كل يوم هناك نكبة
شوقية عروق منصور – الناصرة – فلسطين
يقال إن طائر البشاروش دائماً يطير ويطير مئات الأميال ثم يكتشف في النهاية أنه ما زال في نفس النقطة التي بدأ منها ! في ذكرى النكبة نتحول جميعنا إلى طيور البشاروش نطير فوق الذكريات والخيام واللجوء والتشرد والأرقام التي تتناسل تحت الردم والقصف والطرد والحصار والموت المدجج بالهموم والقهر والفقر والبطالة، ومفاتيح البيوت التي كانت موعودة بالعودة القريبة، لكن الزمن قام بخداعها وتركها على رصيف الانتظار تحت شمس الظلم والعبث السياسي ، وها هم كبار السن يحاولون توريث المفاتيح للأجيال القادمة لعل الأجيال تحملها وتتجه نحو الأراضي والبيوت .
كلما رأيت أحد الشيوخ في مخيمات التشرد يحمل مفتاحاً أصاب بالفرح لأن الحلم ما زال يقوم بوظيفته الصعبة ويمنح الأمل، رغم أنف القادة والزعماء العرب والاجانب، فالشيخ حامل المفتاح يعتمد على بوصلة الاحساس والشعور وليس على النشرة الاخبارية ولقاء الزعماء.
في ذكرى النكبة نستيقظ على صهيل المخيمات الفلسطينية في الشتات العربي التي ضاعت في زحمة العناوين والعصابات والحركات ذات العضلات الايديولوجية و الدينية والكوابيس المسلحة والانظمة السياسية العربية التي قامرت وما زالت تقامر، وراهنت على تمزيق الجسد الفلسطيني ونجحت في التمزيق ..!! ونتساءل في ذكرى النكبة وبعد ٦٩ سنة من رحلة الفلسطيني المعذب والمحاصر هل ما زلنا في نقطة البداية مثل طائر البشاورش؟ ويا ليتها كانت البداية التاريخية التي حملتها صفحات التاريخ الذي حاول المراوغة وطرح قرار التقسيم فرفضنا لكن نعترف اننا سقطنا بئر الحرمان – هناك من كان ضد قرار التقسيم – لكن هل ما زالوا يؤمنون بالرفض بعد ان اصبحنا نحن اصحاب الحق نقطة الرفض في العالم واجسادنا تغتسل يومياً بمياه التآمر والتواطؤ .
نحزن ونغطس في مستنقع المرارة حين تمر ذكرى النكبة ، يتسع الجرح خوفاً من الغد ، من القادم ، من شيء اسمه المستقبل ، خاصة حين نكتشف ان النكبة الأم انجبت مئات النكبات وكل نكبة تخرج من الرحم الفلسطيني اصعب واقسى من النكبة السابقة ، تلد الأزمات المشوهة والأطراف المتآمرة والوجوه المتخمة بالفساد .
في ذكرى النكبة لا نملك الا عملية عض الاصابع من الندم والقدرة المدهشة على الخلاف وتقسيم الشعب الفلسطيني الى طوائف وجبهات ، والعالم العربي الذي كنا ننتظر تغيير رؤسائه وزعمائه بزعماء وقادة يسحبوننا الى الامام ، الى الغد العربي المشرق المتطور الحضاري القوي ، نراهم يجروننا الى الخلف ، يفتشون الآن على الفلسطيني كي يسافر معهم في تكملة المخططات والتجزئة وحرق الباقي من الاخضر العربي . وكلما ذهب رئيس جاء من هو أسوأ منه ، ذكرني بقول الراقصة تحية كاريوكا ( ذهب فاروق وجاء فواريق) .
من الصعب في ذكرى النكبة ان نؤكد قول باولو كويلو : الشعور بأننا لا نعني شيئاً لأحد على وجه الأرض وعلى هذه الارض شعور مدمر ..!
نعم أصبحنا نشعر أننا زيادة على الهم العربي ، وأن قضيتنا مع اسرائيل أشبه بنبوءة نزار قباني ( خازوق دق ولن يقلع من شرم الشيخ الى سعسع ) .
لكن صوت فيروز يوقظني حين قالت في مسرحية جبال الصوان ( اقتل اضرب شو بدك لتقتل ما بقى راح تخلص القصة خلف كل صخرة ، بقية كل بيت عم يخلق ولد لمدلج – مدلج الذي قتله الديكتاتور – ) والقضية الفلسطينية هي مدلج فيروز الذي سيأخذ اولاده بالثأر .
في ذكرى النكبة والمسيرات والشعارات والرسومات والمقالات وفتح الصفحات وتلوين الحاضر بالأمل تتم المصالحة بين فتح وحماس وغزة تغفر وتعفو عن من ؟ والسلطة الفلسطينية تغفر و تعفو عن من ؟!..؟! كأننا نتكلم عن دولتين وجيشين وسجون وحكومات ووزراء .. اليست مهزلة النكبة . .
تمسكوا بكعب حذاء القضية … لا نريد أن نتمرغ أكثر في وحل الهزائم .