قراءة في قصة الأطفال (الطاووس الحزين) للكاتبة نزهة أبو غوش

عبد الله دعيس | القدس العربية المحتلة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الطاووس الحزين قصة للأطفال ضمن سلسلة (الحيوانات الصديقة في الحديقة) للكاتبة نزهة أبو غوش. تخلق الكاتبة في هذه السلسلة عالما خياليّا لحديقة تعيش فيها الحيوانات المختلفة، الكبيرة والصغيرة، القويّة والضّعيفة، ويسود هذه الحديقة السلام والوئام، ويحتكم الجميع إلى القانون ويرضخون له إن أساء أحدهم، ويسارع المسيء إلى الاعتراف بذنبه والاعتذار عمّا بدر عنه.

لا شكّ أنّ هذا الخيال يليق بالطفل، الذي يستهويه عالم الحيوان ويأخذه إلى رحلة عقلية ونفسيّة مثيرة وممتعة، يتعلّم منها، دون أن ينفر من أسلوب التّلقين والإملاء والعقاب الذي يسلكه الراشدون في تربيتهم للطفل، وكثير ما تكون نتائجه غير مرضية. وتتطرّق الكاتبة في كلّ قصّة من هذه القصص إلى قضيّة تربويّة أساسيّة، وتصل بالطفل إلى قناعة أنّ السلوك الخاطئ طريق وعر لا يجوز سلوكه، وأنّ المشاكل تحلّ عن طريق التّعاون والعمل الجماعي والاحتكام إلى القانون. الموضوع الأساسي في هذه القصّة هو الحفاظ على الممتلكات العامّة، وعدم التّستّر على الذي يقوم بتخريبها، والاحتكام إلى القنانون لحلّ المشكلات، ومنها الاعتداء على الممتلكات العامّة.

في هذه القصّة، والقصص السابقة في السلسلة، تعرّف الكاتبة الأطفال بكثير من المعلومات التي تتعلّق بالحيوانات وسلوكها، وتُدخل بعض المفردات والمصطلحات الجديدة المناسبة لعمر الطفل. فكل قصة يكون بطلها حيوان مختلف ويشعر بشعور مختلف: الخروف الغضبان، البطة المستاءة، الدجاجة المذعورة، الطاووس الحزين، فنلاحظ أن الكاتبة تدخل مصطلحا جديدا يتعلّق بالمشاعر مع كلّ قصة جديدة. وتدخل الكاتبة المصطلحات الجديدة ضمن سياق القصّة المشوّق، مثل مصطلح (الممتلكات العامّة).

وفي هذه القصّة تبدع الرّسامة في رسم الحيوانات بأحجام مناسبة ومتناسقة، وتحاول الكاتبة أن تدخل مفاهيم تتعلق بالحجم: فالدعسوقة تصف الطاووس أنّه عملاق، والنعامة رجلاها طويلتان وسريعة، وصغير الفيل هو الدغفل. وتختار الهدهد ليبلغ الزرافة أنّ الكبش هو الذي خرّب المقعد وآلة الركض، وهو اختيار موفّق يتناص مع قصّة سليمان عليه السلام والهدهد، وحيث أنّ الهدهد يطير ويمكن أن يرى من علوّ، والهدهد جميل لطيف، وهذه صفة حسنة للذي يبلّغ بما يرى، ويتحمّل المسؤوليّة ولا يكتم الأمور السيّئة التي تضرّ بالجميع، فهناك فرق بين الوشاية والاتهام بالباطل وبين أن يقول الشّخص كلمة الحقّ دون خوف ولا وجل، وهذه قيمة أخرى ضروريّة للأطفال. ولا تخلو القصة من روح الفكاهة، حيث تقول الفيلة الكبيرة لصغيرها خرطوم المياه من الممتلكات العامّة أمّا خرطومك فهو من الممتلكات الخاصّة، وفي هذا تعليم وفكاهة وليس فيه استهزاء إذ أن الخرطوم هو جزء من الفيل لا ينبغي أن يخجل منه.

ومن القيم التربوية الجميلة في هذه السلسلة أنّ المعتدي دائما ما يخجل من فعلته ويسارع إلى الاعتذار عنها ويرضخ لحكم القانون. ولا تذكر الكاتبة العقوبة التي يفرضها القانون في نهاية القصّة وتترك نهايتها مفتوحة ليتخيّل الطفل العقوبة المناسبة، فليس الهدف من العقوبة في القانون الانتقام من المعتدي، بل منعه من تكرار اعتدائه وردع النّاس عن القيام بما يسيء للآخرين.

 لقد تضمّنت المناهج الفلسطينية لسنوات طويلة مادة الدراسات المدنيّة للأطفال، واعتمد كثير من المعلمين فيها على أسلوب التلقين وكانت عبئا إضافية على كاهل الطالب، أمّا النتيجة فلم تكن مرضية فلم يكن هناك تحوّل سلوكيّ نحو الأفضل للطلبة الذين درسوها. إن أسلوب القصّة هو من الأساليب النّاجعة في التربيّة ولا شكّ أنّها ستؤتي أكلها إذا صيغت بأسلوب شيّق وخضعت لمعايير التربية وكانت مناسبة لتكوين الأطفال النفسيّ ولقيمهم المجتمعيّة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى