قانون العائلة الثقافية المقدس

فرحات جنيدي | كاتب وقاص – مصر

 

يعلم القاصي والداني أن السياسة والدين والثقافة والاقتصاد والجنس والمخدرات والتكنولوجية الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي هي أسلحة الحروب الجديدة، ومن هنا جاء مصطلح الغزو الفكري والاقتصادي وحروب الجيل الخامس وانتشار الجماعات المتطرفة. ولقد انتبهت القوى العالمية لذلك فاستخدمت تلك الأسلحة في احتلال الدول أو غزوها او تفكيكها عن طريق نشر الفتنة والمذهبية و التطرف والحروب الأهلية. والأمثلة في هذا الشئن كثيرة ويكفينا ما في الداخل ودول الجوار أو المحيط العربي والاسلامي. ونحن اليوم في رحاب الثقافة، تلك القوة الناعمة ودورها في التصدي للغزو الفكري الذي تحاول الكثير من الدول استخدامه للنيل من مصر ووحدة شعبها. ومن هنا يأتي السؤال لكل مسؤول في وزارة الثقافة المصرية وهو أن مصر تمتلك أكثر من ١٨٥ سفارة في دول العالم المختلفة وهي تعد الدولة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية من حيث عدد السفارات، وفي كل سفارة تملك وزارة الثقافة قنصلاً ثقافياً وهيئة مكتب تعمل معه، وهولاء يقدمون تقريراً دورياً بنشاط المكتب الثقافي. فهل انتبهت وزارة الثقافة لمخططات إيران للتمدد في الداخل المصري بعدما سيطرت علي الغرب الإفريقي وخمس عواصم عربية هي دمشق وبيروت وصنعاء و بغداد و المنامة؟ والمخطط التركي للتمدد وخلق قاعدة شعبية لها في الداخل المصري وتثبيت موضع قدم لها في البحر الأحمر وانتشارها السريع في القلب الإفريقي خاصة بعد زيادة سفاراتها في أفريقيا والتي لم تزد عن أحد عشر سفارة خلال النصف قرن الأخير، بينما وصلت إلي خمسين سفارة، ولحن الغزل حول مصر الذي يعزفه عدد من المسؤولين الأتراك في الآونة الاخيرة. وكذلك دور إسرائيل المخرب والداعم لكل عمل أو فكر يدمر مصر ؟ ما هو الدور الذي قامت به الوزارة للتصدي لكل هذه المخططات؟ من الممكن أن يكون لها دور كبير وفعال تعلم به الاجهزة السيادية في مصرنا الحبيبة وأنا أؤمن بذلك بل متأكد منه، لكن في الداخل لم أقرأ أو أتابع أو أشعر بشئ من ذلك لأن تأمين الداخل لابد أن يكون ظاهراً للجميع حيث النشاط في كل المواقع وبكل المحافظات، وهذا لم يحدث. ويقول البعض ربما يكون المجهود المبذول والرائع من وزارة الثقافة كان محدوداً في إطار ضيق لكن هذا أيضا لم نشعر به ولم نره أو نقرأ عنه لكن كل ما رأيناه وشعرنا به كان العكس. نعم العكس الذي يخدم تلك المخططات ويسهل طرق انتشارها ولا يخفى على أحد سيطرة الدراما والمنتجات التركية في مصر والوطن العربي والتي بدورها خلقت أتباعاً لتركيا بالطريق غير المباشر، وكذلك انتشر التشيع في أوساط الفقراء وسكان العشوائيات. وأما ما تقوم به إسرائيل فلا يحتاج إلي إشارات أو توضيح. يكفي دعمها للمنظمات الإرهابية في سيناء ودعمها بالدرع الصاروخي لإثيوبيا لحماية سد النهضة. ومن يقرأ هذه السطور يسأل كيف تحركت وزارة الثقافة والجيش الذي يعمل بها وجيش المنتفعين المرابطين في الحظيرة. أقول لقد سهلت وزارة الثقافة المصرية الطريق أمام هولاء بتهميش الثقافة والمثقفين وغلق الأبواب أمام الشباب ووضع قيادات لا تملك خيالاً أو تاريخاً في أماكن مهمة وتدمير كل من هو ناجح في موقعه. فلقد شغل فاروق حسنى الوزارة 24 عامًا منذ عام 1987 وحتى 2011، كأكثر وزراء الثقافة شغلًا للمنصب، إلى أن تركها فى 31 يناير 2011. رحل رأس العائلة لكنه ترك رجاله في كل قطاع. ومن هنا ظهر اسم حسن خلاف الرجل الأقوى في الوزارة وذراع فاروق حسني الذي يشتبك مع أى ديك يقلق نوم العائلة فشهدنا بعد الثورة تعيين الدكتور جابر عصفور وزيرًا للثقافة. شغل جابر عصفور حقيبة الثقافة فى حكومة الفريق أحمد شفيق، لأيام قليلة إذ استقال فى 9 فبراير 2011 معللًا ذلك بأسباب صحية تمنعه من الاستمرار، خاصة بعد ما تعرض لانتقادات عنيفة لقبوله المنصب فى ظل الأوضاع السياسية وقتذاك. فى 23 فبراير تم تعيين الكاتب محمد عبد المنعم الصاوى، صاحب ساقية الصاوى، وزيرًا للثقافة ضمن حكومة الفريق شفيق، ولم يستمر أكثر من أيام معدودة، إذ تعرض هو الآخر لانتقادات واسعة حيث رفضه الوسط الثقافى كله بسبب أنه غير معروف، ولم ينجز مشروعًا ثقافيًا يؤهله لشغل المنصب. فى مارس 2011، وضمن حكومة المهندس عصام شرف، تولى الدكتور عماد أبو غازى وزارة الثقافة، وكان يشغل من قبل منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، وحاول أبو غازى خلال فترته أن يضع ملامح لسياسات ثقافية فى مصر، وتم عقد مؤتمر حضره عدد من المثقفين ليشاركوا بآرائهم وتصوراتهم حول وضع الثقافة فى مصر وما تحتاج إليه، ولكن بسبب أحداث محمد محمود استقال أبو غازى يوم 20 نوفمبر. بعد انتهاء أحداث محمد محمود، واستقالة حكومة المهندس عصام شرف بالكامل، جاء الدكتور كمال الجنزورى رئيسًا للحكومة، وفيها تولى الدكتور شاكر عبد الحميد الذي رحل عن عالمنا منذ أيام ولكنه لم يستمر لأكثر من 6 أشهر تقريبا لكن الحقيقة التي لا يعلمها إلا البعض هي أن الدكتور شاكر عبد الحميد اصطدم بحسن خلاف ورجاله عندما قرار إعفاء حسن خلاف، رئيس مكتبه، من كل اللجان الصادر تشكيلها بقرارات وزارية تم تكليفه بها. قام شاكر عبد الحميد ببعض التعديلات فى هيئات الوزارة ورؤساء القطاعات المختلفة. وهو الذى عين الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة الحالية، لرئاسة دار الأوبرا. ومن وزير لوزير اتفق ستة وزراء ثقافة شغلوا المنصب علي استمرار إيناس عبدالدايم في منصبها إلا علاء عبد العزيز، وعندما أنهى عبد العزيز ندبها ثار المثقفون وعادت لموقعها وكانت السنوات الست التى قضتها فى دار الأوبرا سبباً رئيسياً ومباشراً فى اختيارها كأول وزيرة للثقافة فى مصر. وكانت أيضا درساً لها في الصراع علي البقاء وتجاوز الصعاب. ولذلك عندما تم اختيارها كوزيرة للثقافة كان لابد أن يكون لها ذراع قوي يوازي حسن خلاف ذراع فاروق حسني الذي استمر ٢٤ عاماً فوقع الاختيار علي الدكتور أحمد عواض والذي عمل بكل جهد على ألا يظهر في الصورة، لتثبيت كرسيه وإرضاء الوزيرة، فكان العطاء لمن يوالي والسيف لمن يخالف. لماذا أحمد عواض بالذات دون غيره من داخل الوزارة أو من المنتدبين من مثله؟ للإجابة على هذا السؤال يجب أن نقرأ هذه الحكاية الصغيرة عن تشرشل رئيس وزراء بريطانيا الذي كان صاحب نكتة و دهاء، حيث جمع وزراءه في أحد الأيام في مزرعة صغيرة تقع في ضواحي لندن، وبعد الإنتهاء من شرب الشاي، أشار إلى أحد حراسه قائلآ : أطلق أحد الديكة هنا!! ، فأطلق الحارس ديكآ، وطلب تشرشل من وزراءه وضيوفه، أن يمسك أحدهم بالديك، فقاموا بملاحقته لكنهم فشلوا. فقال تشرشل للحارس: أطلق ديكآ آخر. أطلق الحارس ديكآ آخر، فأخذ الديكان يتصارعان، وبينما هما كذلك، إقترب تشرشل من الديك الأول، وقبض عليه، وابتسم، وقال “هذه هي السياسة !؟”

وهذا بالضبط ما فعلته الوزارة وما تزال تفعله، في كل المواقع الثقافية فالديك الذي لا يستطيعون إمساكه، يرسلون إليه عدة ديكة لإتعابه بالقتال، ثم يمسكونه بسهولة. ومن هنا كان القرار باختيار الدكتور أحمد عواض الذي جاء من خلفية سينمائية متواضعة كما وصفه النقاد المتخصصون، فبجانب مساره الأكاديمي في معهد السينما مارس الإخراج. كان أول أفلامه في العام 2002، وخلال هذه السنوات أنجز الرجل عدداً قليلاً من الأفلام كان الغالب عليها النزوع التجاري وسطحية الرؤية والمعالجة مثل افلام “كذلك في الزمالك” و”كتكوت” و”بون سواريه” وبدون أي مقدمات تم تعيين عواض رئيساً للمركز القومى للسينما، وكان المركز قد تعرض لأزمة كبيرة بعد رفض رئيسه مدير التصوير كمال عبدالعزيز صرف الدفعة الاولى لفيلم “في أي أرض نموت” بعد وجود مخالفات ووجود طرف آخر يملك عقد بيع السيناريو والذي قام ببيعه مخرج تحفة الثقافة الخالدة فيلم “المسافر”، ثم تقدم به لأخذ المنحة وبعد اصرار عبدالعزيز علي الرفض تدخل محمد أبوسعدة وحاول إقناع وتهديد عبدالعزيز لكنه رفض، فكانت النهاية إحالته إلى التقاعد بعد بلوغه سن الستين فجاء الدكتور وليد سيف الذي رفض تنفيذ سياستهم فحاربه جابر عصفور بتهمة أنه من رجال الراحل علي ابو شادي فجاء محمد عزيز فلم يرضهم عمله فوقع الاختيار علي المخرج أحمد عواض الذي نجح في تنفيذ الأوامر، ومنذ أن جاء عواض كرئيس للمركز القومي للسينما ولم يعد مركزاً ولا قومياً، وكان إنجازه الوحيد توقيع العاملين فى دفاتر الحضور والانصراف. في ذلك الوقت ظهر نجاح الدكتور سيد خطاب في جهاز الرقابة علي المصنفات الفنية ورفضه بعض الأعمال، فتمت إزاحته و الاستعانة بالدكتور أحمد عواض في جهاز الرقابة علي المصنفات الفنية لينفذ ما رفض دكتور سيد خطاب تنفيذه! ويكفيني أن اذكركم بفضيحة فيلم “حلاوة روح”، ومن بعدها جاء اختياره ليحل محل الدكتورة نيفين الكيلاني التي نجحت بشكل ملفت للنظر في صندوق التنمية الثقافية وشهدنا جميعا كيف أثار نقلها جدلاً كبيراً بين الأوساط الثقافية، خاصة أنه جاء بمثابة مفاجأة مدوية، بعد أن كانت تحظى بموقع خاص في خريطة اتخاذ القرار بوزارة الثقافة، وما زاد من غموض إقالتها تعيين الدكتور أحمد عواض رئيس المركز القومي للسينما بدلًا منها.. وكان خبر الإطاحة بالكيلاني في ذلك الوقت لغزًا لم يستطع المثقفون فك طلاسمه، خاصة أنها كانت تنجز العديد من المعارض ذات الأهمية القصوى، على رأسها المشاركة مهرجان الجنادرية بالسعودية الذي افتتحه الملك سلمان؛ بالإضافة إلى إقامة معرض شارك في ختام العام الثقافي المصري الصيني بحضور رئيسي البلدين. لتتوقف مسيرة النجاح ولا يلمع إسم في الوزارة غير اسم الوزير لكن بذور النور مازالت قادرة علي البزوغ. فلقد أثمرت شجرة الهيئة العامة لقصور الثقافة بعدما أصابها اليأس لكنها رزقت بعد صبر طويل برجل يعمل ليل نهار وهو الدكتور سيد خطاب الذي تحدثت عن مشواره في الهيئة في مقالي السابق. لكن نجاح خطاب وكشفه الكثير من الملفات أقلق الوزير ورجاله فكان القرار بإرسال أحمد عواض، الرجل السوبر، الذي يستطيع أن يرتب البيت كما كان ويجمع شمل العائلة المقدسة العاملة بالهيئة.

إن الهيئة العامة لقصور الثقافة تعتبر أكثر أجهزة وزارة الثقافة وجوداً وتشعباً بالمحافظات. لذا لابد من السيطرة عليها فإذا تم استثمارها بشكل جيد بتقديم فعاليات ثقافية وفكرية جيدة، ستقضى على الكثير من الجهل وتفتح المزيد من العقول وتحرك المياه الراكدة فى الأقاليم المتعطشة للثقافة وتكون حائط صد ضد المخططات التي تستهدف مصر وهذا لا يهم الوزارة والعاملين بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى