أمُّهُ قبلَ الفجرِ تماماً

خالد جمعة | فلسطين

علَّقَتْ مُرورَ الطبيعةِ لثانيتين، حين بَكَتْ، انتشرَ الحنينُ على جِلدِها كمساماتٍ إضافيَّةٍ، وبين دمعتين طارتا، واحدةً كلؤلؤة، والأخرى كعصفورِ نار، سقطَ الكلامُ في حِجْرِها، مُكَسَّراً كحكايةٍ ترويها ذاكرةٌ مفقودةْ.

تمنَّتْ غابةً، بأشجارٍ من ماءٍ ولُغةْ، خجلُ الأمنياتِ من جوقةِ الحسراتِ فكَّكَ أضلاعَها، سبَحَتْ أمنيةٌ وحيدةٌ تحتَ الرؤى، وصارتْ جغرافيا، وظلَّ الميلادُ معلَّقاً على الشمّاعةِ في آخرِ الصيفِ الذي نما على قبرِهِ.

بكتْ أيضاً ألوانُ المساء، ولم تقلْ أنها كانت تحبُّ حقيبتَهُ وجيوبَهُ، سالتْ على أظافرِ المعزِّينَ وبلَّلَتْ خصورَ الفراشاتِ، لم يُفِقْ ليلٌ من ليلِهِ، وانتبهنا جميعاً [كنت وحدي] إلى زيٍّ مفعمٍ بالزعترِ والخوفِ يمرُّ كحِجابٍ بين الموتِ وأصدقائِهِ، أحصيْتُهُم، وغلَّفتُ يديَّ بحربين جرَّبَ فيهما الأعداءُ السلاحَ ذاتَهُ، وضعتُ إصبعي بينَ قلبِهِ والرصاصةِ المزهوَّةِ بخيطِ الضوء في ذيلِها، فأكلتني الريحُ فيما واصَلَ موتَهُ كطقسٍ يبدو أنَّهُ تعلَّمَهُ من قبلُ.

في انفرادي الثمينِ بغرفتِهِ التي استوحشت، لمحتُ خيطاً على متنٍ من ضوء، يدورُ حولَ نفسِهِ مثلَ قطٍّ ضَجِرْ، وبقايا أدعيةٍ مكوَّمةٍ على سريرِهِ بانتظارِ البحر.

تدحرجتْ أمنيةٌ من بابِ عينِها شبه المغمضة، رأت خيولاً وكنوزاً لا يلتفتُ إليها أحدْ، صبايا دونَ عشاقٍ وكلابُ صيدٍ دونَ صيدْ، رأت حرائقَ تندلعُ في الأنهارِ، وأفكاراً شوَّهَتْها الحروبُ، وأخلاقاً تساقطتْ عن الأغصانِ، رأت معنىً دون مبنى، رأت سطراً من كتابٍ مُدجَّنٍ، ورأت عتمةً وضوءاً يسيرانِ يداً بيدْ، وغولاً يخافُ من حكايتِهِ.

مصادفةً تسرَّبتُ كسرٍّ من النافذة

ومصادفةً صرتُ غابةً

وصارَ المطرُ إشبيناً لذاكرتي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى