حديث في المشروع السلمي النووي الإيراني
المحامي إبراهيم شعبان | فلسطين
قديما وقبل أكثر من قرن من الزمان، فكر المهاجرون اليهود لفلسطين بالطاقة الذرية، وما لبث هذا الفكر أن انقلب إلى سلاح ذري بعد قيام الكيان الإسرائيلي بفهم تأثيره المدمر، وبخاصة بعد قصف القوات الأمريكية المدينتين اليابانيتين هيروشيما وناغازاكي في نهاية الحرب العالمية الثانية. فقد أوعز بن غوريون أول رئيس وزراء إسرائيلي إلى شمعون بيرس اصغر وكيل وزارة أمن إسرائيلية سنا، مهمة إنشاء مفاعل ذري في ديمونة في صحراء النقب في عام 1958.
وكان من الطبيعي أن يستعين الإسرائيلي المدهون بالزبدة ( بيرس ) باصدقائه الفرنسيين الذين يرفضون الإعتذار للجزائر عن استعمارهم إياها لليوم، في حين قدموا المساعدة الفورية في إقامة مفاعل ديمونا، وبخاصة رئيس وزرائهم منديس فرانس، الذي شن هجوما ثلاثي من إسرائيل وبريطانيا وفرنسا على مصر عام 1956، ويحمل حقدا شديدا على القائد الراحل جمال عبد الناصر، بعد تأميم الأخير لشركة قناة السويس.
ومن مهازل القدر المحزن أن قامت دولة النرويج بعد إنشاء المفاعل النووي الإسرائيلي ( صديقة الفلسطينيين اليوم ) بتأمين الماء الثقيل لمفاعل ديمونة لتصنيع القنابل الذرية الإسرائيلية. وبالفعل أنتجت عشرات القنابل الذرية حتى أن البعض يقدرها بمائتي قنبلة ذرية أو أكثر.
بقي الأمر طي الكتمان إلا على العالمين بالحقائق السرية، إلى أن قام الوافد المغربي مردخاي فعنونو العامل في المفاعل الذري في ديمونا بكشف الحقائق مدعمة بالصور والأفلام حول المفاعل الذري الإسرائيلي في صحيفة صنداي تايمز البريطانية عام 1986 بعد أن غادر إسرائيل. لكن الموساد الإسرائيلي اختطفه من إيطاليا، وأحضره للمحاكمة أمام القضاء الإسرائيلي، حيث حكمه بقضاء ثمانية عشر عاما بالسجن، ولم تقنع المحكمة الإسرائيلية بدوافعه السلمية الإنسانية لعمله وقيدت تنقلاته وحريته الشخصية.
ورغم كل تلك التقارير، ورغم اعتراف إسرائيل بان مفاعل ديمونا مفاعل نووي وليس مصتعا ولا منشأة كما رددوا ابتداء، إلا أن المسؤولين الإسرائيليين يصرون على عبارة عبر غموضها بقولهم الدائم وتصريحهم الغامض بأنها لن تكون الدولة الأولى باستعمال السلاح الذري إلى المنطقة. وبقيت إسرائيل خارج اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية ولم تنضم إليها. وبالتالي رفضت أي تفتيش دولي من قبل المصادقين على الإتفاقية .
من الجدير ذكره أن الموساد الإسرائيلي كان قد بعث برسائل متفجرة للعلماء الألمان الذين حاولوا تطوير سلاح الصواريخ المصري في ستينيات القرن الماضي. كما قام الطيران الإسرائيلي أيام مناحيم بيغين رئيس الوزراء الإسرائيلي عام 1981 بقصف مقر المفاعل الذري العراقي رغم أنه قيد إنشاؤه للأغراض السلمية. كما أن اتهامات وجهت لإسرائيل بقصف مشروع مفاعل نووي سوري عام 2007 في محافظة دير الزور.
ويذكر الجميع كيف وقف نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق من على منبر الأمم المتحدة وبيده رسم من إنتاجه وتسويقه للقنبلة الذرية الإيرانية الوشيكة ويلوح ويهدد بأنه باق عليها عشرة أيام حتى تصبح جاهزة للتفجير. يقابل ذلك تجاهل دولي مطبق صحفي وسياسي حول امتلاك إسرائيل اكثر من مئتي سلاح نووي.
ها قد مضت عشر سنين تقريبا على هذا الظهور وهذا التهديد ولم تنتج بعد إيران سلاحها الذري الأول حسب التقارير جميعا غربية وإسرائيلية وشرقية روسية. وطيلة الأعوام الماضية وتحديدا من عام 2009 كان الشغل الشاغل لنتنياهو وحكومته المشروع النووي الإيراني. وحاول جهده وجهود ( إيباك) اللوبي الصهيوني جر الولايات المتحدة إلى مواجهة مع الثورة الإيرانية. لكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما اتخذ خطا مخالفا وقرر أن يعقد اتفاقا أمريكيا إيرانيا، قوامه أن المشروع النووي الإيراني هو لأغراض سلمية علمية بحثية وبالتالي تجميده مقابل رفع العقوبات المفروضة على إيران وإعادة أموالها المجمدة في البنوك الأمريكيةوالعالمية.ونجح في عقد الإتفاق، إلا أن انتخاب دونالد ترامب قلب الأمور رأسا على عقب، حيث مزق الإتفاق الإيراني الأمريكي. لكن عودة جو بايدن الديموقراطي لسدة الحكم أعاد موضوع الإتفاقية الأمريكية الإيرانية إلى الساحة الدولية وبخاصة أنها كانت إحدى وعوده الإنتخابية المضروبة.
وها هي المفاوضات تجري في العاصمة النمساوية بكثافة لتجميد التخصيب الإيراني، وقصر المشروع الإيراني على الأهداف السلمية. والأصابع الإسرائيلية تتداخل والزيارات تتم بكثافة والتهديدات تنطلق لتضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، تماما كما أطلقها إهود براك أيام ما كان وزيرا للأمن في حكومة بنيامين نتنياهو.
الغريب أن هناك تحذيرات قوية وشديدة محايدة عالمية تقول أن مفاعل ديمونا بعد خمسين عاما ونيف من إنشائه قد استنفذ عمره الإفتراضي، وهو قابل للإنفجار أو التهاوي أو تسريب الإشعاع بشكل كبير نتيجة لقدمه وتمزق جدرانه أو تشققها، تماما كما حدث في تشيرنوبل في روسيا عام 86 19 ، وبدل أن تنشغل إسرائيل في هذا الأمر الخطيرالذي سيؤثر على الأردن وقبرص ويضرهما ضررا كبيرا وهو يؤثر هذه الأيام بقدر ما، تشغل حالها صباح مساء بالمفاعل النووي الإيراني السلمي، وتطلق التهديدات من كل صوب وحدب.
الغريب أيضا أن دولا عديدة في هذا العالم المترامي الأطراف بشرقه وغربه، تمتلك قنابل ذرية وهيدروجينية مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وروسيا والباكستان والهند والصين وكوريا الشمالية باعتراف الجميع. بينما كثير من الدول مقتنعة وبخاصة الأوروبية، أن مشروع إيران هو مشروع سلمي ولأهداف سلمية, إلا إسرائيل غير مقتنعة وهي الرافضة للإنضمام لمعاهدة منع انتشار الأسلحة الذرية وللتفتيش الذري من قبل خبراء الإتفاقية.
بقي أن يقال كما تقول التقارير للخبراء، أن إيران لم تعد كما كانت قبل سبع سنين فهي قد أقامت علاقات خاصة مع الصين وروسيا تمكنها من استمرارها في برنامجها النووي السلمي دون موافقة الغرب ومن ورائه الولايات المتحدة. وتضيف هذه التقارير أن أمريكا رغم كل العراقيل ماضية في إعادة إحياء الإتفاق من جديد. على كل هذا ما ستخبرنا به الأيام القادمة، ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا وياتيك بالأخبار من لم تزود!!!