في علم مصطلح الحديث.. حول ما قيل من رواية: “جعل رزقي تحت ظل رمحي”

د. خضر محجز | مفكِّر فلسطيني

يُكثر الناس من رواية حديث ينسب إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قوله: “جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي”.

ويفرح بهذا الحديث كارهو رسول الله، إذ يرون فيه دليلاً على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يشبه قطاع الطرق. تعالى الله ورسوله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

والحق أنه ليس من حق أعداء الرسول أن يفرحوا بهذا الحديث، لأن رسول الله لم يقله، وهو غير صحيح بالمرة. وقد وقع في خطأ كل من نسبه إلى صحيح البخاري، لأن البخاري ـ رحمه الله ـ لم يذكره في متن كتابه، بل في ترجمته لعنوان “باب ما قيل في الرماح”.

فمع أن الأمة موشكة على الإجماع، بأن الأحاديث التي رواها البخاري في صحيحه، صحيحة كلها ـ مع استثناءات نادرة هنا أو هناك ـ إلا أنها كذلك متفقة على اقتصار حكمها ذلك، على الأحاديث التي أوردها البخاري في متن كتابه، لا التي ترجم بها للأبواب على شكل عناوين.

وفي هذه العناوين أورد البخاري في كتابه، بعضاً من الأحاديث المعلقة، التي لم تنظبط وفق شروطه المشهورة في الصحيح: بمعنى أنه لم يلتزم في روايتها الدقة التي التزمها في روايته لأحاديث المتن، التي اتفقت الأمة على أنها هي أحاديث كتاب البخاري، المشهور بالصحيح.

وهذه الأحاديث المعلقة في صحيح البخاري ـ التي رواها في غير المتن دون سند ـ تنقسم إلى قسمين: واحد بصيغة الجزم، وآخر دون ذلك.

1ـ فالمعلق بصيغة الجزم: هو ما نسبه البخاري إلى رسول الله، دون سند ـ بصيغة جازمة تشي باعتقاده صحته، كأن يقول: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا”.

2ـ أما المعلق دون صيغة الجزم: فهو ما نسبه البخاري إلى رسول الله، دون سند، بصيغة لا تشي بتأكده من صحته، كأن يقول: “ويروون عن رسول الله أنه قال”؛ أو يقول: “ويُذكر عن فلان الصحابي أن رسول الله قال كذا وكذا”… إلخ.

وقد مال كبار علماء هذا الفن إلى تصحيح القسم الأول ـ المعلق بصيغة الجزم ـ وذهبوا إلى رواية أسانيد من طرق أخرى، تسند النص المعلق، وتسدده. فأحسنوا أحياناً، وخالفهم السداد أحياناً أخرى. ثم بقيت الأمة لا تعتبر المعلق بصيغة الجزم من صحيح البخاري، وإن اختلفت في تصحيحه أو تحسينه أو تضعيفه.

أما القسم الثاني من معلقات البخاري ـ وهو المعلق بغير صيغة الجزم ـ فلم يعتبروه صحيحاً، ولم ينسبوه إلى كتاب الصحيح، وإن بحثوا له عن أسانيد أخرى، حكموا عليه بها.

والخلاصة: أن ما رواه البخاري في كتابه، معلقاً لا يعتبر من كتاب صحيح البخاري.

نعود الآن إلى حديث: “جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي” فنقول إن شاء الله:

هذا الحديث من معلقات البخاري بغير صيغة الجزم، بل أورده البخاري ـ بصيغة التمريض “قيل” ـ في ترجمته لعنوان “باب ما قيل في الرماح”، بهذا اللفظ:

“باب ما قيل في الرماح: “وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي”.

وبناء على ما سبق نقول بأن هذا الحديث ضعيف ومردود، خصوصاً ولم يروه أي من الكتب الستة، وإن ورد في مسند أحمد ومجمع الزوائد للهيثمي، عن ابن عمر عن الرسول، بطرق كلها ضعيف أو منكر، أكدت ما ذهبنا إليه إن شاء الله.

والله أعلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى