قراءة انطباعية في “غرفة بعين واحدة” للشاعر اليمني عبد الغني المخلافي
ﻣﻌﺎﺫ حميد ﺍﻟﺴﻤﻌﻲ| شاعر يمني
المخلافي شاعر عتيق مذهل يرتقي بالنص الى مستويات عالية من الحداثة والمعاصرة.. بخلاف ذلك فهو صديقي و أقرب الشعراء الى قلبي، ولكي لا تكون شهادتي فيه مجروحة.. سأحاول أختزل انطباعاتي عن مركز الحدث في كلمات قليلة.بعيدة عن أية مسؤولية أكادمية..
أعتقد أني قرأت معظم إذا لم يكن جميع أعمال ونتاج الشاعر المخلافي.. لكنني أجده في هذه المجموعة مختلفا وفارقا من حيث مفاهيمه الدلالية َواللغوية وأبعاده الفلسفية والسينمائية.
/تحت هذي السماء لا شيء
غير الموت والتشرد
الخوف من الغد/
/ثمةَ نملةٌ في الحائطِ
تحاول الصعود
ودجاجة على الأرض
تنبش التراب
وشجرة تواجه الريح
وأنت تطيل التأمل /
فهي بالفعل تفرض سلطتها، وتشترط الفهم والتأمل والتحليل وتفكيك ما وراء النصوص..
/لن أتوقف عن تعاطي الكتابة
وإن فقدتُ
أصابعي كاملة..
وإن وضعتُ في باطنِ الارضِ
سأكون قد تركتُ
علَى الأشجارِ
من يفعل ذلك./
ثم إن الضغوطات الثنائية التي تحاول أن تجعل النص قارئا لذاته سوى كانت في مواجهة الإشارات الإنفعالية والطاغية أو في تحديد صورة مجردة الأبعاد هو ما يبرز
الانعكاس المشهدي بين النص والنص..
/لكي تنهزم الحرب
لابد من شرف المبادرة.
اشهر كلماتك في وجه الليل ..
لا بأس إن سقطتَ
بعيدًا عن الأنا.
بلغ هَرَمَه السابع
على أكتافِ القصيدةِ
رفض أن يكونَ تمثالًا
في ساحةٍ مقفرةٍ
يحيط به
الضباب الكثيف
والطرق الموحلة بالمواجع../
تقاسيم مرنة وتناص سلس أكثر من كونه معقدا يمعن الى الذات والعمومية في آن، وكنتيجة لذلك تميل الوحدات الدلالية في السياق الى تحسين طريقة التعاطي لدى المتلقي
وتفجر في أعماقه شهية الخوض مع حركة النص..
/قد تسقط في جبٍ عميقٍ
لا سيارةَ تلتقطك
ولا رحمةَ تنزل عليك./
كيف أتخطى
هذه اللُجَّة العظيمة؟
كيف أطفو فوق هذا الموج؟
عالقٌ في فكِ تمساحٍ
كم مثلي في هذا القعر؟.
العالم الجبان لا يرحم.
الشوارع تكتظ بالمتعبين
لا أجد
ابتسامة دونَ دمعةٍ
كل يوم ألتقط كثيرًا
من المواجع./
“غرفة بعين واحدة”
ليس من الجيد للشاعر أن يفقأ عين جمهوره بثيمة حادة كهذه دون أن يترك على العتبة فرصة للتعافي يتمسك بها المتلقي من اول نص.تباعا الى الخاتمة. في مجمل تلك التداعيات.. وهذا ما حدث هنا بالفعل..
/
على نارِ الشجنِ الملتهب
يخضبني السواد
تحت وطأة الارتهانِ
أترقبُ اندلاعَ الضوءِ ./
فماذا عن شاعر شكلت له الغربة والحرب وضعا مأساويا وحولت به من مكان الدهشة الى مكامن القهر والوجع.
/بجراحِ الغربةِ المثخنةِ
أتحسسُ وجهَ الوطنِ المتعب./
وذلك ما تفرضه طبيعة الغربة فهي لم تكن يوما حديقة أو متنزها بل زنزانة مقيتة مضغوطة السقف ومغلقة الجدران وهو بدوره يحاول أن يفتح لها نافذة من جلده المتشعب بالبعد والحنين،
/أجْتذبُ الكلمات بطريقةٍ مواتيةٍ/
/مُعلَّقٌ في الفراغ
لا سماءَ ترفعني
ولا أرضَ تنزلني .
ما الذي أوقعكَ عن هذا الجرف؟
ما الذي زج بكَ في هذه الهُوَّة ؟
لا قصيدة تمنحكَ حروفها المنقذة
ولا كتابَ ينتشلك
من قاعِ الظلمة /
الجدير بالذكر هنا أن الشاعر عانى كثيرا في الفترة الآخيرة من غربته حيث لم يكن لديه القدرة على البقاء أو العودة إلى أن ضاقت به الارض بما رحبت ولم يعد من خيار سوى مغامرة العودة لبلده وبيته على طريقة المهربين..
/صرتُ ناضجًا وصالحًا للأكل
أدور حول نفسي
في العدمِ المحدقِ
أبحثُ عن ثغرة
الآن /
ليجتاز بالمقابل طريقا مشتعلا بالحرب وملغوما بالموت..
/الوطن المنكوب
أَحَبُّ إِليَّ
من سجن الغربة الواسع /
لقد نجى بإعجوبة.. أعرف ذلك تماما وهو يسمعني الآن..
/ظننته نافذتي
غدا خنجرًا
وقنبلةً كامنةً في طريقي./
ويتذكر بداية المخاض المر لهذه الغرفة..وكيف زعقت من بين أنامله على صوت حمامة في الجوار..
/ثمّةَ حمامةٌ في الجوارِ
تبدو حزينةً
ربما صارتْ هي الأخرى
دونَ أَليف/
وماذا بعد… كالملايين من أبناء وطنه المنهك مخنوق على أمره..
/مع “زوربا” والصقيع
وكأس وحدتي المعتقة
لا شيء يستدعي الفرح
عدا اسْتِجْلابِ الكلمات.
اتركوني ولو مرة
أستنشقُ الهواء/
تارة يواجه يستدرج الخيال او يدرج اليه وتارات يتشتت على ارصفة الهروب../
القصيدة منزلي الفسيح
سريري الوفير
رغيفي الساخن
زهري المتفتح عند الصباح
قمري المطل في المساء
مسرحي المكتظ بالكركرات
على باب الكلمة أستشفُ اللا مرئي
فوق بحيرة تفيض بالجمال
تبدو المعاني كالظباء
في المراعي الخضراء
تتقاطر الصور في بَهاء اللحظة
وسحر الاِمتِلاء
أرتقي مكانًا لا تشوبه المدافع
أزدحمُ بالكواكب والمجرات
يهطل الإلهام
في مخيلتي كالمطر
أُخاصرُ القصيدة
على مرأى النجوم
أقولُ للحرب : لا مكانَ للموت
في حَيِّزِي المحصن /