شعار ( القدس أولا …) الذي أصبح بلا معنى

يونس العموري | فلسطين

 

بخلفية المشهد للحقيقة وفي ظل التغني بالقدس ومحاولة الإيهام بأن القدس أولا وهو الشعار الذي أضحى مستهلكا وباتت جملة غير مكتملة المعنى والفحوى، وطرح الشعارات الكبرى حول  القدس، إنما يشير وبشكل واضح إلى ما يمكننا أن نسميه محاولة لتصحيح الجريمة والخطيئة التاريخية التي لحقت بالقدس حينما تراجعت القدس وما زالت تتراجع لتصبح القدس آخرا، القدس بعد أريحا، وبعد غزة، وبعد رام الله، بل إنها قد تأتي بالمراحل المتأخرة بكل شأن من شؤون الفعل العام الفلسطيني وهذا ما تفسره الكثير من الوقائع المقدسية على الأرض حيث تراجع الميزانيات المطلوبة للقدس وتراجع دور المؤسسات وهجرتها من القدس بل إنها قد تراجعت في أجندة الفعل الوطني لسنوات طويلة ما بعد إغلاق الكثير من مؤسساتها سواء أكانت بأوامر احتلالية أو تلك الطوعية نتيجة السياسات الفلسطينية بحقها، وأقصد هنا بالفلسطينية الرسمية حيث تراجع الاهتمام بكل ما هو مطلوب لتعزيز صمود القدس ومواطنيها ومؤسساتها وبشرها وحجرها وهذا ما يتلمسه أبناء القدس وما أجمعت عليه أيضا كل التصريحات والدراسات من الكل رسميا ومؤسساتيا وقيادة ومعارضة وموالاة وتيارات وجدت نفسها خادمة لأجندات إقليمية وأشخاص يديرون معارك تصفية حسابات الكبار من عواصم القرار بمدائن الملح …

إن شعار (القدس أولا…) المطروح اليوم ليحمل في طياته الكثير من الدلالات… وبرأيي حتى تكون بالفعل القدس أولا لابد أولا من أن يتراجع الشعار السابق من حيز الوجود أو على الأقل من دائرة صناعة القرار الوطني الفلسطيني ومغادرة قوانين (غزة أريحا أولا ..) ما تأسس عليها من تداعيات ووقائع نعيشها ونعايشها وتعيشها القدس بالظرف الراهن، بمعنى حتى تكون القدس أولا فمن المطلوب فهم وقائع القدس وحيثيات الفعل الإسرائيلي فيها وهذا ما هو معلوم ومعروف بل إنه ملموس… والمتتبع للمنهج الإسرائيلي في القدس يلاحظ إن إسرائيل تعمل على أساس فرض الأمر الواقع الإسرائيلي على القدس وعلى كافة المستويات والصُعد وتسعى لأن تروج بضاعتها على الساحة الإقليمية والدولية وبالتالي دفع الكل الإقليمي والدولي لتقبل الاستحداثات الجديدة في القدس وهو ما نراه يتراكم في ميزان الإنجازات الإسرائيلية حيث التسليم بالأمر الواقع من قبل المجتمع الدولي لما تحدثه اسرائيل في القدس بل والتعاطي مع الحقائق والمستجدات الجديدة هذه… وليس أدل على ذلك سوى قضية الجدار الملتف حول القدس والخانق لها والسالخ والعازل لها عن محتواها الوطني بعد أن تم عزلها على محيطها العربي والإسلامي والإنساني…. وموجات التطبيع العربي الرسمي مؤخرا والقبول باستحداثات الاحتلال للقدس والتسليم بكونها العاصمة الأبدية للدولة العبرية.

وباعتبارها العاصمة الموحدة للدولة العبرية ولا سيادة إلا سيادة يهوذا عليها …واستحداث كل القوانين المفعلة من قبل دوائر التشريع الإسرائيلي بحقها ونقل سفارة البيت الأبيض إليها، واعتبار القانون السائد في حيثيات وقائعها منظومة القوانين الإسرائيلية اليهودية التلمودية.

أعتقد أننا باتجاه قضية القدس لابد من أن نسمي الأشياء بمسمياتها… ولابد لنا من وقفة نقدية موضوعية تجاه السياسات الفلسطينية الرسمية اتجاه القدس منذ إطلاق مسيرة التسوية السياسية وإنجاز اتفاق أوسلوا حينما كان الشعار السائد آنذاك .. (أريحا غزة أولا …) وحينما كانت القدس وما زالت بندا مؤجلا أو مرحلا لما يسمى بمفاوضات المرحلة النهائية التي لن تنطلق ولن يُسمح لها بالانطلاق وإن انطلقت فستكون القدس حينها غير القدس التي نتحدث عنها اليوم وهو ما تسعى إسرائيل لفرضه، قدس يشكل فيها العرب أقلية قومية تعيش على هامش المجتمع المقدسي وفقا للفهم الأورشليمي للقدس التي تفرض أن يكون ثمة تنوعا شكليا للقدس، وقدس خالية من المؤسسة الوطنية الفلسطينية القادرة على رعاية المشروع الوطني الفلسطيني الشعبي وحتى الرسمي وقدس تُختصر بالمعنى الوطني لمجرد أماكن لممارسة الطقوس الدينية التعبدية ليس أكثر وبصرف النظر عن الشكل والمضمون لهذه العبادة.

مرة أخرى إن شعار القدس أولا وحتى يكون عمليا وفعليا لابد من الكف عن ممارسة التظاهرات الكلامية حول القدس وعن القدس، وكأننا نخاطب بعضنا البعض عن ما تتعرض له القدس وهو الأمر الملاحظ بكل الندوات والأيام الدراسية والاجتماعات القيادية المنعقدة عن القدس وللقدس… ولابد من تحمل المسؤوليات بالشكل والمضمون، ولابد من تصحيح الكثير من الأخطاء وربما أيضا الخطايا التي ارتكبت وما زالت ترتكب بحق القدس، وفي هذا السياق لابد من أن تعود القدس إلى دائرة الاهتمام الفلسطيني أولا وأن تصبح على رأس جدول أعمال مؤسستي الرئاسة والحكومة وكافة الأطر القيادية للكل بمختلف توجهاتها وأيديولجيتها وذلك على شكل قرارات متخذة وقابلة للتنفيذ من خلال خطط برامجية فعلية لتعزيز الوقائع العربية القومية للقدس أولا…. وذلك من خلال:

^ انتهاج سياسة وطنية منسقة وشاملة تقوم على أساس العمل لتقديم القدس كأحد أهم أولويات جدول العمل الوطني الفلسطيني، ومنظمة التحرير والسلطة والفصائل الفلسطينية من جهة، وعلى رأس جدول أعمال المنظمات الدولية الدينية والثقافية من جهة ثانية.

^ كل الامكانيات لابد أن تكون متاحة ومسخرة من اجل الدفاع عن القدس وحمايتها.

^ تقديم الدعم المادي والمعنوي لسكانها لدعم صمودهم في ظل حملة التهويد الشرسة.

^ فتح معركة شاملة مع الإجراءات الاحتلالية في القدس، وتحديدا قضية سحب الهويات المقدسية والاستيلاء على العقارات وتسريبها، وهدم المنازل بذريعة عدم الترخيص، والتضييق على السكان لهجر المدينة وصولا للعصيان المدني .

^ مواجهة ومجابهة حملات التجنيس للمقدسين من قبل سلطات الاحتلال.

^ أهمية توفير مقومات الصمود لأهالي مدينة القدس، لكونهم حجر الزاوية في كل ما يتعلق بقضية القدس، وضرورة مواجهة المخططات الإسرائيلية بشجاعة .

^ إعادة الاصطفافات الجماهيرية والمؤسساتية في القدس وفقا لشعار القدس أولا …. وضرورة مغادرة منصات العقليات الاقصائية والاستفرادية بكل ما يتصل بقضايا القدس والبعد عن سياسات المناكفة والمتاجرة وتصفية الحسابات الفئوية من خلال الساحة المقدسية.

^ إعادة ترتيب الصفوف القيادية للأطر الوطنية في القدس على اساس البرامج النضالية الكفاحية ومغادرة العقلية الإقصائية وحسابات الشللية والفئوية القائمة على منطق الاستقواء بالاستزلام والاسترجال.

ملاحظة أخرى أخيرة لابد من إدراجها بهذا السياق حيث لابد من أن تتوقف التظاهرات الكلامية والظواهر الصوتية حول القدس وكأنه ومن خلال هذه الظواهر نكون قد أنجزنا حق الكفاح والنضال من أجل القدس فلابد من إحلال الفعل البرامجي وتنفيذ المخططات على الأرض وأن تسبق الأفعال الأقوال كما يقال…..

أخيرا لابد من القول إن شعار القدس أولا لن يتحقق إلا حينما تعود المؤسسة الفلسطينية المقدسية إلى عقر دارها وإلى بيتها وعرينها وأن يتولاها من هو قادر على إدارة أوركسترا الفعل الميداني المستند إلى الخطط البرامجية التي تعكس أجندة المطلوب وطنيا وقوميا للقدس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى