في النقد القديم: المعلقات

د. خضر محجز | فلسطين

وخلافاً للسائد فهي لم تُعلق على الكعبة. فقد رأينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدخل مكة فاتحاً، فلا يذكر الرواة أنها كانت ثَمَّ. وقد ذكروا من التفاصيل ما هو أدنى خطراَ.

وأما تسميتها بالمعلقات فإسلامية في العصر العباسي الأول، حين ابتدأ عصر التدوين. وأول من سماها بالمعلقات هو حماد الراوية.

أما لماذا؟ فلا دليل لدينا على سبب ذلك: فربما إشارة إلى نفاستها إذ “تعلق” بالقلوب. وربما بسبب ما شاع من أنها عُلقت على أستار الكعبة. وربما لما قيل من أن الملك كان إذا استجاد قصيدة، قال: “علقوها” في الخزانة. وربما لأنها ـ في جمالها ـ تشبه عقداً “تعلقه” الجميلةُ في جيدها.

وليس أي ذلك مهماً، بقوة أهمية المعلقات ذاتها وعددها.

ولا تتفق الروايات تماماً على قصائد المعلقات: فالقصائد المتفق عليها من الجميع خمس، هي معلقات: امرئ القيس، وطرفة، وزهير، ولبيد، وعمرو بن كلثوم.

يبقى لنا، بعد هذه الخمس، خمسٌ أخرى: معلقات: عنترة، والحارث بن حِلِّزة، والنابغة الذبياني، والأعشى، وعَبِيْد بن الأبرص.

فأما المفضل الضُّبّي ــ وهو أقوى الموثوقين ــ فيضيف، إلى الخمس الأولى، قصيدتي النابغة والأعشى.

وأما حمّاد الراوية ــ الذي يطعن فيه الكثيرون ــ فيخالف المفضل، ويحذف قصيدتي النابغة والأعشى، ويثبت بدلاً منهما قصيدتي الحارث وعنترة.

ولئن كنا لا نعلم سبب إثبات قصيدة عنترة، لدى حماد؛ لقد علمنا لم فعل ذلك بخصوص قصيدة الحارث ــ مع أن كلا القصيدتين لا ترقيان إلى مستوى قصيدتي النابغة والأعشى ــ ذلك أن الحارث بن حلزة هو من بني بكر، فيما حماد الراوية من مواليهم: فهو ينحاز قبلياً إلى جانب سادته البكريين، مغالبة لخصومهم بني تغلب، وقد رأى قصيدة ملكهم، عمرو بن كلثوم، تطبق شهرتها الآفاق، ويلهج بروايتها القاصي والداني: إن بسبب أسلوبها الرائق، أو بسبب فخرها المدوي، أو بما أحاط بها من بطولة قائلها، وقد قتل ملك الحيرة على سرير ملكه.

ثم جاء أبو زيد القرشي، فألف كتابه المسمى “جمهرة أشعار العرب”، وجمع فيه، إلى جانب المعلقات، عدداً من القصائد الأخرى. وما يهمنا هنا هو أنه أثبت اختيار المفضل في المعلقات.

ثم جاء الزوزني، فألف كتابه في شرح المعلقات، وانحاز إلى اختيار حماد الراوية، فأثبت قصيدتي عنترة، والحارث.

فلما جاء الخطيب التبريزي، ووجد بين يديه تسع قصائد، يتنازع الناس في قيمة أربع منها، استحب أن يخرج من هذا الخلاف ــ على طريقة الحل الوسط ــ بإثبات التسع جميعها، ثم إضافة عاشرة أخرى، هي قصيدة عَبيد بن الأبرص، دون أن يورد أسباب ذلك.

أما أنا فترتيب الفضيلة فيها ـ عندي ـ من الأعلى إلى الأدنى هو الآتي:

1: قصيدة الملك الضِّلِّيل.

2: قصيدة زهير.

3: قصيدة النابغة.

4: قصيدة الأعشى.

5: قصيدة طرفة.

6: قصيدة ابن كلثوم.

ولو كنت من القدماء، وكان لي في هذا الانتقاء خيار، لما قدمت على لامية الشنفرى شيئاً، ولا حتى قصيدة الملك الضِّلّل امرئ القيس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى