 صفحة من الحجم المتوسّط، وكانت الطبعة الأولى قد صدرت عام 1994 عن دار الآداب في بيروت، في حين صدرت الطبعة الثّانية لاحقا عن دار الأسوار في عكّا.
أديبنا أبو شاور كاتب ومناضل معروف، ولد عام 1942 في قرية ذكرين قضاء الخليل، والتي احتلت ودمّرت في نكبة العام 1948. عاش أديبنا في عدّة مخيّمات منها:”الدهيشة، النويعمة واليرموك”، كما تنقّل في عدّة دول عربيّة، حتى انتهى به المطاف في العاصمة الأردنيّة عمّان. صدرت له حتّى الآن ثماني مجموعات قصصيّة وسبع روايات.
حصل على عدّة جوائزمنها:جائزة القدس للعام 2016 من الاتّحاد العامّ للأدباء والكتّاب العرب، جائزة القصّة القصيرة عام 1996على اسم القاصّ الرّاحل محمود سيف الايراني من رابطة الكتّاب الأردنيّين. ومنح وسام المنظّمة العالميّة للصّحفيّين عام 1982.
تعتبر رواية شبابيك زينب للأديب رشاد أبو شاور رواية الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى، وتدور أحداثها في مدينة نابلس ومخيّم بلاطة المجاور لها، وإن امتدّ مكان الرّواية إلى مدينة القدس، إلى مستشفى المقاصد الخيريّة حيث نقل أحد المصابين إصابة بالغة إليه.
وسيلاحظ القارئ أنّ الأديب أبو شاور قد صاحب فعاليّات الانتفاضة في مدينة نابلس ومخيّم بلاطة رغم أنّه لم يدخلهما قبل كتابته للرّواية، التي كتبها أثناء إقامته في تونس بعد خروج منظّمة التحرير من بيروت عام 1982. لكنّه كان يتابع الأوضاع من خلال وسائل الاعلام. ، وبالتّأكيد فإنّ أديبنا زار نابلس عندما دخل الأراضي الفلسطينيّة زائرا بعد قيام السّلطة الفلسطينيّة. وما يهمّنا هنا أنّ الكاتب وصف المدينة قبل أن يدخلها، فتحدّث عن جبليها “جرزيم وعيبال” ، وعن حاراتها القديمة، وعن الطّائفة السّامريّة وهذا يذكّرنا بما كتبه الدّكتور عادل الأسطة عن الأدباء الذين كتبوا عن مدن لم يعيشوا فيها.
واكتسبت الرّواية اسمها “شبابيك زينب” من تلك الفتاة النّابلسيّة زينب التي كانت تقف على شبابيك بيتها، تراقب الحمام الذي هو رمز للسّلام، كما كانت تراقب بغصّة دوريات الاحتلال العسكريّة التي كانت تجوب شوارع المدينة. وعندما انطلقت الانتفاضة الأولى في 8 ديسمبر 1987، بعدما قام مستوطن اسرائيليّ حاقد بدهس ثمانية عمّال فلسطينيّين من مخيّم جباليا في قطاع غزّة عند حاجز إيرز.
فوقفت زينب عند شبّاك بيتها تحمل شعلّة ناريّة، وخرجت مئات المشاعل معلنة بدء الانتفاضة، لكنّ زينب استشهدت برصاص قنّاص اسرائيليّ، استشهدت وخطيبها معتقل في سجون الاحتلال.
وسيلاحظ القارئ للرّواية أنّ أديبنا أبو شاور، قد وصف فعاليّات الانتفاضة وكأنّه مشارك في فعاليّاتها، حيث ينتقل بشخوص روايته من جبلي نابلس”جرزيم وعيبال” إلى حاراتها، إلى رفيديا بوّابة نابلس الشّماليّة، مخيّم بلاطة بوابّة المدينة الجنوبيّة الشّرقيّة، ليصل بالقارئ إلى القدس.
وسيلاحظ القارئ من خلال الرّواية كيف اكتمل مشهد الفلسطينيّين الذين يعيشون في وطنهم التّاريخيّ، ففلسطينيّو الأراضي المحتلة عام 1967هم المنتفضون، وفلسطينيّو الدّاخل يجمعون التّبرّعات والموادّ التموينيّة ويقدّمونها كمساعدات لاخوانهم المنتفضين.
وقد لفت انتباهي اسم “صالح” من جماعة حركة الأرض، فهل جاء هذا الاسم عفويّا في الرّواية، أم أنّ الكاتب قصد به المناضل المرحوم صالح برانسي “1928-1999” ابن الطّيبة في المثلث؟ وهذا ما أعتقده، فالمرحوم صالح برانسي مؤسّس رئيس لحركة الأرض، التي ظهرت كتيّار قوميّ في الدّاخل الفلسطيني عام 1958. وقد قمعها الاحتلال في مهدها واعتقل رموزها، ومنهم صالح برانسي لسنوات عديدة ولأكثر من مرّة، وهذا ما أخّر زواج برانسي.
كما لفت انتباهي دكتور التاريخ”عزّالدّين” الذي يشكّل الذّاكرة الفلسطينيّة.
الطّبقات الاجتماعيّة
تطرّقت الرّواية إلى الصّراع الاجتماعيّ والطّبقيّ الذي لا تزال رواسبه موجودة في أوساط الشّعب الفلسطينيّ، رغم أنّ الاحتلال يقمع الجميع، فالتّاجر الحاج فخري بن المدينة رفض حتّى مجرّد الاستماع لأحد أبناء مخيّم بلاطة الذي جاء خاطبا لابنته. ومعلوم أنّ هكذا موقف لا يقتصر على اللاجئين من أبناء المخيّمات، بل يتعدّاهم إلى أبناء القرى أيضا. وهذا يذكّرني بعيدا عن الرّواية بما كنّا ندرسه في كتاب التّاريخ في المرحلة الابتدائيّة في خمسينات القرن العشرين عن طبقات المجتمع، حيث تقسم كالتّالي: “سكّان المدن، سكان القرى”الفلاحون” وسّكان الباديّة!”
الموت والحياة
في الجزء الثّاني من الرّواية طرح الكاتب قصّة الفلسطينيّ “ناصر” الذي أصيب برصاصة فتّتت دماغه، وتمّ نقله من المستشفى في نابلس إلى مستشفى المقاصد الخيريّة في القدس، حيث بقي حيّا من خلال الأجهزة الطّبّيّة، مع أنّه ميّت”اكلينيكيّا”موت سريري. وهناك حاولت أسرة اسرائيليّة ثريّة مساومة العائلة من خلال “صحفي عربيّ” لشراء قلب “ناصر” لزراعته في جسد ابنهم “يسرائيل” الذي يعاني سكرات الموت، ولا ينقذه إلّا زراعة قلب. وهنا نرى المفارقة فوالدة ناصر التي تجلس منهكة حزينة بجانب سرير ابنها في المستشفى تدعو الله أن يشفيه، يقابلها أهل “يسرائيل” الذين يريدون انقاذ حياة ابنهم بشراء قلب “ناصر”! ويحتدم النّقاش فلسطينيّا إلى أن جاء خبر وفاة “يسرائيل”. وكأنّي بالرّواية تريد أن تصل بنا إلى ما مفاده، أنّ الصراع الفلسطينيّ صراع حياة أو موت.