قراءة في كتاب ” نظام التفاهة للدكتور آلان دونو “
عرض: عمر فاروق طه
يقول عالم الاجتماع الكندي آلان دونو: “إن التافهين قد حسموا المعركة لصالحهم في هذه الأيام، لقد تغير الزمن زمن الحق والقيم ذلك أن التافهين أمسكوا بكل شيء بكل تفاهتهم وفسادهم، فعند غياب القيم والمبادئ الراقية يطفو الفساد المبرمج ذوقاً وأخلاقاً وقيَماً .. إنه زمن الصعاليك الهابط!”
ويعرّف الكاتب نظام التفاهة Mediocracy بأنه لعبة غير مكتوبة القواعد وغير منصوص عليها في الكتب وغير محكومة بالقيم العليا لكنها صارمة تطيح بكل من يحاول كسر قواعدها واللعبة هي باختصار (سيطرة ذوي الكفاءات المتوسطة على مفاصل السيادة) لأن ذوي الكفاءات المتدنية بالأصل غير ملائمين للسيادة وذوي الكفاءات العالية يفكرون فينتقدون نظام اللعبة نفسه فيتم استبعادهم من اللعبة وهذا ما ينص عليه (مبدأ بيتر).
ويسيطر نظام التفاهة على الكثير من المحاور ومن أهمها:
التعليم: فإن دور (المثقف) والعالم والحكيم لم يعد موجودا اليوم (هذا الذي يعمل بإخلاص وتفاني في المبادئ) والمؤسسات التعليمية فقدت دورها وأصبحت مكاناً لتفريخ (الخبراء فقط) الذين يعملون لصالح تلميع من يدفع أكثر وفقاً لمصالح الشركات الراعية لهم فأصبحت المؤسسات التعليمية وشهاداتها تباع بسوق المال والأعمال وأصبح الخريجون سلعة تباع للشركات.
فالأستاذ الجامعي ذو الكفاءة العالية الذي يسعى لتعليم الطلبة بكل ما يمتلك من إمكانيات لجعلهم (علماء مثقفين) هو في الواقع يكسر نظام التفاهة الذي يقتضي تعليمهم فقط ما يحتاج له سوق العمل وتسطيح مكانة العلماء وبالتالي هذا النوع من الأساتذة سرعان ما يتم تنحيته لكسره نظام اللعبة.
ويبقى الدور الأكبر لمخرجات تلك المؤسسات التعليمية من الخبراء الملمّعين الذي سيقومون بتلميع صورة (الأوليغارشيا) عندما تتراجع مكانتها ويقومون بتقليص دور الحكومات لحساب الشركات العابرة للقارات.
الاقتصاد: لقد أصبح السوق يتحرك بخوارزميات تقوم بعملها من دون العقل البشري في نانو ثانية فأصبح السوق نفسه أعظم من المحاسبين البشريين ويشبهه المؤلف كأنه الوحش الهارب من صانعه في رواية فرانكشتاين فقد طور ذلك السوق آلياته لدرجة جعلت رجال الأعمال والمختصين عاجزين عن تنبؤ تغيراته وتوقع نتائجه واللاعب الأبرز هو من يمتلك الخوارزميات الأسرع.
كما يتحدث المؤلف عن مخططات التنمية العالمية لجعل الدول الفقيرة تابعة للدول المتحكمة (كصندوق النقد الدولي) وينتقد سياسات شركات التأمين ومصانع الأدوية التي لا يهمها إيجاد حل للمشكلة بقدر ما يهمها زيادة أرباحها ومصلحة الضرائب التي تطالب الفقراء بالدفع وتشيح النظر عن الشركات الكبرى التي تتهرب من الضرائب….
الثقافة والحضارة والإعلام: يقدر نظام التفاهة الفنان والإعلامي الذي يجلب المال للمؤسسة بغض النظر عن الرسالة السامية التي من المفترض أن يحملها…. ويتحدث عن دور الإعلام بترميز التافهين وجعل مسارات حياتهم التافهة وأخبارهم وفنهم الهابط نموذجاً ومساراً لاهتمام الآخرين.
وسائل التواصل: ينتقد المؤلف بروتوكولات المجاملات الاجتماعية ويستغرب من جعل دور وسائل التواصل منابر يعتليها التافهون لتحسين صورتهم والبحث عن تافهين آخرين يتقنون لعب الدور المناسب في نظام التفاهة.