قراء في ” حصاد السّنين بعد التّسعين ” للكاتب محمد قراعين

بقلم: رفيقة عثمان أبوغوش

  صدر هذا الكتاب “حصاد السّنين بعد التسعين” للكاتب المقدسي، محمد القراعين عن دار الشّروق في رام الله، 2021 واحتوى على مئة وواحد وتسعين صفحة.

  تخلّل الكتاب حصيلة التجارب الخّاصّة للكاتب، خلال التسعين عامًا مضت؛ تناول الكاتب عددًا متنوّعًا من النّصوص، تراوحت ما بين السّيرة الذّاتيّة، واستعراض لتّاريخ الشّرق الأوسط برمّته منذ سنوات الثّلاثين ولغاية عصرنا الحالي، خاصّةً الحقبات التّاريخيّة التي أخفقت فيها الأمّة العربيّة، مع دقّة ذكر التواريخ، وانخراط الكاتب نفسه في تلك الحقبات، ودوره الإنساني الفعّال في الحياة الاجتماعيّة. لم يترك الكاتب حدثًا تاريخيّا، إلّا وقد تطرّق إليه بسلاسة وإسهاب.

  برأيي، تُعتبر ذاكرة كاتبنا المقدسي، ذاكرة لامعة؛ بل أرشيفًا تاريخيًّا؛ لسيرة ذاتيّة وجمعيّة معًا.

  لم ينسَ الكاتب تدوين حكمته وحِكمه والأقوال المأثورة وتدوين الخواطر، وتطعيمهاببصمته الخّاصّة ورأيه بها؛ بالنقد البنّاء، والتحليل المنطقي للأحداث وسيرورتها.

تطرّق الكاتب؛ لتحليل ونقد بعض الرّوايات التي انطبعت في نفسه، وتمّت مناقشتها، ضمن ندوة اليوم السّابع. لا تخلو قراءاته من المناقشة، والنقد والتحليل الجدلي، الّذي يجادل بالحجّة والبرهان.

  استخدم الكاتب اقتباسات دينيّة، من القرآن الكريم، وتناولها بالتحليل، ومناقشته غير المنحازة لأي طرف من الأطراف، أظهر الكاتب قدرته على التفكير المُتزن،والطرح الجريء، والموقف المعتدل.

تناول الكاتب عددًا من الأشعار، التي قام بتأليفها في مراحل مختلفة من عمره، تضمّنت الحب والوفاء، وحب الوطن والانتماء، والمناداة بالوحدة العربيّة، والتغنّي بحب الأرض والوطن وحب القدس. ” أنا لست متشائمًا

القدس لنا رغم أنف الجميع…. دولتنا آتية بعزم الشّباب ودعم الشّعب”.

  اختتم الكاتب نصوص الكتاب “مسك الختام”، بقصيدة “أليست هذه لعبة القدر؟” اقتبس منها بعض الأبيات ” بالتّالي أنا في القدس  تراني قاعد وصامد – مع إنّه في الغربة كان … إلّي باع طويل واجد – رجعتي قبل النّكسة بسنة … غانم يا ناس وماجد – قدّيش أنا محظوظ يا الرّبع … والله دايم علينا شاهد –لاقضي العمر واندفن .. بظل الأقصى الخالد.” صفحة 190.

  ظهرت لغة الكاتب، لغة فصحى قويّة، تخلّلتها بعض العبارات، والأبيات الشّعريّة، باللّهجة العاميّة، ولغته قريبة إلى القلب والعقل، فيها البساطة والواقعيّة؛ مستخدمًا أسلوب الفكاهة، والمفارقة الّتي تدل على قدرته في فلسفة الأمور، والحكم عليها برجاحة العقل، وتوازن العاطفة. “وفي النّهاية ما بين التسعين والميّة، لا يدخل القلب إلّا واحدة حوريّة”صفحة 113

  إنّ اختيار الكاتب القراعين، لعنوان الكتاب: “حصاد السّنين بعد التّسعين” اختيار موفّق بلا أدنى شك؛ لاحتوائه على أحداث أثّرت في حياة الكاتب على مدى السّنين، ولغاية يومنا هذا؛ التي تجاوز عمر كاتبنا فيها ما بعد التسعين عامًا، والّتي أثبتت بأنّ هنالك حياة ملؤها التفاؤل والعطاء، والفكر النيّر ما بعد التسعين عامًا. وشخصيّة الكاتب التي تتّصف بالفكر اللّبيرالي المعتدل، الباحث عن العدالة الاجتماعيّة والمساواة والحرّيّة، والمطالِبة بالتجديد والتغيير للأفضل للحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة للمجتمع.

 الكاتب محمد القراعين، العم أبوعمر، تعرّفت عليه ضمن ندوة اليوم السّابع المقدسيّة، والّتي كانت وما زالت تنعقد أيام الخميس، في المسرح الوطني “الحكواتي” بمدينة القدس؛ عرفته إنسانًا محبوبًا لدى الجميع، متواضعًا، مُثقّفًا وراقيًا في التّعامل مع الآخرين، لديه فكر متوقّد، وحس مرهف، ويتمتّع بروح الفكاهة. امتازت علاقته متساوية مع صغار وكبار السّن على حدّ سواء. لم أنسَ زيارتي لبيته في سلوان، والقريب من الأقصى الشّريف، برفقة أختي الكاتبة نزهة أبوغوش وزوجها؛ والتّعرّف على عائلته الجميلة: ابنته سهاد المُثقّفة، وابنه المهندس عمر المتميّز؛ استمتعنا معًا لسماع عزف على العود من إبداعات المهندس الدّكتور عمر لمعزوفات شرقيّة كلاسيكيّة، واشتركنا جميعًا بالغناء الجماعي؛ خاصّة أغاني سيّدة الغناء العربي “أم كلثوم” بالإضافة لأغنية “السيد درويش”. لم يوقفنا الغناء، سوى آذان المغرب الصّادح من قرب المكان “المسجد الأقصى”. احسست حينها بدفء المكان وقدسيّته، الّتي احاطت بحياة كاتبنا وأسرته؛ مغلّفة بجمال الرّوح والتّربية الأبويّة الحانية لكاتبنا المحترم أبي عمر؛ تلك الزّيارة لا أنساها ما حييت، حتّى لو وصل عمري التسعين.

  برأيي يُعتبر العم أبو عمر، معلَمًا ومُعلّمًا متميّزًا من معالم قدسنا الشّريف؛ أطال الله في عمره، وجعله قدوةً للأبناء والبنات في القدس وخارجها.

انتهت بحمد الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى