ما التطبيع الذي يُريده الإسرائيليون؟
توفيق أبو شومر | فلسطين
هل صحيح أن الإسرائيليين سيفتحون حدودهم أمام العرب من كل البلدان التي وقعوا معها اتفاقات تطبيع؟! هل قررتْ إسرائيل فجأة أن تقيم علاقات طبيعية في كل مجالات الحياة مع العرب، على غِرار العلاقات بين دول السوق الأوروبية المشتركة مثلا؟
حاولت أن أتتبع أبرز صحف الحارديم الإسرائيليين، لكي أرصد ردَّ فعل الجمهور الحريدي حول التطبيع مع العرب، فلم أجد سوى الأخبار المنقولة عن وسائل الإعلام، أو بعض الآراء التي ترحب بحذر، معظمها جاء من التيار الديني الصهيوني.
إسرائيل لا تُشبه الدول الأخرى، لأن لها فَرادةً وتميُّزا عن الدول الأخرى، فهي قد عرَّفتْ نفسها في قانون القومية الأساس المُقر من الكنيست 19-7-2018م تعريفا دينيا، وليس سياسيا في المادة الثانية، والثالثة؛ “إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وحق تقرير المصير هو حصريا للشعب اليهودي”!
إن إسرائيل ليست بلدا مفتوحا، فهي ما تزال تمنع حتى اليهود المعارضين لسياستها من الدخول، كما أن أبرز مُكوِّن للإسرائيليين هم طائفة الحارديم، هؤلاء لا يعترفون بيهودية مَن أسسوا إسرائيل من العلمانيين، كما أنهم لا يعترفون حتى بنظرائهم الحارديم من الإصلاحيين والمحافظين، وعشرات الطوائف اليهودية المتزمتة دينيا، فكيف سيقبلون العرب؟!
كما أن الحارديم، والصهاينة العلمانيين ما يزالون لا يقبلون اليهود المهاجرين من بلاد العرب! سأظلُّ أحفظ قول أحد الحاخامين الأوروبيين، الإشكنازيم لبن غريون عام 1948م، وهو ينصحه ألا يسمح بدخول اليهود الشرقيين لإسرائيل، فقد شبَّههم بالجرب: “لا تُدخِل جَرَبَاً إلى كَرْمِ إسرائيل”! وما يزال الحارديم من المستوطنين، وحركة، لهبا، وكاخ، يضطهدون الفلسطينيين أصحاب الأرض، ممن عاشوا بينهم، وأتقنوا لغتهم، يطاردونهم على الشواطئ، ويعتدون عليهم بالضرب في الأسواق والمتنزهات لأنهم فقط عرب!
جهر بعضُ الإسرائيليين بالحقائق التالية: “إن دولةً صغيرة، كإسرائيل، دولة اليهود يجب أن تُحافظ على فَرادتها، وتميزها العرقي والتقني، كدولة تنتمي للغرب، ليس للشرق، لذا، فإنها لا يمكن أن نقبل التطبيع مع الدول العربية إلا بمفهومها الخاص، لا بالمفهوم العربي، فإذا قبلته وفق المفهوم العربي فإن إسرائيل تصبح أقلية وسط العرب، الذين يبلغ عددهم 377 مليونا، ما سيؤدي إلى (شرقنة) إسرائيل”
قال آخر: ” إن التطبيع بمفهوم العرب هو انقلاب على البرنامج الصهيوني، لأن التطبيع مع العرب سيغيِّر مكانة اليهود المهاجرين من الدول العربية، وهم ثاني أكبر تجمُّع يهودي في إسرائيل ليُصبحوا في مركز الصدارة الأول أي أنه سيتفوقون على (الإشكنازيم)، فهم سيتقوون بالعرب، بسبب إجادتهم اللغة العربية ما سيجعلهم يتفوقون في التجارة، لأن لهم خبرة طويلة بهم”!
إذن، ما مفهوم التطبيع الذي يرغب الإسرائيليون في تحقيقه؟
سيعود الإسرائيليون إلى بلاد العرب هذه المرة لا كشركاء، بل غُزاة اقتصاديين، وسادة مسيطرين، يفرضون أجندتهم السياسية والعقائدية، يؤسسون بها تحالفات من نوع جديدٍ، غايتها، فرض السيطرة، والتوجيه في كل المجالات، أي، فتح الحدود العربية للإسرائيليين في اتجاهٍ واحدٍ فقط، وهو السماح للإسرائيليين المُختارين بالتغلغل في بلاد العرب، بخاصة في المجال الاقتصادي والتجاري أي تسويق المنتجات، وجني الأرباح المادية، وكذلك تأسيس قواعد عسكرية، وجمعيات ومؤسسات مشتركة، تُعزز مبدأ الهيمنة الإسرائيلية، بخاصة في المجالات الرقمية، أما دخول العرب إلى إسرائيل سيظل مقيدا، مثل دخول مجموعات سياسية مناصرة لإسرائيل، ودخول أصحاب الشركات والتجار فقط!
أما الغاية المهمة الرئيسة الأولى للتطبيع فهي اغتيال أهم ركائز الوحدة العربية، وهي قضية فلسطين المقدسة، وذلك بسحب وشطب هذه القضية من الذاكرة العربية، لأن قضية فلسطين ظلت هي القاسم التاريخي الوحدوي المشترك بين العرب جميعهم، وستكون غايتُهم تحويل هذه القضية مِن مُكوِّن وحدوي عربي، إلى سبب نكبات العرب وتأخرهم، مما يُحول شراكة العرب مع الفلسطينيين في قضيتهم إلى عداءٍ، بحجة أن الفلسطينيين هم أسباب تأخر العرب ونكباتهم!