لا تكن مثاليا

رحاب يوسف | طولكرم – فلسطين

 

     اجعَلها قاعِدَةً في حَياتِكَ، لا تَكُنْ مِثالياً، فالمثاليَّةُ تُعيقُ الإنتاجَ والإنجازَ، فعندما أتعامَلُ معَ نَفسي على أنني لستُ مِثاليّاً أرضى بأنَّ هناك مَن هُوَ أفضَلُ مِنّي بالتقوى، والعِلمِ، والإنجازِ.

     سَيِّدُنا موسى – عليه السلام – عندما سألَهُ قَومُهُ: “مَن أعلَمُ الناسِ” قال: “أنا”، فعاتَبَهُ اللهُ – سبحانه وتعالى – مع أنَّهُ أهمُّ نَبِيٍّ في ذلكَ الزمانِ، فقالَ له تعالى: “اذهبْ وتَعَلَّمْ من الخِضرِ”، هذا يُعَلِّمُنا التواضُعَ، والإكثارَ من قولِ “لا أدري”، “لا أعلم”، ولا أجِدُ أشَدّ تَواضُعاً من الإمامِ “أحمد بن حنبل”، فقد كان يَقولُ: “لا يُفتى ومالِكٌ في المَدينَةِ”، بينما المِثاليُّ يُظهِرُ لَكَ أنَّهُ يَعلَمُ كُلَّ شَيءٍ.

     لا تَكُن مِثاليّاً، فالكمالُ للهِ وأنتَ بَشَرٌ، تَتَألَّمُ، وتَتَعَلَّمُ، وتُخطِئُ، وتُصيبُ، فلا تَطلُب من أهل بَيتِكَ أن يكونوا مِثاليينَ فوق الطبيعيِّ.

     عَدَمُ المِثاليَّةِ تَجعَلُني أتَقَبَّلُ الأخطاءَ التي سأتَفاداها في المستقبل، مثلاً: في بدايَةِ كُلِّ مَشروعٍ تَقومُ بهِ – عِلميَّاً، اقتصاديَّاً، أدبيَّاً – ستكونُ عندَكَ أخطاءٌ بنِسَبٍ مُعَيَّنَةٍ، في البداية أتَقَبَّلُها – ولو كانت بنِسبَةِ 90% – ولنا في أديسون عِبرَةٌ بعدَ عَشَراتِ المحاولات استطاعَ اختراعَ المِصباحِ الكَهرُبائيِّ، فالمثاليَّةُ المُبالَغُ بها تُعَرقِلُ تأدِيَةَ الكثيرِ من المَهامِّ، وتَجعَلُ صاحِبَها يُحبَطُ، ويَشعُرَ بالفَشَلِ، ومن ثُمَّ يُخَطِّطُ، ويُخَطِّطُ، فالتخطيطُ الزائِدُ يقودُ صاحِبَهُ إلى القَلَقِ والتوتُّرِ، ثم إلى الفَشَلِ والإحباطِ لعدم الإنجاز.

    المِثالِيَّةُ الزائِدَةُ تَجعَلُ هَمَّكَ الوحيدَ هو إرضاءُ الناسِ، والعَيشِ لأجلِهِم، فتُصبِحُ مَسجوناً فيهم؛ لأنَّ مَشاعِرَكَ مُرهَفَةٌ، غيرُ ناضِجَةٍ، ورِضاكَ عن نَفسِكَ مُرتَبِطٌ برضا الآخرينَ عنكَ، فلا تستمتعُ بلحَظاتِ حَياتِكَ، شُغلُكَ الشاغِلُ هو الحِرصُ الدائِمُ على مَشاعِر الآخرين، ولو على حِسابِ مشاعركَ!

     الأشخاصُ المُبتَلون بهذا المَرَضِ – مَرَض المِثاليَّةِ الزائِدَةِ – يُشَلُّ تَفكيرُهُم، يضغطون أنفُسَهُم، يُريدونَ إرضاءَ الكَونِ بأسرِهِ – وهذا مُستَحيلٌ – يلومون أنفُسَهُم كثيراً؛ لعدم وُصولِهِم إلى التوازن في شَخصِيَّاتِهِم، والنُّضجِ الانفعاليِّ، فعِلاجُ هذه المُشكِلَةِ – مُشكِلَةُ اللَّومِ الزائِدِ – كما يقولُ المُستَشارُ النَّفسيُّ “د. ماهر العربي” باتِّباع القَواعِدِ الآتية: “القاعِدَةُ الأولى: التركيزُ قبل الاجتماعاتِ على تِرديد جُملَةِ (أنا أعيشُ لذاتي، وأنا أُفَكِّرُ بنفسي قبلَ أن أُفَكِّرَ بالآخرين، وأنا أتَكَلَّمُ وأتَصَرَّفُ بما أراهُ مُناسِباً حتى ولو لم يَقتَنِعْ به الآخرون)، والقاعدة الثانيةُ: مِن حَقِّي أن يَكونَ لي شَخصِيَّةٌ مُستَقِلَّةٌ، ولن أُعَلِّقَ سَعادَتي على الآخرين، ونَحن جميعاً مُعَرَّضون لانزعاج الآخَر مِنّا، لكن دون أن نَلومَ أنفُسَنا على ذلك، والقاعِدَةُ الثالثةُ: أنَّني سأُشارِكُ الناسَ، ولن أكونَ مُراقِباً لكُلِّ حَرَكَةٍ تَصدُرُ عَنهُم، وسأتَصَرَّفُ بكُلِّ ارتياحٍ، والقاعِدَةُ الرابعةُ: من حَقِّي أن أتَّخِذَ قَرارتي بكُلِّ جُرأةٍ، لو لَمْ تُعجِبْ مَن هُم حَولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى