مفهوم الثورة في النظرية العلمية للماركسية
سعيد مضيه | مفكر سياسي ومترجم | فلسطين
مساء الثلاثاء 15 كانون اول / ديسمبر، كانت الندوة 36 للمنبر التقدمي الديمقراطي في الذكرى 34 لانتفاضة الشعب الفلسطيني 1987، وهي باكورة الانتفاضات العربية ضد الليبرالية الجديدة، والشعب الفلسطيني كابد أعطاب الليبرالية الجديدة،سطوا قرصنيا مكشوفا على أرضه.
تحدث بالندوة شخصيات قيادية لكل من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحزب الشعب الفلسطيني والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، والتنظيمات الثلاثة تعلن الاسترشاد بالفكر الماركسي، وميزته الأبرز الاستناد الى حراك الشعب. لم يتطرق أي من المتحدثين الى النشاط في أوساط الشعب، فقط أشر أين يلحق به الشعب: الأول عند الثورة المسلحة لتحرير كامل فلسطين ، والثاني تواضع قليلا ، حيث ينتظر عند مسيرة الانتفاضة والثالث ينتظر عند الانتفاضة الثالثة، إذ أدرج تحت لائحة الانتفاضة الثانية عمليات العام 2000 التي استدرجت اليها الفصائل المسلحة وانتهت باستباحة قوات شارون العسكرية كامل الضفة والشروع في نهب الأرض وتغطيتها بالمستعمرات وتهويد القدس .
لم يتطرق أحد الى حالة الجماهير الشعبية تحت وطاة نظام الأبارتهايد والاستعمار الاستيطاني ، حيث العجز عن رد تطاولات المستوطنين على أشجار المزارعين وحرمات المسجد الأقصى. الكل طرح مشروعه الكفاحي دون الاستئناس بإمكانات الجماهير ولا حتى بالعمل في اوساطها باعتبار النضال مع الجماهير وليس نيابة عنها.
في ظروف تعقيد القضية الفلسطينية والأسلحة المتطورة التي يستخدمها المحتلون والدعم الذي يحظى به،يكثر بين أوساط الفلسطينيين، خاصة اليساريون، ممن ينظرون باستخفاف الى النضال الشعبي وما يقتضيه من حشد وتعبئة وتربية سياسية، ويقاربون حمل السلاح بدهية وخيارا محسوما كحل وحيد. أحيانا يذكرون النضال الشعبي مقرونا بالنضال المسلح، وهم يعرفون من التجارب أن المحتلين يستدرجون العمليات المسلحة لكي يبطشوا بالجماهير العزلاء ويمارسوا إرهاب دولة. ليس بالجمل الثورية تختزل اليسارية ولا بحمل السلاح يستقيم مفهوم الثورة ؛ الثورة تنجز بتغيير ميزان القوى لصالح التحرر والتقدم ، أو بتغيير التوازن الطبقي لاحداث تحول اجتماعي. كل نشاط سياسي لا ينطلق من استنهاض الجماهير وزجها في الحياة السياسية .. حشدها وتربيتها سياسيا وفكريا واجتماعيا لا يدخل خانة الثورية. كل حراك شعبي ديمقراطي يستخف بالعمل في أوساط الجماهير لا يعتبر يساريا ، وإن نادى بضرورة التغيير الاجتماعي . الذين يحجمون عن تعبئة الجماهير وتنشيط حراكها إنما يغفلون الشروط التي لا بد منها لخوض كفاح مسلح ظافر.
ان استعصاء المشكلة الفلسطينية على الحل بسبب النكسات المتلاحقة الناجمة عن قصور إدراك القيادات الفلسطينية لتركيبة العدوان الصهيوني قد اطال امد القضية الفلسطينية؛ فتطور بالنتيجة حالة نفاذ الصبر لدى شرائح اجتماعية عديدة، دونما اعتبار بأن كل نكسة واجهها النضال زادت من تعقيد القضية التي هي معقدة في الأصل ؛ وبعد الهزائم العديدة باتت القضية على حال من التعقيد بحيث غدا مستحيلا إيجاد حل حاسم لها، ولو بالثورة المسلحة؛ إنما يتم الحل عبر مراحل . ساد بين الفلسطينيين ، لاسيما بين أوساط الإسلاميين شعار”النصر او الشهادة” دلالة على الوهم بان المعركة التي يخوضها صاحب الشعار سوف تحسم الصدام مع الصهيونية. وما يزال الشعار يدور على الألسنة بحكم قوة الاستمرار.
كيف طرحت الماركسية المسألة؟
يقول ماركس أن “البشرية لا تطرح على نفسها إلا المسائل التي تقدر على حلها، إلا تلك المسألة التي باتت شروط حلها متوفرة”؛ إن توصيف المعضلة الاجتماعية معبر للتغيير. تتوفر شروط الحل حين يتصاعد النشاط الجماهيري لدرجة كسر ميزان القوى الاجتماعي السائد . المجتمعات تطرح القضايا الناضجة للحل ، حيث تتوفر داخل المجتمع وسائل الحل . فهل من المنطق ان نركز على التحرير الشامل، في ظروف العجز عن ردع تطاولات المحتلين والمستوطنين اليومية؟ هل يدخل في باب الثورية المناداة بالتحرير الشامل بينما الاستيطان يبتلع الأراضي والمستوطنون يدنسون حرم الأقصى بدون مقاومة ؟ كيف ننتقل بغتة ، ومن دون مقدمات من خضوع عاجز لقانون قومية إسرائيل، “تعتبر الدولة تطوير استيطان يهودي قيمة قومية، وتعمل لأجل تشجيعه ودعم إقامته وتثبيته”، قانونا ينكر الوجود الفلسطيني على أرض وطنه ويرفض حقه في تقرير مصيره على أرض وطنه؟ كي لا يأتي شعار ” التاحرير الشامل” هروبا من الإشكال القائم او نمطا من المزاودة يجب ان تتوفر دلائل ، إشارات على قدرة الفعل وعوامل التغيير اللازمة ضمن الظرف الملموس، عملا بالحكمة اللينينية ، “الشعار الملموس في الظرف الملموس”.
لنتناول طرح ماركس ولينين لقضية الكفاح المسلح. لم ينظر ماركس الى النشاط المسلح الرد الطبيعي على الاستغلال الطبقي في كل مكان وزمان. وفي معرض الحديث عن أشكال النضال كتب لينين ان من يصر على شكل محدد للنضال إنما يتخلى عن الماركسية. ماركس، الذي شارك بنشاط في ثورة 1847 ، واستخلص منها الدروس، حذر عمال باريس من اللجوء الى العمل المسلح عام 1870، حين احتُلت فرنسا بجنود بيسمارك الألماني. غير ان ماركس، ما إن اضطرت الطبقة العاملة في باريس للانتفاض دفاعا عن شرف فرنسا وكرامتها القومية، مجد الحراك و دعمه مشيدا ببطولات المنتفضين وحشد لهم التضامن. التضحيات الجسام التي قدمتها الطبقة العاملة في كومونة باريس لم تمنع النهاية المأساوية لتجرؤ الطبقة العاملة على التمرد. هاجم ماركس ادعاءات البعض عدم اللجوء الى الانتفاضة .
يحسن الرجوع الى دروس ثورة أكتوبر.
عاد لينين الى روسيا في نيسان 1917، وكانت ثورة شباط قد وضعت في سدة الحكم قوى طبقية أحجمت عن إنجاز مهام الثورة البرجوازية. طرح لينين موضوعات نيسان المشهورة وفيها يعلن طالما البرجوازية تحجم عن إنجاز ثورتها فقد حان الوقت لأن تتقدم الطبقة العاملة الصفوف. أعلن عدم الثقة بحكومة كيرينسكي الانتقالية والعمل من أجل الإطاحة بها. انهمك البلاشفة في النشاط بين صفوف الشعب والطبقة العاملة لتغيير التناسب داخل مجالس السوفييتات، وأحرزوا نجاحات مضطردة في هذا الصدد. نضجت شروط الثورة في مدينتي بطرسبورغ وموسكو في تموز 1917؛ غير ان لينين، بحسه الثوري، رأى أن الأرياف غير جاهزة ولن يتحقق شرط التمسك بالحكم والحفاظ على الانتصارإلا بصك تحالف متين للعمال مع الفلاحين في الأريأف . الثورة ليست مجرد رغبة ذاتية ، بل واقع موضوعي.
التباسات الشعار اللينيني “الكفاح المسلح أرقى أشكال النشاط السياسي”
من الضروري التوقف عند هذا التقاطع . قيادة الثورة تتصور البديل الثوري ، وللاحتفاظ بالنصر يتوجب على القائمين بالثورة والمستفيدين من إجراءاتها الإمساك بمقاليد سلطتها ، كي ينجحوا في حراستها والحفاظ عليها ، حتى لا يسطو عليها سراق الثورات او تسترد الطبقة او الطبقات المطاح بها سيطرتهم من جديد. نظرا للاعتبارات المشار اليها اقتضي الأمر مواصلة العمل بين الجيش على الجبهة وبين الفلاحين يالأرياف، ومواصلة العمل في المدن الكبرى.
نضجت ظروف الإطاحة بالحكومة الانتقالية في أكتوبر ، حينها قال لينين أن حمل السلاح تتويج لنضال مثابر في أوساط الجماهير. كان التأييد عارما للثورة المسلحة ، والمقصود منها كضرورة، كسر مقاومة البرجوازية. الثورة تقترن وجوبا بدرجة عالية من الوعي الشعبي يستحيل أن تنجز مهمته بدون النشاط المثابر في أوساط الطبقة العاملة والجماهير الشعبية. نجحت ثورة اكتوبر بفضل التأييد الواسع في أوساط الشعب، وواكبت أرقى ديمقراطية في التاريخ. الكفاح المسلح نضجت ظروفه إثر تراكم نتائج النضال الشعبي، ولم يك بديلا للنضال الشعبي ؛ لم ينطلق عملية عشوائية، بل جاء ذروة حراك جماهيري متصاعد، يغذي الثورة المسلحة ويتغذى بتأثرات الكفاح المسلح. في تلك الظروف بات الكفاح المسلح أعلى شكل للنضال الطبقي. في خضم التغذية والتغذية الارتجاعية امكن التصدي لتدخل أربعة عشر دولة رأسمالية وقهر الثورة المضادة.
وبصدد شروط الثورة الناجحة حدد لينين لثورة 1905-1907 شروط الانتفاضة المسلحة مؤكدا ضرورة “تغير العلاقات الطبقية مع التقدم المضطرد للثورة، وكل تقدم ثوري حقيقي يعني جذب جماهير أوسع الى الحركة”. تغير العلاقات الطبقية في المجتمع يتم من خلال الحراك الشعبي، أي نهوض الجماهير من حضيض الخنوع المحبَط، الأمر الذي يستدعي بالنتيجة “مزيدا من الوعي بالمصالح الطبقية؛ يسفر عن المزيد من تجمعات حزبية سياسية اكثر تحديدا، وفراسة طبقية بمختلف الأحزاب، وفق خطوط دقيقة التحديد، ونتيجة ذلك كله استبدال المطالب السياسية والاقتصادية العامة والغامضة في تجريديتها، بمطالب عيانية متنوعة، محددة بوضوح لمختلف الطبقات”[البروليتاري عدد 16، 2 أيار1907]. فالكفاح المسلح مادته الاجتماعية بالضرورة والحتم جماهير اوسع باضطراد واكثر وعيا واغزر ثقافة و فراسة، حيث يتغذى الكفاح المسلح بالنهوض الشعبي ، ويغذيه بالمقابل. الكفاح المسلح لا يقتصر على بضعة افراد بينما يعزل مجموع الشعب مكتف الأيدي بانتظار “المهدي المخلص”.
ولينين هو مبتكر حرب الأنصار، على إثر إدخال المدافع تدك متاريس العمال المنتفضين: لم تعد المتاريس ناجعة تستطيع الصمود ، فجرى تعويض المتاريس بوحدات صغيرة تشاغل الجيش المنظم. حينذاك حذر لينين من التلاعب بسلاح الثورة؛ حمل السلاح يوجب على المناضل درجة عالية من الانضباط ومستوى رفيعا من الثقافة توفر متانة أخلاق تشكم زناد البندقية، فلا يوجه السلاح ضد الشعب، وهو المنذور للدفاع عن الشعب وتحريره. حمْل السلاح لابد ان تسبقه تربية سياسية وفكرية تدرك ان الجماهير الشعبية هي قوة التحويل الاجتماعي وليس الأفراد مهما عظمت شجاعتهم وتضحياتهم. لحمل السلاح قواعده كي يفضي الى النتيجة المظفرة. وذلك ما استرشدت به التحضيرات لثورة اكتوبر.
ونأتي على تجربة الثورات الوطنية المسلحة الناجحة في كل من فييتنام والجزائر وكوبا. فاستمرار المواجهة المسلحة حتى اضطرار العدو للتسليم بمطالب الثورة بني على نظام تغذية وتغذية ارتجاعية، بين الكفاح المسلح وجمهور الشعب؛ الكفاح المسلح استنهض حراكا شعبيا راح يغذيه باضطراد مثلما يتغذى منه. تغذية وتغذية ارتجاعية منحتا الكفاح المسلح طاقة الصمود والاستمرارية في تحد للعنف المضاد، وأكسبتاه دينامية التطور الى قوة غلابة جرفت الاحتلال الأجنبي الى مزبلة التاريخ. ونظرا لطبيعة القيادة تطورت الثورة الوطنية الى ثورة اجتماعية في كل من فييتنام وكوبا؛ بينما دخلت الجزائر متاهة المصالح الأنانية؛ الثورة الجزائرية ، وإن استحوذت على دعم ومساندة شعبيتين عارمتين، أخضعت لسيطرة عناصر قومية غير ديمقراطية عملت على إضعاف مسارها بمنحى اجتماعي .
اما الكفاح المسلح الفلسطيني فقد أخرج من الأردن نظرا لعزلته عن الجمهور الأردني بسبب عوامل لا مجال لذكرها ؛ ثم أبعد من لبنان لضعف التواصل مع الجماهير اللبنانية، خاصة في الجنوب.
أما المقاومة في لبنان فقد استقطبت الاحترام الشعبي الواسع، واستطاعت طرد الاحتلال من لبنان؛ وفي نفس الوقت دخلت قيادة المقاومة في حكومات “وفاق” جمحت في كنفها أنشطة لصوصية نهبت لبنان وافلسته بالكامل. وبدلا من مد اليد الى انتفاضة تشرين ثاني 2019 والإطاحة بحكم اللصوص الطائفي فقد انحازت المقاومة للحكم الطائفي ووضعت نفسها في الخط الأمامي للدفاع عن نظام اللصوصية!! حاليا يرسف النظام اللبناني في ازمة عميقة ذات تأثير قاس على الجماهير الشعبية اللبنانية ، وتتكالب القوى المعادية للمقاومة لاستثمار الأزمة كي تطيح بنفوذ حزب الله والمقاومة في لبنان.
مقابل ثورات مسلحة انتصرت عشرات الثورات واجهت الهزيمة ، في آسيا وإفريقيا واميركا اللاتينية نشبت ثورات ردود أفعال للسيطرة الامبريالية أو طغيان الأنظمة الديكتاتورية أمكن عزلها عن مجموع الشعب وفقدت القدرة على إنجاز مهامها، انطفأت جذوتها او تواصلت في الأماكن النائية، عاجزة عن التفاعل مع الجماهير المقهورة . شاع في الأوساط الرجعية في أميركا تعبير تجفيف البحر، ردا على شعار الثوريين اننا سمك يعيش في بحر الشعب. وبالفعل اتخذت إجراءات قمعية شرسة في المناطق المرشحة لإيواء الحركات الثورية. وتلعب الثقافة الرجعية أدوارا في تضليل الجماهير الشعبية وإبقائها احتياطيا لها. الثورة تغيير بالعقول والمفاهيم والقيم؛ اما حمل السلاح وحده فلا يشكل ثورة.
بالمقابل تسلمت الحكم في أميركا اللاتينية بصورة سلمية منظمات اجتماعية يسارية استحوذت على ثقة الجماهير. ورغم ضغوط الامبريالية الأميركية وحصارها الشرس استطاعت الحركات ان تصمد بالتفاف شعبي حولها . وفي الولايات المتحدة الأميركية أظهر مثال حركة الزنوج أن جريمة قتل جورج فلويد التي راقبها العالم بالصوت والصورة قد أشعلت حراكا شعبيا بمنحى طبقي الى جانب تضامن دولي عرّف العلم بمحنة السود داخل النظام العنصري الأميركي، وابرز في الوقت نفسه محنة شعب فلسطين ، ذلك أن أسلوب كتم أنفاس فلويد تم استيراده عن سلطات الأمن الصهيونية بفلسطين.
الكفاح المسلح ليس خيارا مزاجيا ولا هو مجرد سلاح أمضى من سلاح ؛ فهو نشاط اجتماعي يلتزم بظروف موضوعية وحالة نفسية للجماهير وعلاقات طبقية تنم عن انهيار الثقة بالسلطة القائمة، وعدم استطاعة السلطة الحكم بالطرق السابقة، مثلما هو –الكفاح المسلح- ظاهرة اجتماعية تحكم سيرورتها نواميس . يضاف لذلك كله عوامل ذاتية تتمثل بإعداد الكوادر الحزبية للعمل في أوساط الجماهير وقيادة تحركها . فقد ألح لينين على ” تكوين المناضل الواعي والثوري” وذلك بوجوب ” أن يرتسم في ذهنه صورة واضحة للطبيعة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المميزة لمالك الأرض ورجل الدين وموظف الدولة الكبير والفلاح والطالب ، ويجب أن يعرف ما هي نقاط القوة ونقاط الضعف في كل منهم ، وان يدرك معنى كل عبارة منمقة ومغالطة تحاول بها كل طبقة أن تموه مساعيها الأنانية وحقيقة ما يعتمل داخلها.”
المبدأ الثوري واجب المراعاة هو عدم جواز إكراه الجماهير على امر لم ينضج وعيها للقيام به. وعلى الحزب الثوري او الأحزاب الثورية ، خاصة كوادره/ها العاملة في الأوساط الشعبية، أن يلقي اللوم على الذات ان أبدت الجماهير ترددا او إحجاما يفشيان عدم الرضى عن توجه سياسي. وحين نقوم بمراجعة نقدية لتجربة المقاومة الفلسطينية خلال عقود، ندرك سبب أو أسباب تكسر المقاومة المسلحة. لا بد من الإجابة على السؤال : لدى نشوب المواجهة المسلحة هل تمت مراعاة الظروف الموضوعية وتوفر لوازم الغلبة، ام هو الانجرار خلف الاستفزازات الماكرة والكيدية، والانطلاق بعفوية وارتجال؟ . ورغم الانكسارات تتكرر دعوات الشروع بالكفاح المسلح بدون المقدمات اللازمة لخوض كفاح مسلح غلاب!
وعامل ذاتي آخر يجري نسيانه على الدوام. إن إقدام الجماهير على التحدي والتضحية مشروط بوعيها لحقوقها المصادرة، واستشراف الهدف الذي تضحي من أجله. أحيانا في بدايات النهوض تطرح امام الجماهير مهمات بسيطة يفضي إنجازها بنجاح الى رفع المعنويات والثقة بالنفس.
خلاصة القول ان رفع منسوب الوعي الشعبي من خلال تصعيد الحراك الشعبي بات ضرورة ملحة. المقاومة الشعبية هي الرافعة الوحيدة المتوفرة بالضفة الغربية والأداة الاجتماعية الوحيدة التي يمكن توفيرها لردع الأبارتهايد الصهيوني الاقتلاعي. المقاومة الشعبية بطبيعتها تستقطب تضامنا شعبيا على الصعيد الدولي، الذي بات له تأثيرات سياسية رادعة وغلابة بالنسبة للقضايا العادلة، سيما وأن بشاعة نظام الأبارتهايد أكدت عدالة قضية الشعب الفلسطيني، قضية إنسانية اكتسبت عواطف التضامن على نطاق واسع. بات اتساع التضامن الأممي يملي ضرورة مأسسة التفاعل المخصب معه وتحويله الى حركة أممية موحدة تكافح الهيمنة الامبريالية والتمييز العنصري وادعاء تفوق العرق الأبيض بكل ما تنطوي عليه من مخاطر على الحياة فوق كوكبنا.