المرقد (قصة)
هادي زاهر | فلسطين
أمر قائد الكتيبة جنوده بأخذ مواقعهم ومحاصرة الموقع من كافة الجهات، أرسل عددا من الجنود ليشقوا طريقهم إلى الداخل من خلال ثغرة لم يتواجد فيها أحد، تسلل الجنود خلف بعضهم البعض بحذر، صعد قائد الكتيبة إلى موقعٍ مرتفع وأخذ يوجه تعليماته للجنود بواسطة جهازه اللاسلكي، وسرعان ما أمر بالهجوم، ارتفع صوت إطلاق النار في كل تجاه لحسم المعركة سريعًا.
وكانت القيادة السياسية والقيادة العسكرية قد اجتمعت لدراسة الأوضاع الأخيرة، فقال القائد وهو يرفع رأسة وإمارات البِشرِ بادية على وجهه:
الأوضاع رائعة بالنسبة لنا حيث أن العالم العربي لم يعد يرى في القضية الفلسطينية قضيته، وجميعكم يعلم بأن هناك دولا عربية تتودّد إلينا؛ كي نُسهل أمورها لدى الإدارة الامريكية، من هنا فإن فرصتنا الذهبية من أجل فرض إرادتنا على أرض الواقع في كافة منطقة “يهودا وشمرون”، واليوم علينا أن نطرد المسلمين من “مَرقد يوسف” بالقرب من “شخيم”.
قال وزير الإعلام محذرًا بصوت مرتفع:
علينا أن نتوخى الحذر كي لا نثير الرأي العام العالمي.
إلا أن القائد العسكري اعترض قائلًا وهو يضحك قهقهة:
هذا الأمر آخر ما يقلقنا، فمن أيّ ردود فعل تخشى، لقد سبق وحرقنا المسجد الأقصى واعتقدنا بأن الأمة العربية ستهاجمنا في ليلة ظلماء، وسنصبح فيها في خبر كان، قوضنا أساسات المسجد، وتصدعت بناياتهم، قمنا بقتل 29 مصليًا في الحرم الإبراهيمي ولم تحرك هذه الأمّة الميتة ساكنًا، المشكلة تكمن في اعتراض الفلسطينيين ليس إلا، وهم ليسوا بقوّتنا إلا أنهم يشكلون عقبة بإصرارهم على الدفاع على ما يعتقدون أنه حقهم.
ولكن وزير الإعلام عاد وقال:
المهم أن نقوم بما نريد أن نقوم به بعيدًا عن الإعلام؛ لأن وسائل إعلام كثيرة، لا تفتأ عن اتهامنا بالعنصرية:
قال وزير الحربية وبحركة تنم عن تصميم شديد:
لا يهمنا ما يقال، ما دام “العم سام” يقف إلى جانبنا في الأحوال كلها.
وبسرعة صدرت الأوامر للجيش للعمل بحزم لكسر صلابة الأهالي المقاومين بكل ثمن من أجل السيطرة الكاملة على المَرقد، وكانت قد قررت في السابق شن هجمات محددة ثم الانسحاب لاعتقادها بأن عدد المقاومين سيتناقص، إلا أن ذلك لم يحدث.
وفي خضم المعركة أصيب أحد الجنود، الجنود المرافقون اختبأوا خلف حائط ليتحاشوا الإصابات، أبلغ أحد الجنود قائده وهو يجلس القرفصاء ويتحدث بصوت خفيض بإصابة أحد الجنود إصابة بالغة تخللها نزيف حاد.
حالة من الارتباك سيطرت على القائد الذي ظهرت على وجهه إمارات الاكتئاب، اتصل بالمسؤولين الحكوميين الذين أمروا بالقيام بعملية إنزال لانتشال الجندي وإنقاذ حياته، وما هي إلا لحظات حتى أخذت طائرة تحوم فوق المكان للتنسيق مع قائد الكتيبة؛ لتحديد كيفية القيام بالعملية، ذلك لأن إسرائيل لا تترك جنودها وتهرب وفقا لتصريحات المسؤولين السياسيين والعسكريين.
نهض الجندي من قرفصائه حيث كان يجلس خلف الحائط بعد أن توقف إطلاق النار وأمعن النظر، فتح عينيه وفغر فاه ثم حدث نفسه:
إنه منير… رفع السماعة وأخبر قائد الكتيبة بصوت منخفض:
المصاب هو الجندي منير.
القائد متسائلًا وقد ارتسمت البسمة على وجنتيه: منير ما غيره؟
الجندي: نعم.
قائد الكتيبة وهو يهمس لنفسه:
يوفي “رائع.. رائع جدًا”.
ثم تحدث إلى القيادة:
– الجندي المصاب يدعى منير وهو يظهر من اسمه، من – الأغيار –
فجاء الجواب:
ما دام الأمر كذلك فلا لزوم للمخاطرة من أجل انقاذ حياته.
وهنا تحدث القائد إلى الطيار وأمره بالمغادرة.
سأل الطيار:
– هل تم انقاذ الجندي؟
قائد الكتيبة: لا.. فالمصاب من جنودنا “الأغيار.”
الطيار باستغراب شديد:
– وماذا يعني ذلك
قائد الكتيبة: هذه هي تعاليم القيادة.