قراءة في مشهد الانتخابات الفلسطينية

محمد زهدي شاهين | فلسطين

 

إن الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي طال انتظارها والمزمع عقدها في أيار القادم تليها الانتخابات الرئاسية في تموز والمجلس الوطني في ٣١ آب تعتبر مدخلا للإصلاح السياسي الفلسطيني من خلال تجديد الشرعيات الفلسطينية. وقبل الولوج لقراءة المشهد الإنتخابي لا بد من إلقاء الضوء على قانون الانتخابات فهو المدخل الرئيس لهذا الاصلاح، والذي ينص على خوض الإنتخابات وفقًا لنظام قوائم التمثيل النسبي الكامل. هذا النظام الذي يتم اعتماده لأول مرة في فلسطين يساهم بشكل فعلي وحقيقي في العملية التنموية السياسية، إذ يتم خوض الإنتخابات المقبلة وفقًا لبرنامج سياسي واضح ومحدد لكل قائمة انتخابية، ويحد ويقلل بذات الوقت من النزعة الجهوية والعشائرية في الانتخابات التشريعية المقبلة، من خلال تبني هذا النظام الإنتخابي تم معالجة الكثير من القضايا السياسية، فخلف كل نظام وقانون انتخابي هدف سياسي أو رزمة أهداف من بينها إعطاء فرصة للأحزاب الصغيرة للحصول على تمثيل لها في البرلمان، وكذلك إعطاء وزن حقيقي لكل توجه سياسي ينوي المشاركة في هذه الأنتخابات منهيا بذلك سرمدية بعض الأحزاب الفلسطينية، ويقوم بضبط وتنظيم العملية الإنتخابية بشكل أفضل، و يعالج قضايا تتعلق بالبيت الفتحاوي إذ يحد من تشتيت الأصوات على مرشحين من أبناء حركة فتح من المتوقع خوضهم الانتخابات خارج القائمة المركزية، على غرار ما حصل في الإنتخابات السابقة، وتم تعزيز هذا الأمر داخليا بالقرارات الأخيرة للقائد العام لحركة فتح بمنع عدة مستويات من قيادات الحركة من خوض هذه الإنتخابات من أجل نيل ثقة الرأي العام، وفي هذا السياق أيضا لا بد من التطرق إلى التحديات التي ستواجهها حركة فتح في هذه المرحلة، ومن أهمها حلحلة القضايا التنظيمية العالقة بسبب سياسة ترحيل المشاكل التي تراكمت على مدى عدة سنوات. هذا النظام الإنتخابي يتيح ويفسح المجال أيضا للمستقلين لتشكيل قوائم يخوضون بها الانتخابات، وهي مهمة صعبة بذات الوقت كون تشكيل القائمة ليس بالأمر اليسير والهين بعكس الجسم المنظم. المشهد الإنتخابي والقائمة المشتركة التي دعت إلى تشكيلها قيادات من حركة فتح وأخرى من حركة حماس هي بمثابة أو تكاد تكون طوق نجاة للموقف الفلسطيني الحالي المفتت والمجزأ، بحيث أستنتج وأرى الأمر من زاوية مختلفة عما يراه آخرون بأنها تأتي تجسيدا للانقسام، وتقوم بتثبيت الواقع الحالي وإعطائه صفة الشرعية. ففي حال خاضت حركة فتح الإنتخابات التشريعية في قائمة حزبية منفردة ستحصل على عدد أكبر من المقاعد عما حصلت عليه في الإنتخابات السابقة، ولن يقل عدد مقاعدها عن السبعين مقعدا بالرغم من وجود تيارات من داخل الحركة لها رغبة في خوض هذه الإنتخابات عبر قوائم مستقلة، أو من خلال عقد تحالفات مع إحدى الأحزاب الفلسطينية الصغيرة. أمّا حركة حماس فستدور في فلك الخمسين مقعدا، وبهذا يكون عدد مقاعد الفصيلين مجتمعين على مقربة عمّا حصلا عليه في الإنتخابات السابقة. والسؤال المطروح هنا ما هو الضامن لقبول نتائج هذه الإنتخابات وهذا هو بيت القصيد. القائمة المشتركة إذن هي ضامن قوي، وبمثابة فرصة يجب على حركة حماس اغتنامها، فهي تكرس مبدأ الشراكة، وتعزز من الثقة المتبادلة بين الفصيلين الرئيسيين على أرض الواقع في حال تم التوافق عليها. لكنها لن تحصل على نفس العدد من مقاعد البرلمان في حال خاض كل منهما الانتخابات على حده، وذلك عائد للسلوك الإنتخابي المتوقع من قبل الساخطين من كلا أنصار الحركتين على تشكيل هذه القائمة. لذلك فالسلوك الانتخابي المتوقع في هذه الحالة ذهاب تلك الأصوات إلى قوائم الأحزاب الأخرى أو قوائم المستقلين، و وعزوف آخرين عن التوجه إلى صناديق الاقتراع، معززا هذا السلوك بالمزاج السلبي العام في أوساط الفلسطينيين الذي بدت ملامحه مؤخرا في الشارع الفلسطيني بما يتعلق بفقدان الثقة بالأحزاب الفلسطينية بشكل عام. هذا السلوك الإنتخابي المتوقع سيعزز من فرص حصول الأحزاب الصغيرة والقوائم المستقلة على عدد مقاعد أكبر في هذه الانتخابات من خلال انخفاض نسبة حسم المقعد، وعبر ارتفاع نسبة المقترعين لهذه القوائم في آنٍ واحد. لذا استنتج بأن حركة فتح من خلال هذا التوجه قامت بالتضحية بعدد غير قليل من المقاعد في مقابل تعزيز فرص تحقيق الوحدة الوطنية، والإنتقال السلس للإصلاح السياسي وعودة غزة إلى الحضن الفلسطيني الدافئ بأقل الخسائر، وهذا يحسب لحركة فتح، وسينعكس ذلك بشكل إيجابي على قضيتنا الوطنية. وستؤدي هذه الحالة أيضا إلى تنوع وتعددية البرلمان المقبل بشكل أكبر ممّا كان عليه الحال سابقا. وفي الختام لا بد من الإنتظار لنرى ما سيتمخض عنه الحال في الأيام القادمة في الحوار الوطني في القاهرة. ونطرح هنا عدة أسئلة وتساؤلات بحاجة إلى إجابات من بينها: ما هو مصير بعض الأحزاب والحركات الفلسطينية التي لن تشارك في هذه الإنتخابات كحركة الجهاد الإسلامي، وما هو مصيرها في المشهد السياسي الفلسطيني مستقبلا؟ وهل ستكون نتائج انتخابات مجالس اتحادات الطلبة في الجامعات الفلسطينية مؤشرا يمكن القياس عليه بماهية توجهات الجمهور العام للاإنتخابات المقبلة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى