قراءة في رواية: «رمزة ابنة الحريم» لـ«قوت القلوب الدمرداشية»
منال رضوان | كاتبة وإعلامية مصرية
– ابنة الشيخ تكتب بالفرنسية؛
– أم الدراويش: لا لعبودية الأرواح.
– رمزة ابنة الحريم Ramza: La Fille d’une Harem
رواية لقوت القلوب الدمرداشية ترجمها دسوقي سعيد عن الألمانية نقلًا عن اللغة الفرنسية والتي كتبت بها المؤلفة جميع إنتاجها الأدبي الذي تضمن عدة روايات ومجموعة قصصية وحيدة: مصادفة الفكر (1937)، حريم (١٩٣٧) ثلاث حكايات عن الحب والموت (١٩٤٠) زنوبة (١٩٤٧) الخزانة الهندوسية (١٩٥١) ليلة القدر (١٩٥٤) حفناوي الخارق (١٩٦١) ليالي رمضان طبعت بعد وفاتها (١٩٨٠) فضلا عن روايتنا اليوم .. رمزة ابنة الحريم (١٩٥٨).
– تناولت الرواية القضايا الاجتماعية من وجهة نظر المرأة حيث تدور الأحداث في فترة حكومة الخديو إسماعيل والتعرف على أوضاع الجواري والنساء في حرملك القصور الخديوية والحياة الأرستقراطية °
من خلال رمزة التي ولدت في أحد البيوت العريقة وتحمل بداخلها بذرة الرفض لعادات وتقاليد قاسية تكبل نساء الحرملك، استخدمت المؤلفة أسلوب السرد غير المباشر من خلال البطلة إذ تبدأ حكايتها بالاستماع إلى مفارقات والدتها الجارية الصربية أولجا والتي اختطفت في وقت سابق وبيعت في إستانبول كجارية لتعرف باسم إندشا (اللؤلؤة) وتنقلت بين القصور حتى استقر بها المقام في دار فريد بك كأم لابنته الوحيدة(رمزة)،
من خلالها نتعرف إلى قصة أمها وزوجات أبيها وعنها هي الأخرى؛ هذه الفتاة تحمل طابعا مختلفا لا يحبذ الخضوع كبقية نساء الحرملك من زوجات ثلاث وجدة عجوز تعاني متلازمة التشدد حتى وإن كان في غير موضعه.
يتمحور الفصل الأول حول رفض العبودية وهي الفكرة المسيطرة على أحداثه، الأم وهي على فراش المرض تستطيع تذكر الأيام الخوالي بين زروع وحدائق غنّاء وتصفها لابنتها في دقة بالغة بينما تعجز عن وصف قصر رستم أغا الذي دخلته كجارية حبيسة هي وصديقتها الوحيدة (نرجس) التي قاسمتها حياتها من طعام وعبودية حتى الارتباط بسيد واحد دونما تذمر يذكر؛ فلا شيء يمكن أن يعكر صفو تلك العلاقة بين رهينتين لهما المصير ذاته.
تحاول إندشا وصف منزل رستم أغا لكنها لا تخلع عليه غير أوصاف السجون؛ فالبيت تُغلَق بوابته الحديدية بأقفالٍ ضخمة و هناك شبابيك صغيرة مربعة منقوشة على جدران غرفه تحتبس خلف أعمدة حديدية تتودد إليها مشربيات ساكنة الأهداب.
كانت تصف حدائق إستانبول والمركب التي جاءت بها إلى مصر بدقة بالغة بينما يتم اجهاض خيالها على عتبات قصر رستم أغا أو قصر إسماعيل المفتش وزير مالية الخديو إسماعيل،
والكاتبة هنا تستعين بمفردات سلسلة تعبر عن بيئة أبطال الرواية؛
فعندما يتحدث رستم أغا عن شباب اليوم في محاولة منه لنصح الجارية أن تقبل بالكهل الغني تجده يخبرها بأن “شباب اليوم بمنقارهم الأخضر لا يصلحون لشيء”،
كما بدا إصرار الكاتبة على طرح فكرة التباين الشديد لمجتمع خرج لتوه من بوتقة الرق ونظرة أفراده إلى الحرية التي يعتبرها رستم أغا أحد أعباء الحياة؛ فالعبد يأكل ويشرب وينام دونما القلق على مصيره حتى انه عندما أُجبر على تنفيذ قانون الغاء الرق الذي أصدره الخديو إسماعيل في أغسطس ١٨٣٧ قال لأحد عبيده اذهب إلى الحرية والله معك يا (حمار).
كذا إظهار التناقض الشديد في تفكير كل من الحر والعبد من خلال الأم وابنتها ، فبينما ترى الأم العربات التي تجرها الفتيات للترويح عن الباشا مجرد لحظات مرحة صاخبة تجد أن ذلك يثير الاشمئزاز لدى رمزة ويساعد على تنامي احساسها بالظلم والإهانة فهي ترفض معاملة النساء كخيل السباق.. أيضًا المشاعر الكاذبة المتناقضة لدى رقية هانم زوج رستم التي تبكي حرقة على الفتيات وكأنها ليست هي التي باعتهن للباشا أو (وردتهن للزبون) كما تقول رمزة.
ينتهي الفصل الأول بموت إندشا الأم لكنك كقارىء قد يختلط في مخيلتك الأمر لتسأل هل أنت أمام رواية؟
أم هي سيرة ذاتية ترويها الكاتبة؟
يظل السؤال يروادك حتى يظهر اسم البطلة الذي ظل حبيسا بين السطور ولم نعرفه إلا مع بداية الفصل الثالث على لسان نرجس .
– تحت عنوان (منزل على الخليج) استكملت رمزة قصتها، ولا يبدو لنا ان منزلها كان بحال أفضل من منزل رستم وبرغم كونها فتاة ولدت لأب من علية القوم لكن ذلك البيت كسجن كئيب لا يصلح إلا للموت فقد مات جميع أطفاله وأيضا النسوة الثلاث تباعا،
على لسان الأبطال توضح رمزة نظرة الجميع لقانون إلغاء الرق والحياة الرتيبة للنساء من وجهة نظر فتاة رضعت الطبع السيء مع أولى لحظات التقامها صدر أمينة الفلاحة كما كانت تؤكد جدتها لمجرد رفضها الانصياع لأوامر لا تعي مغزاها، فعندما كسرت احد الفناجين دونما قصد عاقبتها الجدة المحافظة بالجلد فما كان منها إلا أن داست الأحد عشر فنجانا!
علت نبرة التمرد في الرواية بشدة واستخدمت الكاتبة مفرادت كثيرة تدل على ذلك(الطفل المتمرد، كنت أحب صيغة الأمر حتى مع معلمتي، السعادة البرية المتوحشة) حتى في علاقتها بالحب نجدها تحاول أن تشرع قانون الاختيار لأنثى وسط الحريم فهي قد اختارت ماهر شقيق صديقتها لتتزوجه بالرغم من رفض فريد بك الذي حاول أن يمنحها الثقافة والتعلم من خلف الستائر مرددة لأكثر من مرة انها كانت تتلقى النور من وراء جدار حيث كان يطيب لها الجلوس تستمع إلى مناقشات الإمام محمد عبده والأفغاني وأبو نضارة في منزل أبيها.
– علي يوسف وصفية فوق السطور !
– في الفصل الأخير بدا تأثر الكاتبة بقضية كانت مثار حديث المجتمع وأفردت لها الأهرام صدر صفحاتها وقتذاك وهي قضية الشيخ علي أحمد يوسف وصفية هانم السادات والتي جرت أحداثها عام ١٩٠٤ إثر دعوى التفريق بين ابنة أحمد عبد الخالق السادات والشيخ علي يوسف (١٨٦٣- ١٩١٣) والذي يعتبر “الرائد الأول للصحافة المصرية” أحمد بهاء الدين (أيام لها تاريخ عام ١٩٥٤) وجاءت دعوى التفريق التي أقامها الأب لعدم الموائمة في المركز الاجتماعي، فها نحن بعد خمسة عقود أمام رمزة التي رفض والدها زواجها من ماهر وأجبرته المحكمة على تطليقها لكن هذه الفتاة التي تحمل الروح المتمردة على كل ما يألفه غيرها انتزعت غطاء الوجه الأسود وكرمشته بيدها معلنة رفضها العيش وسط حرملك الجواري في مجتمع يرفض حق النساء في الاختيار .
تميزت الرواية بأسلوب بسيط حيث اعتمدت السرد غير المباشر عدا الحوارات القليلة في آخرها بين رمزة ونرجس أو فيما بينها وبين ماهر ويبدو ان تحيز الكاتبة الصريح لقضيتها قد ساهم بشكل أو بآخر في عدم انتشار الرواية عربيا إذا ما أضيف السبب الذي يروج له الجميع وهو الكتابة باللغة الفرنسية التي اعتمدت عليها قوت القلوب وهي ما جعلت شهرتها الغربية تعلو شهرتها محليا وعربيا بحيث لم يعرف قدرها ككاتبة مثقفة وصاحبة أحد أشهر الصالونات الأدبية حينها، لكن على الأقل أغلبنا يعلم انها أم الدراويش المحسنة الكبيرة صاحبة المستشفى الخيري الذي يحمل لقب عائلتها ، فهذه النجيبة ولدت ١٨٩٢ وهي ابنة الشيخ عبد الرحيم الدمرداش (الطريقة الخلوتية الدمرداشية) وقد تحدث عنها أحمد رجائي في كتابه ١٠٠٠ شخصية نسائية مصرية وأورد قصتها تحت رقم ٣٩٦ يسبقه حرف القاف؛ حيث ذكر النزر اليسير عنها فهي وفقا لما كتبه في موسوعته الأبجدية (تنحدر من سلالة المماليك القادمين من القوقاز وكان اسم الأسرة تيمور تاش تحول مع الوقت إلى دمرداش وقد خصصت جائزة أدبية لرعاية الموهبين نالها نجيب محفوظ في بداياته…) تميزت شخصية قوت القلوب بالثقافة وسعة الاطلاع حيث كان يتردد على صالونها الأدبي العديد من أصحاب الفكر كالإمام محمد عبده وسعد زغلول والأفغاني وغيرهم، ويبدو لسبب أو لآخر أنها قد فضلت الفرنسية في كتاباتها وصدرت عدة طبعات لأعمالها تجاوز بعضها الأربع كهذه الرواية التي قدم لها الأديب الفرنسي فرنسوا مورياك (١٨٨٥- ١٩٧٠) حيث كتب:
– بطلات قوت القلوب عرفنني إلى نساء مصر أعمق مما عرفته من كاثرين مانسفيلد عن نساء انكلترا وأكثر مما كتبته كوليت عن نساء فرنسا.
°رمزة دراسة ماجستير مقدمة إلى كلية الآداب والعلوم الثقافية بجامعة سونان كاليجاكا الإسلامية جاكرتا.
°° كتاب أحمد رجائي ١٠٠٠ شخصية نسائية مصرية.