الأديب جميل السلحوت و زكريا بو غرارة من موقع أدب السجون (وجها لوجه)
القدس | خاص
حصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية، وعمل مدرسًا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1977 وحتى 1990. أعتقل من مارس 1969 وحتى أبريل 1970 وخضع بعدها للإقامة الجبرية لمدة ستة شهور. عمل محررًا في صحف ومجلات منها (الفجر)، و(الكاتب)، و(الشراع)، و(العودة)، و(مع الناس)، و(مرايا). رأس تحرير صحيفة (الصدى) الأسبوعية .عضو مؤسس لاتحاد الكتاب الفلسطينيين، واتحاد الصحفيين الفلسطينيين، وعضو مجلس أمناء المسرح الوطني الفلسطيني ومسرح القصبة، وأحد المؤسسين الرئيسيين لندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني منذ عام 1991. عمل مديرًا للعلاقات العامة في محافظة القدس في السلطة الفلسطينية من 1998 وحتى 2009… وكان لنا معه الحوار التالي
ماذا يمثل أدب السجون لكم؟
بداية يجب التذكير أنّ أدب وأدبيّات السّجون ليست جديدة على السّاحتين العربيّة والعالميّة، فهي معروفة تاريخيّا، لكنّها في وطني فلسطين تأخذ بعدا آخر، قد لا نجد له مثيلا في التّاريخ، فالوطن أسير، والشّعب إمّا مشرّد أو أسير، ولكم أن تتصوّروا أنّ عدد سكّان الضّفّة الغربيّة بجوهرتها القدس مع قطاع غزّة التي احتلت في حرب عام 1967 لا يتجاوز أربعة ملايين ونصف المليون إنسان، ذاق مرارة الأسر والاعتقال والتّعذيبأكثر من مليون شخص منهم، ومن مختلف الأعمار، وهناك نساء تعرّضن للاعتقال والتعذيب وقضين سنين طويلة خلف الأبواب المغلقة. ولكم أن تتصوّروا أنّ أسيرا اسمه نائل البرغوثي قد دخل عامه الثّالث والأربعين في الأسر. وهناك أكثر من 230 أسيرا قضوا نحبهم داخل السّجون، ولا يزال في الأسر حوالي خمسة آلاف أسير منهم عشرات النّساء ومئات الأطفال.
ورغم معاناة وعذابات الأسرى الفلسطينيّين، إلا أنّ المئات منهم قد كتبوا عن معاناتهم وعن تجربتهم الاعتقاليّة، وجرى تهريبها إلى خارج السجون، لتصدر في كتب، وجزء منهم كتب عن تجربته بعد أن تحرر، والقارئ لأدبيات السجون والأسر سيجد أنّها تتفاوت في مستواها الفنّي، وسيجد أنّ الاحتلال قد اعتقل المبدعين كالشّعراء، الرّوائيّين، القاصّين، المسرحيّين، الفنّانين، النّقّاد والمثقّفين. ولعلّ القارئ العربيّ قد استمع لأغنية “خبز أمّي” و”سجّل أنا عربي” اللتين كتبهما الرّاحل الكبير محمود درويش وهو معتقل في العشرينات من عمره.
إذن نحن أمام ظاهرة أدبيّة يمكن اعتبارها شهادة على هذه المرحلة من أناس ذاقوا مرارتها، وارتسمت عذاباتها على جلودهم.
بعيد ثورات الربيع العربي.. كثر الحديث عن نهاية أدب السجون وبداية أدب الحرية ولكن لم يدم التفاؤل طويلا إذ شهدنا ولادة جديدة لادب السجون ربما لا تزال صفحاته لم تكتب بعد أو أنها ما تزال حبيسة المعتقلات والسجون برأيكم هل يمكن لأدب السجون أن ينتهي ومتى وكيف؟
وهل نحن بالفعل في منعطف أقسى من كافة ما مر في منعطفات السجون التي أبرزت لنا كل ما تزحر به مكتبة الدب مما كتب في ادب السجون؟
بداية يجب التّأكيد على أنّ الفلسطينيّين والعرب الذين وقعوا في الأسر لدى المحتلين الإسرائيليّين هم أسرى وليسوا سجناء، فهم مقاومون تصدّوا لاحتلال غاشم احتلّ وطنهم، واسرائيل تتعامل معهم “كسجناء جنائيّين” بسبب هوان الأنظمة العربيّة”، وعهر النّظام العالميّ الذي يتعامل مع اسرائيل وكأنّها فوق القانون الدّولي، بفعل طغيان قوى عظمى كالولايات المتّحدة الأمريكيّة. أمّا “سجناء الرّأي والمعارضة” في الأقطار العربيّة التي لا تخضع للاحتلال الأجنبيّ بشكل غير مباشر” فقضيّتهم مختلفة، فهم ضحايا لأنظمة دكتاتوريّة تحتمي بأعدائها بدلا من احتمائها بشعوبها، لأنّها أصلا لا تمثّل إرادة شعوبها. وهذه ظاهرة لا تنتهي ولن تنهي إلا بالخلاص من أنظمة القمع الدكتاتوريّة، وقد عبّر عنها الأديب السّعوديّ الراحل عبدالرحمن منيف في روايتيه”شرق المتوسط” و”الآن هنا”. ومعروف أنّ الأنظمة الدكتاتورية ومنها أنظمة عربيّة تتعامل مع المبدعين كمتّهمين حتى تثبت إدانتهم، وذلك لخوف هذه الأنظمة من الكلمة الحرّة التي تعكس هموم الشّعوب وقضاياها المصيريّة. وقد ثبت أنّ ما سمّي بالرّبيع العربي ما هو إلا مجرّد فوضى لإعادة خلط الأوراق، لتطبيق المشروع الأمريكي”الشرق الأوسط الجديد” الرّامي لإعادة تقسيم المنطقة العربية لدويلات طائفيّة متناحرة، وتصفية القضية الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيوني التّوسّعي، والذي تتعدى أطماعه حدود فلسطين التّاريخيّة بكثير، وإطلاق يد اسرائيل لتسود المنطقة بالقوّة العسكريّة؛ لتبقى حارسا للمصالح الامبرياليّة في العالم العربيّ، ومنها السيطرة الدائمة على منابع البترول. ولتأكيد ما أقوله أستذكر ما قاله قادة اسرائيل عندما ثار الشّعب المصريّ على نظام حسني مبارك، أنّ اسرائيل غير خائفة مما يجري فهي تعتمد على “كنوزها وكنوز حليفتها أمريكا الإستراتيجيّة في مصر”، والحديث يطول.
ما الفروق في رأيكم بين أدب السجون في الماضي والحاضر مع العلم أن أدب السجون حسب ما عبرتم كان من زمن سحيق بل في صدر الإسلام وضربتم مثلا بسجن الحطيئة وما جرى من قصته مع عمر بن الخطاب ما يعلق بالذاكرة الجماعية أن اتصل الحديث عن أدب السيجون هو القمع والقهر والتعذيب، كيف ترى ادب السجون في العهد الإسلامي الأول وما تلاه في العصور الأموية والعباسية وواقعنا الراهن…؟
علينا الانتباه بأن الحياة تقوم على الصّراع بين الخير والشّر، وبين الحاكم والمحكوم، ومع الإيمان المطلق بأنّه يجب رضا وقبول الأقليّة بحكم الأغلبيّة المنتخبة، وفي الوقت نفسه أنّ على الأغلبية الحاكمة أن تحترم معارضيها، وأن لا تميّز في الحقوق والواجبات بين مواطنيها بناء على موالاتهم أو معارضتهم، وأنّ اطلاق الحرّيات الفكريّة واستقلاليّة القضاء وسيادة القانون هي الضّمانة لاستمرارية أيّ حكم، واستقرار أيّ بلد، وهذا يتطلب وجود سجون لمن يرتكبون جرائم تضرّ بالوطن وبالشّعب، وتثبت إدانتهم والحكم عليهم من محاكم عادلة وقضاء مستقل، فمثلا خيانة الوطن والولاء للأجنبي، وجرائم القتل والسّرقة والمخدرات وغيرها لا يمكن التّهاون بها، ويجب معاقبة مرتكبيها كل حسب جريمته.
برأيكم لماذا الروائيون العلمانيون هم الأكثر إنتاجا في أدب السجون بينما الإسلاميون وهم أكثر مكوثا في المحن والسجون لم يكن لهم إلا النزر اليسير في هذا الادب؟
هذا السّؤال يدخلنا في متاهة “الإسلام السّياسيّ”، وأقصد هنا بعض الأحزاب والقوى التي تتستر بعباءة الدّين والدين منها براء، فبعض هذه القوى كانت ولا تزال ألعوبة بأيدي قوى معادية للإسلام وللعروبة، ولنتذكر كيف كانت القوى الإمبرياليّة تجنّد قوى الإسلام السّياسي لمحاربة الاتّحاد السوفييتي ومجموعة الدّول الإشتراكيّة قبل انهيارها في بداية تسعينات القرن العشرين، وكانت تعتبرهم “السّور الواقي من خطر الشّيوعيّة”! وبعد انهيار المجموعة الإشتراكيّة، بدأت القوى الإمبرياليّة بشيطنة الإسلام والمسلمين، ومع ذلك جرى استغلال بعض قوى الإسلام السّياسيّ واحتوائهم من خلال وعود كاذبة أعطيت لقياداتهم، ومن هنا ظهرت قوى ارهابيّة تتلفع بعباءة الدّين، لخدمة مصالح قوى امبرياليّة معادية، وجرى تأسيس تنظيمات إرهابيّة مثل القاعدة، داعش، جبهة النّصرة وغيرها، وهذه القوى استغلّت العاطفة الدّينيّة لجهلاء وبسطاء العرب والمسلمين وجنّدتهم ليكونوا وقودا لمحرقة تدمير أوطانهم وقتل وتشريد شعوبهم تحقيقا لمصالح الإمبرياليّة في المنطقة.
ولا بدّ هنا من التّطرّق لقضيّة هامّة لا يمكن القفز عنها وهي أنّ غالبيّة المتأسلمين منغلقون فكريّا، ولا يطّلعون على الثّقافات الأخرى، ومنهم حتّى يومنا هذا من يحرّمون الفنون والإبداع ومنها القصّة والرواية والمسرح، ولا يعترفون إلا بالشعر كون حسان بن ثابت مدح الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، على عكس العلمانيين الذي يدأبون على تثقيف أنفسهم في مختلف المجالات.
نلاحظ كثيراً أن عدة ألقاب تسبق بعض الأسماء، فهذا “القاص والكاتب والشاعر”، وذلك “الناقد والمسرحي والروائي”.. إلَخ. فهل أنتم مع “احتراف” الأديب لفنٍّ واحد؟ وما مدى تأثير عدم الاحترافية والتخصص على المشهد الإبداعي؟
أنا شخصيا ضدّ كل هذه الألقاب، وأرى أنّه من المعيب أن يكتب المبدع أمام اسمه أيّ لقب أو صفة، فهذا من حقّ النّقاد أن يصفونه كما يليق به وبإنتاجه الأدبيّ، والاحتراف في الأدب ليس قضاء ربّانيّا، وهناك مبدعون ذوو مواهب في أكثر من صنف أدبي، وأجمل الأعمال النّثريّة هي من كتبها شعراء، وهناك مبدعون أبدعوا في أكثر من صنف أدبيّ، فمثلا الأديب الفلسطينيّ الكبير محمود شقير، كتب القصّة القصيرة والأقصوصة والرواية وقصة ورواية الأطفال والمسرحية وأدب الرّحلات، والمراثي والسّيرة الشخصيّة واليوميّات والمسلسلات التّلفزيونيّة وأبدع فيها.
من هو الأديب الحق؟ ومن هو الناقد الحق؟
الأديب الحق هو من يتقن كتابة الأدب دون تصنّع، والناقد الحقّ هو من يكتبعن عمل أدبيّ ذاكرا إيجابياته وسلبياته بحيادية تامّة معتمدا على نظريات النقد الأدبيّ، وهناك نقد انطباعي يرتكز على ثقافة “الناقد” ولا يخضع لنظريّات.
كأديب له باع طويل في رحاب الأدب وأجناسه ومتابعة كافة أنماط الفن الروائي اود ان اسألكم عن أدب السجون إلى أي مدى يمكن أن نصنفه ضمن الادب الإنساني في فن الرواية والشعر؟
لا شكّ أنّ أدب السجّون أدب إنسانيّ، فهو يعكس تجربة ومعاناة إنسانيّة لا يمكن تجاهلها بغض النّظر إن كان المتلقي يتفّق أو يختلف مع كاتبها سياسيا أو فكريّا، فالإنسانيّة لا تتجزّأ.
ما مستقبل أدب السجون في ظل قمع ثورات الربيع العربي وارتداد الكثير من الأنظمة إلى ماضي التعذيب والانتهاكات الحالة السورية نموذج؟
أنا ضدّ تعذيب الإنسان لأخيه الإنسان حتّى لو كان عدوّا، ويجب أن تكون قوانين رادعة تمنع التّعذيب، ومن ينتهك هذه القوانين يجب أن يحاكم ليلقى جزاءه.
وبالنسبة للحالة السّوريّة فأنا أعيش في فلسطين المحتلّة وغير مطلع عليها، وبالتّالي لا أستطيع إبداء الرّأي في أمر لا أعرفه.
كتب الكثير من الأدباء الذين يحملون الهم الإسلامي والفكرة الإسلامية الروايات والشعر المصنف ضمن ادب السجون بل لعل الدكتور نجيب الكيلاني كان أطول نفسا في هذا ومن المعاصرين أيمن العتوم ما رؤيتكم النقدية فيما يحمله هذا الأدب وهل يمكن ان نصنفه بالأدب الإسلامي؟
يجب الإنتباه أنّ ثقافتنا العربيّة ثقافة إسلاميّة، والمسيحيون العرب ثقافتهم إسلاميّة أيضا. والعلمانيون العرب ثقافتهم إسلاميّة، والإسلام ليس حكرا على من ينضوون تحت راية حزب إسلاميّ، فكلنا مسلمون. ولنتذكر مقولة ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث والتي اتّخذها الحزب وهو حزب قوميّ شعارا له” أمّة عربيّة واحدة ذات رسالة خالدة” فالرّسالة الخالدة هي الإسلام.
و”الإسلاميّون” الذي عانوا من السجن وويلاته وكتبوا عنها فمن البدهيّات أنّ كتاباتهم هذه تندرج تحت “أدبيات السجون.”
ما دور أدب السجون في فضح انتهاكات الأنظمة الوظيفية من خلال تجربة أدب السجون في سوريا الشام؟
هذا سؤال مكرر وسبق أن أجبت عليه.
بنظرة شمولية نجد أنَّ هناك تبايناً في النتاج الإسلامي للأجناس الأدبية: فالشعر يتصدر المشهد دائماً، ثم تأتي القصة والرواية، ثم المسرح. فهل لذلك أسبابٌ ترونها؟ وهل تتحقق هنا أهمية “الكمّ”؟
هذا ينطبق على النتاج الإسلامي وغيره، فالشعر لحظة شعور، وهو السّبّاق دائما، أما القصة والرّواية والمسرح فتأتي متأخرة، لأنّها تحتاج إلى نضوج التّجربة، وأجمل الرّوايات عن الحرب الكونيّة الثّانية هي التي كتبت بعد انتهاء تلك الحرب.
نلاحظ كثيراً أن عدة ألقاب تسبق بعض الأسماء، فهذا “القاص والكاتب والشاعر”، وذلك “الناقد والمسرحي والروائي”.. إلَخ. فهل أنتم مع “احتراف” الأديب لفنٍّ واحد؟ وما مدى تأثير عدم الاحترافية والتخصص على المشهد الإبداعي؟
هذا السؤال مكرر وسبق أن أجبت عليه.
وهل استطاع أن يشهر مظلومية الأسرى ويعري واقع القهر السجوني الصهيوني.. ^ماذا قدم الأدب السجوني الفلسطيني للقضية
أدب الأسرى الفلسطينيّين عرّى وفضح جرائم الاحتلال، وخرقه للوائح حقوق الإنسان، وانتهاكه لاتفاقات جنيف الرابعة بخصوص الأراضي التي تقع تحت الاحتلال العسكري، ولو كانت الأنظمة الحاكمة في الأقطار العربيّة عربيّة وجرت ترجمة بعض الأعمال الأدبية المتقنة للغات أخرى لشكّلت رافعة إعلاميّة لإيصال الرّواية العربيّة بخصوص الصّراع للشّعوب الأخرى، ومن المعروف أنّ للأدب تأثيرا أكثر بكثير من الخطابات والشّعارات السّياسيّة، ولنتذكّر أن شعراء مثل الرّاحلين محمود درويش وسميح القاسم، ومعين بسيسو، وقاصين مثل محمود شقير، وروائيين مثل ابراهيم نصرالله، قد خدموا القضيّة الفلسطينيّة أكثر من الجامعة العربيّة ووزارات الخارجيّة العربيّة.
بعد مسيرة تجازت النصف قرن في خدمة الأدب والنقذ هل أنت راض عن مسيرتك الأدبية وهل حققتم كل ماكنتم تطمحون له في هذه الرحلة الأدبية متعكم الله بالصحة والعافية.
بالطبع لست راضيا عن نفسي ولن أرضى حتّى لو طال بي العمر لألف عام، فلديّ مشروع ثقافيّ لا ينتهي.