الشخصية العامة والمسؤولية الاجتماعية..أحمد عواض وهيثم الحاج نموذجاً
فرحات جنيدي | كاتب مصري
لا يختلف اثنان علي أن كل شخصية عام تقع عليها مسئولية اجتماعية تجاه المجتمع الذي تعيش فيه، وهذه المسئولية تخلق منه داعماً للدولة والشعب في وقت السلم والحرب والأزمات بشكل عام وهذه المسئولية تحددها كل شخصية عامة حسب ما تراه، فنجدها تارة تقف علي يمين السلطة أو يسارها أو في الوسط في بعض الأحيان. والمسئولية هنا لها قانون ينظمها. وماشهدناه من رد فعل رسمي تجاه الاعلامي تامر أمين كان واضحاً وضوح الشمس للجميع، لكن هذا لا يؤخذ كدليل لأن امين اعلامي ويدخل كل بيت بينما الوضع يختلف مع السياسي أو رجل الأعمال أو الصحفي أو الأديب والشاعر والناشرين …إلخ. والقانون كذلك يختلف لأن البعض منها يتبع مؤسسات خاصة أو مملوكة للدولة وهولاء لهم القانون الذي ينظمهم، وفي حالة عدم وجود نص قانوني يجرم ما قامت به الشخصية العامة تلجأ تلك المؤسسات إلي لجنة فتوي داخلية تساعدها علي اتخاذ القرار الذي يحدد ما كان الفعل أو القول منافياً للآداب العامة أو المسؤولية الاجتماعية، أما البعض الاخر فحر لا يتبع إلا نفسه ولا يحكمه غير ضميره ومن هنا أصبح رد الفعل تجاه تصرف غير مهني أو غير اخلاقي يلزم أن تخلق الشخصية العامة لنفسها قانوناً يحمي المجتمع مما تقوم به رغم ما تملكه من حرية. والحديث في هذا السياق يأخذنا إلي طريق مظلم نرفضه رفضاً قاطعاً لأننا نسعى دائما نحو الحرية فلا يجوز لنا أن نطرح وجهة نظر تتبنى أفكاراً تخدم الدكتاتورية المطلقة التي تفرض وصاية علي الشعب، ونحن نتحدث عن تجديد الخطاب الثقافي والديني ومستقبل أفضل للدولة والشعب، لكننا نطالب كل شخصية عامة بأن تستخدم الضمير وما أنتجته من قانون لنفسها حسب دورها في المجتمع . ففي الماضي وجدنا شخصيات عامة تقف في أقصي اليمين مثل ثروت أباظة وأخرى تقف في أقصي اليسار مثل لطفي الخولي وألفريد فرج وغيرهما في اليمين أو يسار الوسط أواليسار، حتي الدولة المصرية سمحت بمنابر فكرية لليسار الماركسي و القومي و لليمين الليبرالي، وكل هذه المنابر خلقت شخصيات عامة وخلقت قانوناً ينظمها فكتب لنا التاريخ عن شخصيات كان تقف علي اليمين وتحولت إلي اليسار بمقتضى القانون الذي خلقته لنفسها بحكم أنها شخصيات عامة وعليها مسؤولية تجاه الشعب. والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها العقاد وثروت عكاشة وصلاح جاهين وعبد القادر حاتم وعبد الرحمن الشرقاوي. وكل من هولاء كان في مكان وأصبح في مكان آخر. لكننا لم نشهد أو نقرأ في كتب التاريخ عن شخصية عامة تقف خارج الإطار العام غير مهتمة بما يحاك للدولة والشعب، وهذه الشخصيات العامة لم تفرض نفسها أو تنتزع مكانتها بما وصلت إليه بمجهود شخصي يخلق لها إطار من الحرية يجعلها تهرب من المسؤولية الاجتماعية. لكن هذه الشخصيات خلقتها المسؤولية والمكانة الاجتماعية التي وضعتها فيها الدولة كالوزراة والقيادات وهذا ما حدث بالفعل فشهدنا المخرج الدكتور أحمد عواض رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة بوزارة الثقافة المصرية منذ أن تولى المسؤولية وحتي اليوم لا يهتم الا بتطوير ما تم تطويره في السابق ولم يهتم بمن بنينا وطورنا من أجلهم تلك المنشآت فلم نشهده في ندوة فكرية أو في جولة تشجيعية للشباب في قرى ونجوع ومراكز ومحافظات مصر أو نشر موضوعات تهم المجتمع و تلتحم وتشتبك مع قضاياه بل يهتم بنشر صورها المضيئة وبيانات معدة للنشر عن نشاط الوزارة لكسب المزيد من ثقة الدكتورة إيناس عبدالدايم وزيرة ثقافتنا وكذلك الحال لكل من يعمل معها فنجد شخصية عامة كبيرة بحكم المنصب كرئيس الهيئة العامة للكتاب غير ملتحم بقضايا وطنه أو بمهام منصبه بل ترك الحبل علي الغارب لرجاله فقتلوا أحلام الشباب في غد أفضل ودمروا الهيئة تدميراً أما المصيبة الكبري في أن كل اهتماماته بالمرح ولعب لعبة التحدي مع الأصدقاء عبر صفحته الشخصية عبر الفيسبوك ونسي أنه أصبح شخصية عامة يتابعه الآلاف في مصر ومحيطها العربي والعالمي أو ربما لم يجد من يلفت نظره إلى أننا في عصر المعلومات والتكنولوجيا والغزو الإلكتروني. أكثر ما يقلقني أن يلجأ الدكتور هيثم الحاج علي في يوم من الأيام إلى تبرير فشله في السيطرة علي رجاله فى هيئة الكتاب وبنشوة المرح و الفرفشة مع الأصدقاء عبر صفحته بأن يحاول إقناعنا أنه كان خلال فترة عمله واقعا تحت تأثير السحر و منوما تنويما مغناطيسياً، كما فعل توفيق الحكيم عندما طرح كتابه عودة الوعي ،
حيث تبدل صاحب كتاب عودة الروح تماما بعد رحيل عبد الناصر، وأصدر كتابه “عودة الوعى” سنة 1972، وهاجم فيه عبد الناصر بعنف، واختزل موقفه من التجربة الناصرية التى بدأت كما ذكر: يوم الأربعاء 23 يوليو 1952، حتى يوم الأحد 23 يوليو 1973، واصفا هذه المرحلة بإنها كانت مرحلة عاش فيها الشعب المصرى فاقدا للوعى، مرحلة لم تسمح بظهور رأى معلن مخالف لرأى المعبود، وأعلن فى كتابه أنه أخطأ بسيره خلف الثورة دون وعى!.
ومن هنا وعلي سبيل المثال نجد أن الفيسبوك الذي استهان به رجال وزارة ثقافتنا شهد تحولا كبيرًا بعد الربيع العربي وأصبح سوقاً حرة للأفكار وهو أمر طبيعي بعد هذا التحول الكبير الذى جعل الكل يهتمون بقضايا وطنهم وأصبح عند الجميع إيمان شديد بالمشاركة فى كل القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية وهذا خلق شخصيات عامة وهمية كثيرة ليس لها تاريخ سياسي أو أدبي أو مهني أو تاريخ من الجهد والعمل جعلها تفرض نفسها كرواد أعمال أو صناع مكانة اعتبارية أخذتها من موقع في مؤسسات الدولة .المهم أن هذه الكيانات أصبح لها وجود بالفعل بما تحمله من اطار فكري سواء أكان حقيقياً أم مكتسباً من تجربتها قبل الثورة أو بعدها أو إطار فكري تم خلقه ودعمه من الخارج ليخلق نوعاً من الارتباك الفكري في الداخل! والناتج هو أن تلك الشخصيات خلقت شيئاً من المنافسة وكل شخص يعرض فكره ويحاول بكل الوسائل الحديثة جذب أكبر عدد من المتابعين. والمجتمع المصري الذي سمح بخلق هذه الشخصيات لأنه كان الأكثر تحولاً وتفاعلاً مع الفيسبوك وغيره وأيضًا كان أكثر التحاماً وتشابكاً وقبولاً للأفكار، فلقد شهد المجتمع المصرى بعد الثورة تحولات اجتماعية وفكرية وسياسية جديدة. وفى هذا السياق كان من المفترض أن تنتبه الدولة ومن خلفها من نخبة المثقفين والشخصيات العامة لهذا الأمر وتعمل على دراسة المتغيرات وكيفية الاستفادة من الصالح منها وكيفية التصدى للشاذ فيها وهذا ما لم يحدث. نعم لم يحدث فلقد شهدنا التحام الشعب المصري بالشعوب العربية عن طريق الفضاء الإلكتروني بداية من ثورة تونس وإلي يومنا هذا الي جانب نزوح الآلاف إلى مصر والعيش بها والاختلاط مع شعبها وتبادل الأفكار مع أبنائها ولذلك كان علينا أن ننتبه لأفكار المتلحمين المتشابكين مع شباب مصر في الفضاء الإلكتروني و القادمين من تلك الدول خاصة وأن منهم من حمل السلاح سواء أكان من مني تلك الدول أو مصرىاً كان يعمل هناك أو من تم تجنيدهم وإرسالهم للقتال. هذا بجانب الخلايا الإرهابية المنتشرة فى سيناء والتى تم التضييق عليها فانخرطت فى الداخل المصرى ونفذت الكثير من العمليات, كل هذا فى جانب ويقابله فى الجانب الآخر من هم أشد خطورة وهم الفاسدون و المستهترون فى المواقع المختلفة داخل الدولة والذين بدورهم أتاحوا الفرصة لهؤلاء لنكش الأدمغة ونشر أفكارهم بدلا من التصدى لها وتركوا مسئولية حماية المجتمع للأمن وحده وبطبيعة الحال لا يستطيع الأمن وحده أن يتصدى لكل هؤلاء خاصة وأن هناك جانباً ثالثاً وهو الدول الأعداء التى من مصلحتها تدمير مصر, ومن هنا أقول إن دور القوة الناعمة والشخصيات العامة لابد أن يكون فى المقدمة قبل القوة الخشنة أى المسلحة. إن إصلاح المجتمع يبدأ بإصلاح الثقافة وإصلاح الثقافة يبدأ بالقضاء على الفساد وإعطاء الفرصة للشباب وتقديم نخبة جديدة غير تلك التى تسمنت فثقلت على الأرض فعاشت فى حالة انفصال وعزلة كما وصفها البعض. إن المهام المطلوبة من القوة الناعمة لحماية المجتمع والأمن القومى المصرى مهام صعبة وكبيرة وتتطلب قدرات غير عادية وعقولاً متجددة و ذات خيال واسع، لتكون حائط صد قوي فى مواجهة القوة الناعمة للعدو خاصة أن العدو انتبه لأهمية القوة الناعمة وكون جيوشًا كبيرة وشخصيات عامة وهمية تعمل ليلا ونهارًا عبر شبكات التواصل الاجتماعي وفقًا لمشروع مدعوم بدراسات حول المجتمع المصرى والتحولات التي شهدها فى العشر سنوات الأخيرة لحكم مبارك وما بعد الثورة التى كشفت ثغرات كانت موجودة أصلا فى الثقافة العامة للمصريين وكل هذا شكل إرثًا ثقيلا من التشويه لصورة الأخر والإسلام نفسه. وها هى الفرصة تعطينا إنذارًا أخيرًا لإنقاذ الوطن فهل نتحرك ونفتح سلاسل الهيئة العامة للكتاب للمبدعين والمفكرين من الشباب والكبار وليس للموظفين في الوزارة وأصدقاء روئساء السلاسل وكذلك الأمر فتح بيوت وقصور الثقافة للمبدعين والمفكرين بدلاً من جعلها استراحات للموظفين ؟