التلاعب بالوعى والبحث عن الهوية.. قراءة فى رواية جماعة الرب

مرفت يس | ناقدة – القاهرة

   رواية ” جماعة الرب” للروائي عبد السلام إبراهيم الصادرة عن دار العرب للنشر والتوزيع بلندن  ترتبط بالوعى ارتباطًا مباشرآ تتداخل  فيها الكثير من الأفكار وتتزاحم بشكل كبير إلى حد قد يرهق القارىء على قدر ما يمتعه، إنه التناقض الذى يعد إحدى مفاتيح الرواية الهامة، التناقض فى حياتنا وفى شخصياتنا وفى المجتمع المصرى بشكل عام التناقض بين الماضى والحاضر العشوائية والمدنية الذكورة والأنوثة، الأفكار التى قامت من أجلها الثورات، وما آلت إليه الأحداث بالفعل.

“التناقض هو جوهر المجتمع المصري “صــــ33

كما يقول الجرايحى رئيس تحرير جريدة الخبر الأول

“الحياة كلها عبارة عن مجموعة من التناقضات ،نعم من منا لا يؤدى، بقصد أو بدون قصد، رقصات متناقضة فى حياته ،كلنا ذلك الرجل، وإذا كانت المتناقضات هى جوهر المكسب المادى فنحن أولى بها ” صـــ31

تدور أحداث الرواية فى فترة ثورات الربيع العربى فى مصر وسوريا مسلطة الضوء على الثورات العربية بشكل عام والمصرية والسورية بشكل خاص نظرآ لارتباطها اللصيق الناتج عن اندماج وتعايش الكثير من السوريين واندماجهم فى نسيج المجتمع المصرى بشكل سريع.

يتم التركيز على احدى السوريات المقيمة فى مصر وهى نسرين طمبولى السورية التى فى رحلة بحثها عن الأمان تزوجت رجلآ بعمر أبيها (رأفت النحاس) وهو أيضآ والد صديقتها (منتهى) كحل طارىء هربآ من مصير مجهول وبحثآ عن احتواء الأب وفقد الحبيب فى الثورة السورية قبل نزوحها إلى مصر، وهربآ من جحيم الحرب كما فعلت الكثير من السوريات، هربآ من مصيرهن المرعب داخل الشوارع ومنافستهن للمتسولات المصريات بعرض أنفسهن للزواج من الشيوخ الكبار الذين وجدوا فى ذلك فرصة لاستعادة شبابهم من ناحية وفعل الخير كما يعتقدون من ناحية أخرى وكأن فعل الخير عند هؤلاء ينحصر فى الزواج بهن فقط ،وهو نوع من الزوج الغير متكافىء. وفى قصة نسرين أيضآ يمر بنا الكاتب إلى مناقشة فكرة الهوية بين نسرين وخطيبها (أكرم المعصراني) فى إشارة لرفضة فكرة الهجرة من سوريا وأنها فكرة لا تقبل الجدال يقول :

 الهجرة تسلب هوية المهاجر، وتُرده من معانيها وخصائصها” صــ177

فيفضل البقاء إلى أن استشهد كغيرة ممن أثر البقاء  فى الثورة السورية ،لتبحث نسرين التى هاجرت لمصر عن تلك الهوية المفقودة فى عيون الآخرين تبحث عنها فى التفاتاتهم ولمحاتهم والخوف يسيطرعليها وهى هاربة من جحيم فى وطنها وخوفها وهى تحاول ارتداء قناع هوية أخرى  لم تكن فى حسبانها، ليمتزج هذان الخوفان لينجبآ خوفآ أكثر ضراوة يصفه الكاتب بأنه أثر فى حركة رمشيها يقول :

“عندما كانت تتحدث أو تنصت لمن يتحدث تتأرجح الرموش وكأنها تغازله، فبدأت تغمض عينيها وتضع يدها عليها، البقاء فى البيت اتخذته هربآ من توتر رموش بدأت تظهر فيها شعيرات بيضاء  ” صــــ80

وتجمع نسرين صداقة العمل والحياة مع مهيتاب ومنتهى وشاهيناز وهانيا وكلهن صحفيات فى جريدة الخبر الأول؟

كل منهن لها قصتها التى تنكشف من خلالها الكثير من الأمور بحكم عملهن وأفكارهن:

” منتهى النحاس ” الفتاة العشرينية التى ككثير من الشباب بعد الثورة كان لديهم  الكثير من الأمال والأفكار سعوا لتحقيها فبدأت رحلتها فى تحقيق الذات من ناحية والبحث عن شريك الحياة الذى لايتناقض الحصول عليه مع رحلتها لتحقيق ذاتها فتبتكر بسخرية نظرية البحث عن ابن الحلال.

وتتكشف قصص مهيتاب وشهيناز هانيا من خلال الحورات الدائرة بينهم فى الرواية.

القصة الإطار التى تجمع كل هذه القصص فى فلكها هى قصة “جلال الجرايحى” رئيس جريدة الخبر الأول حيث تصب كل الاحداث وتتشابك كل الخيوط عنده لترسم صورة كاملة للمجمع المصرى إيبان وبعد ثورة 25 يناير من خلال المراسلات والتحقيقات التى رصدت ورسمت صورة للمجتمع المصرى.

وهناك أيضا مكان رئيسى داخل الرواية هو حانة غطاس الأعور الملاذ للتفريغ عن الالام والتى تحولت بالتدريج الى حالة تزييف الوعى أو الخصاء الفكرى.

   فكرة الخصاء التى بدأت بها الرواية للسقاة المتحرشين وتدريجيآ تبدأ الفكرة فى التكشف فى حالة الخصاء للمجتمع المصرى بكافة أشكاله التى لا تتوقف عن المعنى المباشر له وهو خصاء الذكور لقتل كل شهوه لديهم أمام النساء ،فنرى الخصاء أصبح خصاء للمشاعر قتلا للذكورة فى رمزية لقتل كل مايتعلق بالرجال وكأننا أصبحنا وطنآ بلارجال أو هم أصبحوا كالنساء عديمى الفائدة ، هذا من ناحية، ثم نجد ظهورآ لجماعات بعد الثورة تأثيرات مابعد الثورة وظهور طوائف متعددة الافكار يكفرون بالواقع نتيجة فقدانهم الثقة فى افكارهم التى تبنونها فى 25 يناير مثل : جماعة أمون  عبدة الاله أمون التى جمعتهم فشلهم المتلاحق فى حياتهم وكراهيتهم للمجتمع وكما يقول الكاتب ربما فشلو أيضا فى اعتناق الفساد ، قامت هذه الجماعة  باخصاء نفسها حتى يتفرغوا لعبادة امون ظنآ منهم فى الوصول الى التطهر من أى دنس ومن شهوات الجسد والتوحد مع إلاههم.

جماعة الثانية هم كفار الفلكى نسبة لقهوة الفلكى التى كانوا يرتادونها الذين ظهروا خلال ثورة يناير التى نادت بقيم الاشتراكية  (عيش  – حرية – عدالة اجتماعية ) معتنقين الشيوعية التى مازالت تعشش فى عقولهم فراحوا ينظرون لها من جديد كان فقيههم الأكبر فواز السبع.

تشير الرواية إلى حالة الخصاء الفكرى والمقصود به الوعى الذى تم التلاعب به  من خلال وجهة نظر الكاتب حيث جاء الإخوان وربطوا بين أفكارهم وأهداف الثورة وسرقوها ، وجاء الشيوعيون، وربطوا بين أفكارهم ومبادئ الثورة، وكذلك الليبراليون والقوميون، جميعهم تلاعبوا بوعى الشباب وحاولو قيادة الثورة ففشلو لكنهم نجحوا فى تلاعبهم بوعى الشباب. 

ظهر التناقض أيضآ التناقض  بين الحاضر والماضى متمثلا فى الأقصر الجنوب والشمال ف القاهرة تحديدا حانة غطاس جريد الخبر الأول، زهرة البستان، والتكعيبة ،بين الجدة الخبيرة والحفيدة المعاصرة، بين أفكار الجـدة عن الجنس وبين أفكار الأبنه العذراء فى حوار شديدة السخرية فى بداية الرواية بين الحفيدة العذراء والجدة التى كانت تخفى عنها كل مايخص الرجال فى حكايتها خوفآ من أن تستبيح براءتها، فتقنعها الحفيدة بأن فتاة اليوم تعرف أكثر مما تعرفه أمها والنساء قديمآ، فتستــطرد الجـدة لتحكى تفاصيل ذلك الجهل والتعتيم الذى كان يحدث عند الفتيات وعدم معرفتهن بأى شىء يخص الرجال إلا وقت الدخلة مما تسبب فى كثير من المأسى فهناك من رمت بنفسها من الطابق الثالث عندما ارأت عضو زوجها متدل فأصابها الرعب ،وأخرى أحرقت نفسها لتتخلص من ليلتلها الحالكة، وثالثة بترت عضو زوجها وخصيتيه، لتبدآ الرواية من المرأة وتنتهى عندها أيضا بعد سلسلة من الأحداث تنـم عن وعى شديد للكاتب وإلمامه بالكثير من الأمور والأحداث الثقافية  والاجتماعية  والسياسية  لتختتم الرواية  بآخر مشهد  فى الذكرى العاشرة للثورة، شاهيناز وماهيتاب ومنتهى و هانيا، لم يستطعن الوصول  لعربة السيدات فى المترو وبالكاد حشرن أنفسهن فى عربة الرجال، فى مشهد أكثر من رائع وختامى للرواية عندما لم تلتقط أى منهن عينا شاب أو رجل ينظر إليهن، أو يحاول أن يلفـت انتباههن، فأدركن فشل نظرية ابن الحلال التى لن تجد لها تطبيقآ فى يوم من الأيام فقد كانت عيــون الشباب منصـهرة، بـدأن يتفحصن هواتـفهن يستقبلن رسائل المراسلين يلتصقان ببعضهن البعض لتلوذ كل منهن بالآخـرى، ليـختم الكاتب روايته بنهاية مفتــوحة عن  استــشراف خـوف قـادم من بعيد  تحمله رياح عاتية لن يستـطيع أن يواجهها أحد .

***

الكاتب عبد السلام إبراهيم

روائى ومترجم مصري درس الأدب الانجليزى بكلية الأداب، له العديد من الاصدارات ما بين الرواية والقصة القصيرة، كما قام بترجمة العديد من الروايات والمسرحيات والقصص القصيرة لأشهر الكتاب العالميين من إصداراته:”كوميديا الموتي” (قصص)، “قادش الحرب والسلام” (رواية) “الملائكة لا تأكل الكنتاكي” (قصص قصيرة جدا)، “عرش الديناري” (رواية)، “مسافة قصيرة جدا للغرق” (قصص)، “جماعة الرب” (رواية). “الطواب الأكبر” (رواية)

الترجمة : “اللعب مع النمر” (ترجمة)، “عشر مسرحيات مفقودة” (ترجمة)، “ثلاث مسرحيات لـ كليفورد أوديتس” (ترجمة)، “ثلاث مسرحيات لـ د. هـ. لورانس” (ترجمة)، “الراكبون الى البحر” (ترجمة)، “أشياء تتداعى” (ترجمة)، “مختارات قصصية لأدباء جائزة نوبل” (ترجمة)، “فوس” (ترجمة)، “أضواء على المسرح البريطاني” (ترجمة)، “الهبوط من جبل مورجان” (ترجمة).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى