عبق البخور  فى شعر الدرورة

 د. مصطفي عبد الوارث | ناقد وأكاديمي – مصر 

ببساطة ولكن فى جدية سعى مجدى بكرى – كاتب وشاعر مصرى – إلى التعريف بإبداع الشاعر السعودى على الدرورة، فى دراسة  سيميائية جيدة لديوان “أغانى البخور” صدرت عن منتدى النورس الثقافى قبل أسابيع قليلة. ورغم اتساع حقل السيميائية حتى  ليصعب تحديد مجالاته بدقة، إذ يتسع ليشمل علوم العلامات والرموز والإشارات والأدلة، فإن هذه الصعوبة نفسها تجعل المجال متسعا أمام الناقد وتفتح له الباب على مصراعيه فى التناول السيميائى، لكنه – والحال هذه – ينبغى أن يكون مقيدا بالنص نفسه؛ أنساقه البنائية وحدوده التعبيرية، ينطلق منه ويعود إليه، لتصبح “اللغة” هى المبدأ والمنتهى، ويكون التناول النقدى السيميائى  لغويا فى الأساس.


بدا بكرى متابعا مكترثا لشعر الدرورة، فقد نبه – مثلا – إلى أنه وظف مائة نوع من الأزهار فى ديوانه “ويزهر الطين بألحانى”، ولا تخفى دلالة شيوع “تيمة” ما فى إبداع شاعر على أنها محور مركزى فى معجمه الشعرى، ومرتكز فى دراسة شعره وتحديد أسس رؤيته الابداعية. كما نوه بتأثر الشاعر بالطبيعة من حوله باستدعاء عناصرها المختلفة،  فالشمس والنجوم والقمر، والبرق والضوء، والرياح والسحاب والمطر، مبثوثة فى قصائده، ما يضفى على شعره مسحة رومانسية الظلال.
ويذهب الكاتب إلى أن الدرورة يمتلك أدوات إبداعية تتسم بالأصالة والحساسية، تمنحه القدرة على التفكير الإبداعى متمثلا فى القدرة على التركيب والتحليل والتحديد والتقويم، تعززها ثقافة تنتج الوعى بالحقائق والمشكلات، وتعين على تقديم الحلول. ويعرض إبداعه على “فنون المعرفة السبعة” التى تنتج الجمال، محللا بعض الصور الفنية فى قصائد   “أغانى البخور”. ورغم  قلة الاستعانة بالنصوص فبإمكان القارئ أن يستشف العالم النفسى والوجدانى للشاعر، وأن يظفر بلمحات عن مدى انفعاله للمرأة (المحبوبة) ومدى تأثيرها فى وعيه ووجدانه، منعكسا فى أن بخورها يستحيل أنفاسا تمنحه الحياة حينا، وترتسم موجاته إثما فى وعيه حينا، وتتوغل رائحته فى أحلامه حينا. بل ويستحيل البخور صورا للمحبوبة الجميلة متشكلا فى هيئاتها : “أطياف البخور” “ابتسامة البخور” “أنغام البخور” “غناء البخور”، ومجسدا تأثيرها والشعور بها : “دفء البخور” و” تجليات البخور”،  ويشير الكاتب الى أن “مفردات” الشاعر محملة بالمعانى متعددة الدلالة ذات عمق وتأثير، تشى بالواقع النفسى واختلاجات المشاعر. ويتعجب من أن الدرورة غير معروف، شاعرا، على نطاق واسع، ما دفعه إلى التفكير فى دراسة شاملة لإبداعه، (يعد هذا الكتاب باكورة لها).
يبقى أن محاولة بكرى التعريف بالدرورة صرفت جل جهدها إلى التناول النظرى لعدد من المصطلحات كالعتبات ( العناوين والإهداءات) والموسيقى والتجربة والتحليل اللغوى والاصطلاحى، مستفيدا بجهود عدد من السيميائيين العرب والأجانب، ومن بينهم ابن جنى ودى سوسير . كما استعرض فى الفصل الأخير تاريخ “المباخر” وأنواعها، وحضورها فى الثقافات الحديثة والقديمة، ونماذج مصورة لها. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المحاولة الجيدة كانت تحتاج إلى مزيد من الوقوف المتأنى أمام نصوص القصائد بالدرس والتحليل ليقف القارئ على أبعاد التجربة الشعرية للشاعر وعالمه النفسى والوجدانى من مختلف أبعاده. وهو ما ننتظره فى محاولاته النقدية المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى