ما قبل التفلسف: الكوجيتو الديكارتي
د. خضر محجز | غزة – فلسطين
هو شيء من الفلسفة، فكل ما كان قبل الفلسفة فلسفة، تأمركم أن تفكروا، إذ لا شيء يمكن فهمه، من أي كتاب، مهما كان بسيطاً، دون أن يقرر المرء أن يفكر. وهو أمر قررت معاهد التعليم عندنا منعه، لأنه لا يجلب الرسوم.
دوماً سعت الفلسفة إلى اكتشاف مرتكز، بداية لانطلاق الفكر، قاعدة مقررة لا نقاش في حقيقة وجودها، لتنتقل منها إلى ما وراء ذلك، فتقيسه عليها.
ذلك لأن الإنسان لا يستطيع التفكير دون الاستناد إلى ما يثق بوجوده فيعلمه قطعاً.
وبما أن الماديين يصرون على أن كل برهان هو في أصله مستمد من التجربة، والتجربة وليدة الحواس المادية، فقد تصدى ديكارت لهذا وحاول ان يثبت وجود الما قبل (ما قبل الحواس) فإن شئت قلت (ما قبل الطبيعة).
في البدء يوافق ديكارت على أن كل البراهين، المستنتجة من الحواس، من الممكن أن تكون باطلة. لكنه يتساءلً: لكن من الذي قال هذا؟ أليس هو أنا؟ إذن فأنا صاحب هذا التفكير. إذن فأنا شيء من الأشياء. أنا هو من أطلق هذا الحكم.
ثم يواصل ديكارت رحلته صعداً فيقول:
وبما أنني أنا الذي يشك في كل شيء، إذن فأنا شيء موجود لا يمكن إنكاره، لأنه أقوى من شكي في أحاسيسي. لكن كيف عرفتُ أنني أنا من قرر ذلك؟ بالفكر:
إن فكري أنا هو من قال هذا.
إذن فلي أنا ذاتٌ تفكر وتقرر وتشك، إذن فأنا شيء موجود.
إن كوني أفكر هو أمر حقيقي، لأن الذي يفكر ليس شيئاً آخر غيري. إذن فأنا موجود، وجوداً حقيقياً لا يحتمل الشك. لأنه ليس ناتجاً من التجربة.
وجودي أثبته تفكيري الذي هو أقوى من الأحاسيس الخارجية القابلة للخطأ.
إذن فلدي الآن مبدأ (قـَـبْـلِـيٌّ): سابق على التجربة، وأساس انطلاق منه أبدأ.
ربما كنت قادراً على الشك في وجود جسمي، لكنني غير قادر على الشك في تفكيري. فإن «نفس كوني أفكر في الشك في حقيقة الأشياء الأخرى، يستتبع استتباعاً جد واضح: وجد يقيني أنني كنت موجوداً». في حين أنني لو كففت عن التفكير، لما كان لي من دليل على وجودي.
إذن فأنا موجود أصيل يقوم التفكير دليلاً على وجوده.
هذه البداية ومن هنا يبدأ إثبات الأشياء الأخرى.