المقاومة الفلسطينية.. آفاق واعدة وحقول ألغام
سعيد مضية | حلحول – فلسطين
عاهة مستدامة تسكن المقاومة الفلسطينية تتمثل في جاذبية نحو الغرب الامبريالي يستثمرها لدعاوى الفرقة والتناحر.هذا بينما الجماهير الفلسطينية تتولاها نزعة التوحد رغم تباين المواقع الجغرافية والملابسات السياسية. هذه المفارقة العجيبة جرى استغلالها أبشع استغلال عبر مراحل المقاومة الفلسطينية وكانت إحدى عوامل النكسات.
أنجزت الجماهير الفلسطينية على أرض الوطن وفي الشتات، داخل إسرائيل وفي الأرض المحتلة، في غزة والقدس وحدة عضوية تمثلت في وقفة العز يوم الثلاثاء 18 أيار الجاري فتحت مجرى جديدا للتاريخ الفلسطيني؛ بينما الفصائل، وقد استلهمت وقفة العز وأبت تركها عزلاء بوجه القوة المسلحة للجيش والشرطة والمستوطنين، تصدت للعدوان العسكري الإسرائيلي على غزة كل على انفراد. عودتنا، عبر صدامات جرت في الأونة الأخيرة، على الردود المشتركة من غرفة عمليات موحدة؛ أما في المواجهة الأخيرة فقد فاجأتنا البيانات تسرد دور كل فصيل على حدة؛ وبالنتيجة برز تميز دور حماس، وكأنها تود الاستثمار العاجل وقطف الثمار. طبيعي ان دور كل فصيل تحدد بنصيبه من المساعدات المادية والمالية والتقنية، هبات قدمت تحت بند دعم المقاومة الفلسطينية.
هدأت الصواريخ وبتنا نسمع مقترحات منفردة ومتضاربة لمشاريع سياسية مستقبلية. بادرت حماس، بلسان قائدها يحيى السنوار، بالإعلان عن اقتراح هدنة، طويلة المدى أو قصيرة المدى، شريطة إنهاء الاحتلال وتفكيك المستوطنات ومراعاة حرمة المقدسات. باختصار نسخة من شروط فتح والسلطة الوطنية في رام الله للتسوية السلمية، والتي لم تلق التجاوب من جانب إسرائيل. لوحظ تمييز السنوار لفضائية الجزيرة على الأخريات، لعله يعكس تفضيل درب قطر.
ردت الجبهة الشعبية، بلسان الأمين العام المساعد، ترفض التسوية الجزئية وتطالب بالتحرير الشامل من النهر الى البحر؛ وأتبعت ذلك بالطعن في كل مقاومة غير مسلحة. نتمنى ان لا يغيب عن ذاكرة اللواء أبو أحمد فؤاد أن الحدث الذي قفز بالقضية الفلسطينية إلى مركز اهتمام العالم كان حصيلة مقاومة شعبية، وأن لا يُغفِل تركيز مقالات التضامن في الميديا الاجتماعية على تحدي الجماهير الفلسطينية مشاريع التهجير ومحاولات تهويد منطقة الأقصى.
أما الجهاد الإسلامي فطالبت باللقاء أولا بين قادة الفصائل والاتفاق على خطة عمل مشتركة. وهو الاقتراح الأقرب للعقلانية والأكثر انسجاماَ مع تعقيدات المرحلة والمخاطر القابعة بالدرب.
هذا، بينما فتح والسلطة في رام الله انتشت بعرض إدارة بايدن اعتمادها مشرفة على إعمار غزة، وبتجاهل حركة حماس أو فرض الشروط التعجيزية عليها. أحيث السلطة رميم خيار التفاوض، يحدوها تفاؤل واهم باقتراح حل الدولتين دون انتظار للتأكد ما المقصود بالدولة الفلسطينية المضمرة في ذهن بايدن.
الموافقة على عزل حماس والمقاومة في غزة يعيد خطيئة الموافقة على حصار غزة إثر ظهور نتائج انتخابات 2006. تنبأت الإدارة الأميركية بدقة بنتائج انتخابات “حرة ونزيهة”، وألحت عليها، ولم تفاجأ بالنتيجة؛ لكنها انطلقت الى فرض الحصار على القطاع، فأنجزت مخططها لإحداث القطيعة بين شطري فلسطين، وخلق ازمة مستعصية داخل المقاومة الفلسطينية؛ حيث راحت القضية تتردى وتفقد الاهتمام بها حتى مرحلة التطبيع التي اعتبرت موتا للقضية الفلسطينية.
وتعاد الكرة دون استيعاب الدرس؛ تصدر تصريحات عن الرئيس الأميركي بايدن وأركان إدارته من جديد لعزل حماس في غزة ودق إسافين داخل المقاومة الفلسطينية، مقدمة الطعم للسلطة ان “السياسة الأميركية تجاه إسرائيل والفلسطينيين سوف تقوم من الآن فصاعدا على مبدأ حقوق الإنسان للجميع – لكل فرد من النهر للبحر”.
اما بالفعل فما زالت سياسات بايدن تحافظ على اعتراف ترمب بالقدس عاصمة إسرائيل الوحيدة غير المقسمة، وتتعهد بالإبقاء على السفارة الأميركية بالقدس انتهاكا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. ولم يصدر عن إدارة بايدن كلمة انتقاد للقانون الذي أقره الكنيست عام 2018 باسم “قومية دولة إسرائيل”، والذي يقر بأن اليهود، خلافا لأي من مواطني دولة إسرائيل، يملكون وحدهم الحق بتقرير المصير داخل إسرائيل. تتردد عن الإدارة الأميركية ادعاءات ان المستوطنات ليست غير شرعية، تشجع بذلك إسرائيل على ضم مناطق من الضفة الغربية.
وحيال دعم عمليات التطبيع وتفجر الصراع خلال الأسابيع الأخيرة، تأكد من جديد الوحدة العضوية بين الصهيونية والامبريالية، وبين مشاريع إسرائيل الاستيطانية ومساعي دول الغرب الامبريالي تحويل إسرائيل لدولة إقليمية مهيمنة. لا تشعر حكومات اليمين الإسرائيلية بتقييد حريتها في تنفيذ برنامجها الإحلالي؛ فهي سادرة كأنّ عدوانها العسكري على غزة وإفشال أهدافه على أيدي المقاومة جملة اعتراضية نافلة. يوجد شبه إجماع بين المراقبين على أن “إسرائيل تعاني حالة أزمات متلاحقة لأنها لا تملك حلاَ عسكرياَ لمشكلتها في غزة، بينما يتمترس حكامها اليمينيون خلف إيديولوجيا عنصرية تنأى عن البحث عن بديل لنظام الأبارتهايد وإيجاد حلول سياسية”، كما كتب باتريك كوكبيرن، المحلل السياسي البريطاني الخبير بالمنطقة، مضيفا ان “نتنياهو عمل بوضوح، ومنذ البداية، على إشعال مواجهة عسكرية مع حماس خدمة لمصلحته الخاصة – منع توحد أحزاب المعارضة لإزاحته من السلطة؛ ضمن حساباته المكشوفة يجري التضحية بالمدنيين الفلسطينيين، عل ذلك يبقيه بالسلطة ويحسّن فرصه لتجنب دخول السجن وهو يمثل أمام المحكمة بتهم الفساد”. والإدارة الأميركية توفر له فرصة لتحقيق مأربه.
إسرائيل تتحدى المقاومة الشعبية التي صكت اجماعا بين الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم، فتواصل سياسات الاقتلاع والتهويد في أحياء القدس: حي الشيخ جراح وحي سلوان وتنتهك حرمة الأقصى وتصدر تهديدات بهدمه وبناء الهيكل المزعوم مقامه. وتكثف منظمات المستوطنين الفاشية أنشطتها الإرهابية في أنحاء الضفة؛ كما تنظم الشرطة الإسرائيلية حملات إرهاب انتقامية شملت اعتقال المشاركين في هبة الثلاثاء البيضاء (18أيار)، عكست فزع اليمين الإسرائيلي من تجرؤ العرب على إشهار رفض الاضطهاد العنصري الممارس ضدهم ومشاركتهم في الحملة الشعبية ضد نهج الاقتلاع والتهويد في مدينة القدس.
وفي خارج إسرائيل يبدي انصار إسرائيل من قوى اليمين المتطرف، هلعا هيستيريا من تنامي التضامن مع العدالة في فلسطين. اندمجت في وعي العالم ملحمة العدوان على غزة مع هبة الفلسطينيين دفاعاَ عن حي الشيخ جراح وعن الأقصى والدفاع عن حراكهم السلمي من قبل المقاومة في غزة. تداعت حركة مظاهرات عارمة غير مسبوقة في مدن الولايات المتحدة وبريطانيا واوروبا والهند وأقطار آسيوية وإفريقية وفي آميركا اللاتينية. تضمنت الحملات الإعلامية، تشهيرا بالتطهير العرقي ونظام الأبارتهايد.
رأى الصهاينة وأنصار دولة إسرائيل من القوى الامبريالية واليمينية في التضامن مع الشعب الفلسطيني المضطهَد والمهدد بالترحيل من وطنه مظهرا للاسامية. فقد استقبل رئيس حكومة بريطانيا، بوريس جونسون، وفد رؤساء المنظمات اليهودية في بريطانيا وتقبل شكواه من ان التضامن مع شعب فلسطين عداء سافر لليهود ولدولة إسرائيل. حتى أن مجرد الدعوة لحقوق الفلسطينيين مساوية لحقوق اليهود أستنكرها قادة المنظمات اليهودية واعتبروها لاسامية.
يعقب الصحفي التقدمي في إسرائيل، جوناثان كوك، على هذه التخرصات، وينفي مسئولية اليهود عن تصرفات حكومات إسرائيل رغم الزعم بتمثيل اليهود، ملقيا المسئولية على مناصري نظام الأبارتهايد الإسرائيلي، ويكتب: “إن كنت تضغط لصالح إسرائيل، خاصة وهي تقترف جرائم حرب، فإنك لا تستطيع غسل يديك من جرائم الحروب. انت متورط بصورة مباشرة بالجرائم”.
الوسط السياسي المحيط بالرئيس الأميركي، بايدن، مواتٍ لتبديل سياسته بدون “وجع رأس”، إذ توضحت ملابسات الصراع حول فلسطين وانتقل النقاش بصدد إسرائيل- الفلسطينيين من مسائل مثيرة للإرباك إلى أمور معروفة حول وحشية الشرطة ونظام أبارتهايد. حيث تشتد المعارضة داخل بلاده لنظام الأبارتهايد في إسرائيل – وتتلاحق بين الشبان داخل الحزب الديمقراطي وبين الأميركيين السود واليهود وآخرين كثر في أرجاء البلاد، وكذلك الميديا وحتى داخل الكونغرس.
لم يعد يخفى في إسرائيل نهج يميني متطرف ونزعات فاشية، الأمر الذي أفزع الكثير من داعميها في الحزب الديمقراطي. ودعم رئيس الوزراء الإسرائيلي وبشكل علني دونالد ترامب والحزب الجمهوري مما نفر منه الكثيرين داخل الحزب.
تطورت حركة “حياة السود مهمة” الى قوة سياسية. من زيارة لهم إلى فلسطين زرعت في أذهانهم بذور التحالف الحالي. وردت الحركة وسط الاحتجاجات العرقية وبقوة على العنف في الشرق الأوسط ووسعت من تأثيرها على السياسة الخارجية للحزب الديمقراطي ودفعته لتبني سياسة مختلفة عن التقليدية في النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. ويرى الناشطون في حركة حياة السود مهمة أن التحالف مع الفلسطينيين طبيعي؛ فالشرطة الإسرائيلية تقوم بترويع الفلسطينيين بنفس الطريقة التي تسيء فيها الشرطة الأمريكية إلى السود العزل وتهاجم المحتجين. وهناك جيل من الليبراليين السود باتوا يطرحون الأمر في الكونغرس، مثل كوري بوش النائبة عن ميسوري والتي عملت في حركة حياة السود مهمة وأصبحت معروفة في الاحتجاجات على عنف الشرطة ضد شاب أسود في فيرغسون في ميسوري، وألقت خطابا في الكونغرس قارنت حياة السود في هذا البلد ومأساة الفلسطينيين. وتردد صدى رسالة التضامن في داخل الحزب الديمقراطي وبطريقة جديدة على مدى الأسبوعين الماضيين. وتلقى أنصار إسرائيل هذا التطور بنوع من الإحباط ؛ فحاولوا التفريق بين ما يحصل في الشوارع الأميركية والصراع بين إسرائيل وحماس، المنظمة الفلسطينية المصنفة كإرهابية في الولايات المتحدة.
صدر عن قاض فيدرالي يدعى مارك كوهين حكم يوم الجمعة، 21 أيار، في دعوى رفعتها آبي مارتن، الصحفية التقدمية، ومخرجة الأفلام الوثائقية، للطعن في قانون أصدرته ولاية جورجيا يحرم انتقاد إسرائيل باعتباره دعوة لاسامية. قال القاضي الفيدرالي إن قانون ولاية جورجيا، الذي يحظر التعامل مع أي شخص يدعو لمقاطعة إسرائيل، إنما ينتهك التعديل (البند) الأول من الدستور الأمريكي ويثقل كاهل مارتن في حرية التعبير.
كريس هيدجز عمل مراسلا سابقا لصحيفة نيويورك تايمز في الشرق الأوسط، وكان في غزة عام 2014 أثناء العدوان الإسرائيلي على القطاع. ويعمل حاليا صحفي تقصي، أي يمارس كشف ما تخفيه الميديا الرئيسة وأركان النظام الأميركي عن الجمهور. يكتب هيدجز حاليا تقارير صحفية تكشف المستور بسياسات الولايات المتحدة. وفي آخر تقرير نشره موقع “كونسورتيوم نيوز ” الإليكتروني حلل آليات نظام الأبارتهايد في إسرائيل. كتب هيدجز:
اعرف جرائم الاحتلال- فقدان الأغذية بسبب الحصار الإسرائيلي والكثافة السكانية منقطعة النظير في العالم كله، المياه الملوثة، نقص الخدمات الصحية وانقطاع تيار الكهرباء نتيجة استهداف إسرائيل مولدات الطاقة، الفقر المدقع والبطالة المتفشية والخوف والقنوط. كنت شاهدا على مذبحة جماعية.
وقال، “ليست إسرائيل ولم تكن أبدا الوطن الأوحد للشعب اليهودي. سكنتها أغلبية لاإسلامية منذ القرن السابع الميلادي حتى العام 1948، عندما استعمل الكولنياليون اليهود العنف للتطهير العرقي لإقامة دولتهم إسرائيل. أبدا لم تكن بلادا بلا سكان، واليهود كانوا تقليديا أقلية ضئيلة في فلسطين. والولايات المتحدة ليست الوسيط النزيه من أجل السلام، لكنها مولت جرائم إسرائيل ضد شعب فلسطين ومكنت إسرائيل ودافعت عن جرائمها. إسرائيل لا تدافع عن حكم القانون، وهي ليست دولة ديمقراطية؛ إنها دولة أبارتهايد… انها أيضا مثال صادم لمشاريع الاستيطان الكولنيالي، وهو ما تم بالولايات المتحدة بالذات. يمارس الإسرائيليون إبادة عرقية ثقافية حتى يستطيعوا البقاء بشرعية في دولة خرافات بلا ذاكرة تاريخية.
فضح هيدجز نشاط اللوبي الإسرائيلي داخل الولايات المتحدة: اللوبي الإسرائيلي استخدم بلا حياء وبصورة مكثفة هراوة سياسية ثقيلة مطالبا الأميركيين اداء قسم الولاء كأمر واقع لدولة إسرائيل. إن تمرير مجالس الكونغرس في 35 ولاية اميركية تشريعات ساندها اللوبي الإسرائيلي تطلب من الشغيلة والمتعاقدين، تحت خطر الطرد، التوقيع على تعهد بأن لا يدعموا مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها.. إن ذلك سخرية من الحق الدستوري في حرية التعبير. اللوبي الإسرائيلي يتجسس داخل الولايات المتحدة على كل من يتحدث عن حقوق الشعب الفلسطيني، غالبا تحت إشراف الوزارة الإسرائيلية للشئون الاستراتيجية. أنفق اللوبي الإسرائيلي مئات ملايين الدولارات كي يتلاعب بالانتخابات الأميركية ، أكثر بكثير مما يزعم ان روسيا والصين تمارسانه في بلادنا.
وقال: كلما طال تزييف الحكاية الإسرائيلية تتقوى داخل إسرائيل جماعات العنصريين والمتعصبين ومنظري المؤامرات والكراهية الفاشية. هذا التحول المضطرد لليمين المتطرف في إسرائيل قد عزز التحالف بين إسرائيل والمسيحية الصهيونية ومعظمهم لاساميون. يتعاظم إسناد تهم اللاسامية من قبل إسرائيل واللوبي الإسرائيلي ضد أولئك الذين يدافعون عن الشعب الفلسطيني، مثلما حصل مع الرئيس السابق لحزب العمال، جيريمي كوربين، وتزاد تبعا لذلك جسارة اللاساميين الحقيقيين.
تنطوي العنصربية – ومنها اللاسامية – على خطورة فادحة؛ ليست سيئة بالنسبة لليهود فقط، بل إنها سيئة للجميع. فهي تعزز نفوذ القوى السوداء، قوى الكراهية العرقية والدينية من جانب المتطرفين. أقامت حكومة نتنياهو العنصرية تحالفات مع زعماء اليمين المتطرف في هنغاريا والهند والبرازيل، وكانت على اتصال وثيق بإدارة ترامب. العنصرية والشوفينية العرقية تبادلت التغذية والتغذية الارتجاعية، كما شاهدت بأم عيني في يوغوسلافيا السابقة. الجهاديون الراديكاليون بحاجة الى إسرائيل لتبرير عنفهم، تماما مثلما أن إسرائيل بحاجة للجهاديين الراديكاليين لتبرير عنفها. فريقان توأمان.
تنفذ إسرائيل برامج تدريبات للشرطة المسلحة، بما في ذلك الشرطة الأميركية. فهي لاعب كوني في صناعة الطائرات بدون طيار بكلفة عدة بلايين الدولارات، منافسة في ذلك للصين والولايات المتحدة.
تشرف إسرائيل على مئات طلعات المراقبة السايبرية، تلك التي جرى استخدام مبتكراتها في بلدان اخرى، طبقا لما أوردته صحيفة هآرتس، لرصد اماكن تواجد نشطاء حقوق الإنسان واعتقالهم وملاحقة أعضاء منظمات اليسار وإسكات المواطنين ممن ينتقدون الحكومات، حتى انهم يفبركون قضايا تجديف ضد الإسلام في الأقطار الإسلامية التي تمتنع عن إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل.
مثل الولايات المتحد تسممت إسرائيل بسيكولوجيا الحروب. مليون إسرائيلي، كثير منهم ذوو تعليم عال، غادروا البلاد. يخضع الأشجع بين أنصار حقوق الإنسان – مثقفين وصحافيين- إسرائيليين وفلسطينيين- للمراقبة الدائمة والاعتقالات التعسفية وحملات تشويه بذيئة تجريها الحكومة. ويشن الغوغاء، بمن فيهم أوباش من جماعات الشباب اليميني المتطرف، مثل حركة إم تيرسو هجمات عنيفة ضد المعارضين والفلسطينيين والعرب المواطنين في إسرائيل والمهاجرين الأفارقة المقيمين في أزقة تل أبيب الخلفية؛ وهم يحظون بدعم طيف واسع من الجماعات المعادية للعرب بمن فيهم حزب أوتسما يهوديت، الخلف الإيديولوجي لحركة كاخ التي أسسها الفاشي كاهانا، وكذلك حركة لاهافا، الداعية لطرد الفلسطينيين داخل دولة إسرائيل وفي الأراضي المحتلة الى الدول العربية المجاورة. لاهافا تعني بالعبرية “اللهيب”، وهي الحروف المبتدئة لاسم الحركة “منع الاستيعاب في الأراضي المقدسة”. وتنشط أيضا منظمة فاميليا التي تضم مشجعي كرة القدم الفاشيين.
يطبق قانون القبول في التجمعات على سبيل المثال للبلدات اليهودية الصرف المتناثرة في منطقة الجليل، حق رفض طلبات السكن بينها بحجج “تناسق المظهر الأساس للمجتمع”. يوظف النظام التعليمي في إسرائيل، بدءا من الصفوف الابتدائية، الهولوكوست لإظهار اليهود ضحايا للأبد. دور الضحية هذا آلة أدلجة وظيفتها تبرير العنصرية ورهاب الإسلام والشوفينية الدينية وتأليه العسكرية الإسرائيلية.
هناك تناظر للعديد من التشوهات في إسرائيل والولايات المتحدة. البلدان ينطلقان بسرعة فائقة باتجاه فاشية القرن الحادي والعشرين، تحت عباءة اللغة الدينية، بما يلغي ما تبقى من حريات مدنية ويخطف ديمقراطيتنا الهزيلة.
أخشى أننا نمضي في منحدر تتدهور عبره إسرائيل؛ سيكون المنحدر مدمرا بالنسبة لنا. المقاومة للانزلاق تأتي من الشارع، مثلما اظهر لنا الفلسطينيون الشجعان.
يمكن الجزم بأن مسار الصراع العربي الإسرائيلي تبدل بشكل جذري بعد العدوان الإسرائيلي الأخير، بسبب نوعية الرد هذه المرة، فلأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي تخرج مطارات وموانئ إسرائيل من الخدمة، ولأول مرة تصل صواريخ المقاومة إلى العمق الإسرائيلي وتشل الحياة الإسرائيلية بشكل كامل.
نقطة هامة جدا في قضية تبدّل مسارات الصراع العربي الإسرائيلي؛ فلأول مرة يسقط من يد تل أبيب أهم وأخطر أسلحتها وهو سلاح الدعاية. وخاصة أن إسرائيل تستدر عطف شعوب، بادعاء انها ضحية “الاضطهاد المزمن”. ومما له دلالته في هذا السياق أن برلمان دبلن صوت بإدانة سلطات الاحتلال الإسرائيلي لعدوانها على غزة؛ واستجابت الحكومة لقرار المجلس.
اتضحت في وعي القوى العالمية الحية معالم الصراع الدائر حول فلسطين منذ أزيد من قرن، واتضحت التحالفات. ويخالج الوهم فصائل فلسطينية نضوج الظروف للحل؛ ليتبين استحالة الحل العادل في ظروف السيطرة الامبريالية على المنطقة. فهل يمتلك قادة الفصائل السياسية الفلسطينية قدرا من الحصافة وخصلة النقد الذاتي والمراجعة النقدية لرسم نهج مقاوم عقلاني يستثمر التعاطف الدولي والاندفاع الشعبي المستقطب للتضامن والتعاطف في الخارج ضمن حركة تحرر لشعوب المنطقة من السيطرة الامبريالية؟ هل لدى فصائل المقاومة النفسَ الطويل لكي تبني على الحاضر بما يفاقم عزلة إسرائيل وأنصارها والتضييق على مصالحهم بالمنطقة وفي العالم؟
إن الحل العادل والحاسم للصراع حول فلسطين، لا يتم إلا بدمج القضية الفلسطينية أحدى قضايا التحرر والديمقراطية والوحدة لدول المنطقة. وعلى صعيد العالم فالتضامن الشعبي عارم مع القضية الفلسطينية بينما تقف الدول مع ما تدعيه “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”؛ وهذا التناقض يجد حله بدمج المقاومة الفلسطينية مع نضالات شعوب الدول الامبريالية من أجل ديمقراطية راديكالية تعكس غلبة إرادة الشعوب على إرادة عملاء الاحتكارات ممن يهيمنون على السلطة والميديا بأساليب التدليس والإرهاب وتزييف الوعي.