أيها العبث المجنون كفى
يونس العموري | فلسطين
أيها العبث المجنون في ظل هذا الواقع المنفلت العقال، كفى تدمير، وكفى استهتار وكفى صراع على أوهام سلطة الضياع ، حيث انه ومن جديد تفرض المعادلة ذاتها علينا بشكل قسري هذه المعادلة ببساطة الامور تقول (نكون أو لا نكون).. من جديد تفرض التحديات ذاتها على كينونة الحركة الوطنية الفلسطينية وعلى مسارها وحقائقها… فإما أن تكون حركة وطنية فاعلة متفاعلة والمتطلبات الجماهيرية الشعبية وتعمل على تحقيق أهداف الشعب بالحرية والسيادة والاستقلال وأن تحمي مكتسباته الوطنية أو لا تكون…
مما لا شك فيه أن الحركة الوطنية بكافة تشكيلاتها وأطرها وفصائلها وقواها وتعدد مشاربها ومنابع أيدولوجياتها، تعيش اليوم واحدة من أخطر أزماتها التي تهدد أركانها ووجودها، وبالتالي هويتها النضالية الكفاحية، التي من المفروض أنها قائمة من خلالها في سبيل تحقيق الأجندة الجماهيرية الشعبية، وأن تكون معبرة فعلية عنها وعن توجهاتها، وأن تكون الحامية لتطلعاتها ولآمالها وأن تساند فعلها، لا أن تكون عبئاً عليها وعلى فعلها. حيث التحديات باتت فارضة مفروضة على كل مناحي الواقع الفلسطيني.
وهذا ما تتمظهر فيه الحركة الوطنية الفلسطينية بالمرحلة الراهنة، حيث بات الكل يتساءل لماذا لا تتحرك الجماهير وتتصدى لحالة الخراب والتخريب التي يعيشها واقعنا الفلسطيني على مختلف الصعد والجبهات، ولماذ كل هذا الخنوع ..؟؟ ولماذ هذا الصمت المريب ..؟؟ واللامبالاة ..؟؟ هل باتت هذه الجماهير غير معنية بما يجري حولها ..؟؟ ام ان الحركة الوطنية باتت غير قادرة على تحريك جماهيرها ..؟؟ ام ان هذه الحركة غير معنية بالتحرك الجماهيري ..؟؟ حيث أنها قد أصبحت مُستنفذة ومُستنزفة للحراك الجماهيري الشعبي وقدراته وطاقته وتوظفها في الصراعات الداخلية ما بين أقطابها لتحقيق بعض المكاسب الفئوية الضيقة على حساب الأهداف الوطنية الإستراتيجية، الأمر الذي يعني أن ثمة خللاً بنيوياً في مسار العمل الوطني برمته، مما يستدعي صياغة برامجية جديدة على الأسس العلمية العملية لمتطلبات وتداعيات المرحلة بشكل براغماتي، يخدم أولاً وأساساً المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.
وقد نكون بحاجة لإعادة عنونة أطرنا الوطنية من جديد.. بمعنى قد نكون بحاجة لإعادة اصطفاف جديدة تأخذ بعين الاعتبار طبيعة المتغيرات الجوهرية على خارطة القوى الوطنية بالمجمل… أي أن الواقع الفلسطيني ربما يفرض عناوين جديدة تكون نتيجة طبيعة لحالة المخاض التي تعيشها القضية الفلسطينية وعدم قدرة زعاماتها وقادتها، وبالتالي أطرها وقواها بأحزابها وفصائلها على إنجاز المشروع الوطني الفلسطيني الذي لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار حسابات الوقائع الإقليمية والدولية وقوانين العملية التحررية ذاتها.
من هنا تأتي الأهمية الإستراتيجية لحماية الذات (والمقصود هنا بالذات الجمعية الجماعية…) وهو ما يبدو واضحاً وجلياً، على اعتبار أن أركان الحركة الوطنية ككل مهددة اليوم من فعل اللفظ، ولابد أن تكون مهددة بهكذا فعل، طالما أنها أخفقت في استيعاب شروط المرحلة وشروط الاستيعاب للآخر وإنجاز المشروع التوافقي بعيداً عن الحسابات السلطوية. فالقوانين السياسية الفلسطينية مختلفة تمام الاختلاف عن كافة الساحات ولا يمكن استيراد القوانين وتطويعها على الحالة الفلسطينية قسراً. فالمسألة غير خاضعة بالمطلق لمنطق الصراع الحزبي (الذي قد يكون ديمقراطي الشكل أو عنيف المظهر) على رأس الهرم السلطوي، على اعتبار أن القانون الفلسطيني يفرض الحالة التوافقية أولاً على أساس ان المشروع الوطني التحرري، بصرف النظر عن التأثر والتأثير للحجوم التنظيمية… ولا يمكن ممارسة العمل السلطوي بقوانين الفعل السياسي الاحترافي كما هي الحالة الطبيعية في باقي الدول المستقلة والتي تتمتع بالاستقلال وبالسيادة على كامل ترابها وعلى بشرها وحجرها، وهذا الفهم هو حجر الزاوية الرئيسي في بناء الاستراتيجية الفلسطينية التي تعتمد بالأساس على مفهوم الوحدة الوطنية استناداً إلى استقلالية القرار الوطني أولاً وأخيراً.
أعتقد أن مدركات الحالة الفلسطينية الراهنة وتداعياتها التي بلا شك تهدد المصير الوطني ككل، تفرض على الزعامات التنظيمية الفصائلية إنجاز حالة التوافق والاتفاق للخروج من حالة الشرذمة والانقسام الخطير بجغرافيا الوطن المحتل وهذا يتطلب إدراك فعلي لقوانين مرحلة التحرر الوطني ضمن فهم الحالة الفلسطينية وتشابكاتها. ولابد من تواصل الفعل الإبداعي للإنتاجية الفلسطينية السياسية والكفاحية التي تضمن إعادة الاعتبار للهوية الفلسطينية وإبقاءها حية في معادلة الصراع المحلية والإقليمية على اعتبار أن هذه الهوية معرضة وباستمرار للطمس والمحو والشطب جراء السياسات المضادة التي تستهدف بالأساس المعادلة الوجودية للهوية الفلسطينية على كافة المستويات والصعد، وهي أساس وجوهر الصراع، بل إننا نستطيع القول إن تراكمات العملية النضالية الكفاحية للشعب الفلسطيني قد حاولت فقط حماية الهوية الوطنية من الاندثار وتثبيت الرقم الفلسطيني كرقم صعب لا يمكن تجاهله أو تجاوزه في معادلة الصراعات الإقليمية وحتى الدولية وكل ذلك تم من خلال الفهم العميق لوقائع المراحل المختلفة التي عبرتها القضية الفلسطينية ومتطلباتها مع الكثير من الملاحظات على الأداء والكثير من السلبيات.
إن الظرف الراهن الذي يشهد حالة الانقسام والصراع الدموي على الساحة الفلسطينية إنما يهدد أركان الوجود الفلسطيني كهوية حضارية نضالية استطاعت فرض ذاتها على مختلف الساحات كما أسلفنا الذكر لذلك لابد من إنجاز الاتفاق والتوافق على أساسيات البرنامج الوحدوي للكل الفلسطيني والذي لابد أن يأخذ بعين الاعتبار برمجة التعايش ما بين كل المذاهب والطوائف السياسية وزعامات القبائل الفصائلية في إطار الأهداف الإستراتيجية للشعب وجماهيره وتطلعاته نحو الحرية والسيادة والاستقلال وحقه بتقرير مصيره وشكل وطبيعة دولته العتيدة، وأن لا تكون هذه الفصائل الوصية أو أن تلعب دور أولياء الأمر عليه، فهو القادر دوماً على فرض حقائقه ومعادلته، وبالتالي قادر على إعادة إنتاج ذاته وإنتاج قواه الحية.
إذن مطلوب منهم إنجاز الحالة التوافقية، والاتفاق بات اليوم هو المطلوب والأشد إلحاحا، وهو ما يمكن أن يحفظ كرامة المواطن والوطن في آن معاً، بعد أن استبيحت كرامته وأصبحت في مهب الريح، وهو التوافق على الحد الأدنى من الإجماع حول مختلف قضايانا الوطنية والمصيرية، وهو رسم الخطوط والحدود الحمراء لوقف المجزرة التي استهدفت الحق بالحياة من قبل من يدعون أنهم ممثلينا وقادتنا، وهو ما تطالب به هذه الجماهير الصابرة المصابرة والرابضة صموداً في ظل أعتى آليات القرن وحشية وقمع، وهو صياغة الصمود بالتعبير السياسي المعبر عن وحدة الموقف والإداء لما يصبو إليه هذا الشعب دون اجتهاد وحذلقات بالتفسير والتأويل، وهي المطالبة بحفظ دماء الشهداء وأنات الجرحى ودموع الثكالى التي شكلت على الدوام نبراس التوجه نحو الغد، وهو الاتفاق الذي يضمن الحريات وحفظ الحقوق للأفراد وللجماعات على حد سواء، وهو اتفاق سيادة القانون في ظل غابة البنادق، وهو اتفاق الإبداع والابتداع لمعادلة بندقية المقاتل المُحتصنة جماهيرياً وتلك التي شكلت قاطعة للطرق، وهو اتفاق صياغة فعل المقاومة من جديد على الأساس التراثي الشعبي المتراكم.
أعتقد أن الفرص قد تضاءلت امام امراء واباطرة الحركة الوطنية لإصلاح أوضاعها وشأنها وبتصوري فانهم بعيشون في مرحلة الفرصة الأخيرة والمحطة أخيرة للطبقة السياسية الحاكمة في الأراضي المحتلة، والتي لابد لها أن تتفق وأن تنجز مشروعها والذي أضحى اليوم مشروعاً جماهيرياً ومطلباً شعبياً عريضاً، وبالتالي لابد لكل هذه الزعامات أن تلبي رغبات جماهيرها إن كانت بالفعل صادقة وتنطلق من مفهوم متطلبات وتطلعات الحركة الجماهيرية.
لا يوجد أي مفر آخر أمام هذه الطبقة الزعاماتية سوى الإنجاز وإعادة ترتيب الأوراق من جديد… وأجدني هنا أردد من وراء هذه الجماهير القول الفصل في هذا الفصل التاريخي والمفصلي بحياته حيث القول الأهم الآن والمتمثل بـ”إن لم تتفقوا فلا تعودوا إلى وقائعنا، وابقوا حيث أنتم ممالك على فصائلكم وتنظيماتكم وحتماً سيلفظكم الشعب وسينتج أدواته وزعاماته من جديد”….