تيار الوعي

الدكتور خضر محجز | فلسطين

تيار الوعي (Stream of consciousness)، مصطلح مستمد من الدراسات النفسية، وهو في النقد الأدبي: تقنية أسلوبية تستخدم للكشف عن نفسية الشخصيات وتفكيرها، قبل مرحلة الكلام الواعي المنظم، بحيث صرنا نرى دماغاً مفتوحاً لنرى ونراقب كيف تعمل تلافيفه الداخلية.

فتيار الوعي يشير إلى نوع من الحديث الحميم الخاص، الذي يدور داخل نفس الشخصية: بغية تقديم المحتوى النفسي للشخصية، والعمليات النفسية لديها ـ دون التكلم بذلك على نحو كلي أو جزئي ـ في اللحظة التي توجد فيها العمليات، في المستويات المختلفة للانضباط الواعي، قبل أن تتشكل للتعبير عنها بالكلام، على نحو مقصود.

وعلى هذا، فتيار الوعي يهتم بأمور ثلاثة مترابطة، وهي:

1ـ معالجة الوعي في أي مستوى من مستوياته.

2ـ اعتبار كل محتويات الوعي وعملياته، وليس واحداً منها فحسب.

3ـ تقديم محتوى الوعي في مرحلته غير المكتملة، قبل أن تتشكل للتعبير عنها بالكلام المنظم عن قصد، وهو ما يعبر عنه أحياناً بمرحلة ما قبل الكلام.

وقد استخدم عدد من الباحثين مصطلح (المونولوج الداخلي) للإشارة إلى تيار الوعي. كما أن توسع عدد من الروائيين في استخدام هذه التقنية، هو ما جعل رواياتهم توصف بأنها روايات تيار الوعي، ومن ثم فقد أدى هذا إلى ميل عدد من الدارسين إلى اعتبار هذا الشكل الروائي نوعاً قائماً بذاته؛ رافضين المساواة بين مصطلحي المونولوج الداخلي وتيار الوعي. ثم ذهبوا يجادلون بأن الشكل الروائي المسمى تيار الوعي، هو شكل يركز على هواجس النفس قبل مرحلة الكلام المنظم، ولا يهتم بسوى ذلك من أحداث كبيرة أو أبعاد بارزة تشكل المجتمع، كالحرب أو الثورة أو وصف الأمكنة. وفي مقابل هؤلاء وُجد من اعتبر تيار الوعي مصطلحاً مرادفاً للمونولوج الداخلي، واستخدم أياً من المصطلحين مكان الآخر. وقد انتشر هذا الاستخدام كثيراً حتى بات التفريق بين التعبيرين أمراً متعذراً.

إذن فقد أصبح تيار الوعي مصطلحاً يفيد معنيين:

1ـ المعنى الأول يشير إلى نوع خاص من الروايات لا تكوّن الأحداث عمودها الفقري، بل أحداث النفس الداخلية، كما تجري قبل التنظيم والكلام، ومن أمثال هذه الروايات (عوليس) لجيمس جويس، و (الصخب والعنف) لوليم فوكنر، و (إلى الفنار) لفرجينيا وولف.

2ـ والمعنى الثاني يشير إلى تقنية أسلوبية، تتداخل مع أساليب أخرى في الرواية الواحدة، ويشكل الحدثُ عمودَها الفقري، كالروايات النفسية والواقعية.

ومن مقومات الحيوية التي يتيح هذا الأسلوب تحقيقها، ذلك الإحساس بالحضور الذي يولّده، كون الكتابة بصيغة المضارع غالباً، مما يكسبها الفورية التي تعوضها عما تفقده، لدى معظم القراء، من استخدام أشكال للتعبير، وتداعيات، ورموز خاصة، تضيق عنها الأفهام بعامة، مما يعيق سهولة التماهي مع الشخصيات الرئيسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى