لا لقانون التقادم لأملاك اليهود في بولندا
سهيل كيوان | فلسطين
سنّ البرلمان البولندي، مؤخرًا، قرارًا يسري بموجبه قانون التقادم على أموال اليهود ضحايا المحرقة النازية في بولونيا وأموال أولئك الذين هربوا من بولونيا للنجاة بأرواحهم إبان الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي يعني أن أحفاد وورثة هؤلاء الضحايا لن يستطيعوا بعد ثلاثين عامًا من نهاية الحكم النازي ثم الشيوعي في بولندا التقدم بطلب تعويضات على أملاك أجدادهم، هذه الأموال التي أصبحت ملكا للدولة البولندية، أو “أملاك غائبين”.
احتجت إسرائيل من خلال وزير خارجيتها، يائير لبيد، على هذا سن القانون، واعتبرته عارًا، كذلك أعلنت الخارجية الأميركيّة موقفًا استغربت فيه سن هذا القانون في البرلمان البولندي.
لا شك أن الضحايا ممن قضوا نحبهم أو ممن هربوا خوفًا من القتل كل الحق لهم ولورثتهم بأملاكهم، ولا يسري قانون تقادم على مثل هذه الحالات، وفي القانون ظلم كبير لضحايا لم يكن أمامهم سوى خيارين، إما البقاء في بيوتهم وجرهم إلى معسكرات الموت على يد النازيين أو الهرب والنجاة بجلودهم، ومنهم نقل إلى معسكرات التركيز ومات فيها، ومن استطاع هرب إلى الإتحاد السوفييتي ذي المساحات الشاسعة أو غيرها من الدول الأوروبية لينجو بجلده، وكثير من هؤلاء وصل إلى فلسطين قبل وخلال وبعد الحرب العالمية الثانية.
يتبادر إلى ذهن كل فلسطيني وكل إسرائيلي يتعامل مع الشأن السياسي، أموال وممتلكات ومصالح وأراضي الفلسطينيين الذين هربوا خوفًا من الحرب، أو أولئك الذين أخرجوا من بيوتهم وأملاكهم بقوة السِّلاح وتحت إرهاب المجازر، أو أولئك الذين حاولوا العودة إليها بعد توقف القتال، ولكنهم جوبهوا بالقتل والتهجير في علميات منظّمة.
الحق لأي إنسان يهودي أو غير يهودي في أي مكان في العالم اضطر أن يترك أملاكه سواء نتيجة خوف من الموت أو نتيجة هجرة طبيعية وعادية، هو حق لا يسري عليه التقادم، والطبيعي أن يتسلّمه متى شاء، أو أن يعوّض عن ممتلكاته التي فقدها.
الحقيقة البسيطة الماثلة أمامنا في كل بلد وبلد، لماذا لا يعترفون بحقِّ الملكية لمئات الآلاف من مواطني دولة إسرائيل العرب الفلسطينيين من أبناء القرى المهجرة الذين يعيشون بالقرب من قراهم ويزورونها ويعرفون فيها مواقع بيوتهم وقبور أهاليهم، والذين ما زال بعضهم أحياء، بل أن منهم من اقتنى قسائم بناء من الدولة وبنى بيته من جديد في قريته، ولكنه حُرم ومُنع من أملاك ذويه مثل كثيرين من أهالي قرية شعب الذين عادوا إليها بعد شراء قسائم للبناء من الدولة، ولكنها لم تُعد لهم شيئًا من أملاكهم رغم ملكية أكثرهم للكواشين والحُجج؟
معظم هؤلاء طُردوا عنوة من بيوتهم بعد تهديد وأوامر عسكرية بالإخلاء، وفي أحيان كثيرة بعد مجازر ارتكبت في معظم القرى لترهيب الناس.
لأجل هؤلاء سنّت الدولة قانونًا بهلوانيًا أطلقت عليه قانون الحاضر الغائب، أي أنَّ هذا المواطن حاضر في جسده، ولكنه يعامل كغائب بالنسبة لأملاكه، وهكذا أصبح الاستيلاء عليها قانونيًا.
إذا كان لليهودي في أميركا أو إسرائيل أو الصين الحق في أملاك أجداده، فلماذا يحرم الفلسطيني من حقه بأملاكه وبالعودة إليها؟
لا يملك أحد الحق في مصادرة هذا الحق أو التنازل عنه ولو مرّ ألف عام على النكبة.
معظم أصحاب الأموال المتروكة يعيش لاجئًا في مخيمات القهر والفاقة والحرمان في الدول العربية، وأكثرهم في حالة مزرية من الفقر والمسكن الإنساني، وكذلك الأمر في مخيمات قطاع غزة والضفة الغربية، بينما ينعم غيرهم بأرضهم وأملاكهم وبيوتهم.
الخوف من الموت حق طبيعي وغريزي للإنسان، من حقه أن يبتعد عن الأمكنة الخطرة خلال الحروب، ولكن هذا لا يعني ضياع أملاكه أو الاستيلاء عليها من قبل الآخرين، حتى ولو كانوا أعداءه.
من حق الإنسان أن يهاجر إلى أي مكان في العالم دون أن يفقد حقّه في أملاكه، فكيف إذا كانت هذه الهجرة قسرية نتيجة تهديد بالقتل وخوفًا من الموت؟
هذا ينطبق على اليهودي في أي مكان تركه مكرهًا وكذلك على الفلسطيني الذي أكره على ترك أرضه وبيته وأوقافه ووطنه وهو حق لا يلغيه أي قانون ولا أي تقادم.