مطالعة في شرعية ووحدانية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية للشعب الفلسطيني
يونس العموري | فلسطين
في ظل التشكيك بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده، وفي ظل الواقع الفلسطيني الراهن ووقائع الشرذمة والتجاذبات وتصفية الحسابات ما بين الكبار والامراء ، وبصرف النظر عن مناصرة الحق وللحق وجهات نظر مختلف عليها، وفي ظل الأطروحات السياسية الجديدة القديمة التي تتمثل بالكثير من الاجتهادات التي باتت بعيدة كل البعد عن الثوابت والحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني وجماهيره المناضلة في سبيل الحرية وتقرير المصير وانجاز الدولة وعاصمتها القدس غير القابلة للقسمة او التقسيم ، وبحق السيادة الوطنية غير المنقوصة، وفي ظل إسقاط الحق المشروع والعام بالمقاومة على مختلف أشكالها وتنوعاتها وأرقى أشكالها المسلحة بشكل او بأخر ، وفي ظل مؤامرة انهاء وانتهاء ومحاولة شطب المنظمة كعنوان تمثيلي للشعب الفلسطيني بشكل حصري ووحداني، وفي ظل تناقض وتناحر الخطاب الفلسطيني الذي لا يرتقي لحد التنسيق المشترك ولا حتى للحد الأدنى من التوافق على مختلف القضايا الوطنية الكبرى، وفي مقدمتها قضايا الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، وفي ظل التجرؤ على وحدانية وشرعية التمثيل للإطار المنظاتي الجبهوي وتحديدا من جهات تدعي البحث الأكاديمي او التنظير الفكري السياسي البعيد عن وقائع الواقع الفلسطيني عموما ، وفي ظل هذا الكم الهائل من تضارب المواقف وخربشات اللحظة يأتي انعقاد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي يساهم بشكل او بأخر بزعزعة مكانة منظمة التحري الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.
وقد يكون هناك وجهة نظر لطرح تساؤل حول منظمة التحرير وهل ما زالت الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده…؟؟ وهو الشعار الذي لطالما بقي الأكثر وضوحا والأكثر قبولا للجماهير الفلسطينية بمختلف مناطق الأراضي الفلسطينية المحتلة وأماكن الشتات واللجوء، وقد شكل هذا الشعار مرتكزا أساسيا من مرتكزات تشكيل منظومة الوعي الوطني والقومي للفلسطينيين بمختلف تواجدهم وتنوع مذاهبهم ومشاربهم الفكرية والأيدلوجية وبالتالي رؤاهم السياسية، وأمام هكذا مستجدات وفي ظل هذه التطورات والتداعيات في البحث عن الحلول (الخلاقة) والهرولة وراء الحل بصرف النظر عن طبائعه إن كان فعليا سيحقق الحد الأدنى من الأهداف الفلسطينية، وكما أسلفنا في ظل تراجع وتخبط الخطاب الوطني الفلسطيني وعدم مقدرة المؤسسة الفلسطينية على إنتاج خطاب وطني موحد قادر على مواجهة تشرذم وتشتت الأطروحة الفلسطينية تصبح معها مسألة كمسألة وحدانية وشرعية التمثيل من قبل منظمة التحرير موضع تساؤل كبير، بل من الممكن اعتباره موضع تشكك وتشكيك حول حقيقة وطبيعة وجودية هذه المؤسسة التي اعتبرت بمثابة الوطن المعنوي الذي منح الشعب الفلسطيني هويته الحضارية من خلال التجمع الجبهوي الشعبي الائتلافي العريض المسمى منظمة التحرير الفلسطينية والذي استوعب كل أشكال الفعل الفلسطيني السياسي والدبلوماسي والشعبي والنقابي وبالتالي المسلح، وكان هذا البيت هو الحاضنة التي تصب فيها كل الرؤى والأفكار ومن ثم تكون صياغة المواقف الوطنية الفلسطينية بما يتناسب وحدود التوافق الوطني مع الأخذ بعين الاعتبار الهوامش للرأي والرأي الأخر في الإطار العام لمنظمة التحرير…
ان منظمة التحرير الفلسطينية ومنذ بداياتها وحتى الأمس القريب عملت على تعزيز توالف قواها وتعزيز تحالف مسارات البنادق المقاتلة المناضلة لتحرير الأرض والانسان ولم تحاول ان تعمل على شطب احد من القوى والفصائل الوطنية العاملة على الساحة الفلسطينية وان كانت المناوشات والمناكفات في كثير من الأحيان سيدة الموقف ما بين تلك القوى، وان حاولت تلك القوى العمل على تعزيز نفوذها وسيطرتها على مؤسسات المنظمة وبرغم المحاولات المحمومة للكثير من الأنظمة العربية للعبور والولوج الى تلك المنظمة عبر الوجوه الفلسطينية والتي لم تتوقف على مدار سني عمر المنظمة، التي حاولت حرف مسار فعل المنظمة عن اساسياتها، الا ان تلك المنظمة وحتى الأمس القريب لم تحاول ان تتنصل من أدبياتها الأساسية التي قامت عليها ولم تحاول الالتفاف على جوهرية وجوديتها، وبالتالي استطاعت برغم الكثير من الأخطاء ان تحافظ على مسارها الإستراتيجي واستحقت ان تكون ممثلة الشعب الفلسطيني الشرعي والوحيد حيث التفت حولها جماهير الداخل والخارج ومنحتها كل الثقة كونها قد رأت بأطروحاتها ما يستحق ان تعتبرها ممثلة له وكونها تعبر عن اردته بالعودة وحق تقرير المصير، وحيث ذلك فلا يوجد خلاف بين الفصائل الفلسطينية المختلفة أو بين أبناء الشعب الفلسطيني على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي المظلة الكبيرة والبيت الجامع لكل الفلسطينيين، أو هكذا كانت على الأقل، لكن في الوقت نفسه لا يخفى على أحد أن المنظمة بشكلها وتكوينها وشخوصها الحاليين لا تمثل الشعب الفلسطيني بأي شكل من الأشكال، في ظل ميثاق مخترق، ولجنة تنفيذية غير جامعة، ومجلس وطني لابد من اعادة حسابات تشكيله، وفي ظل أطروحات سياسية متناقضة مع اساسيات المنظمة، وفي ظل هيمنة وتفرد الكثير من الشخوص ومراكز القوى المتنفذة التي تسعى لتطويع المنظمة بما يتلاءم ونزعاتها السياسية، وبوجود شخصيات يجمع الكثيرون على رفضها لتبنيها مبادرات تسقط حقوق الشعب الفلسطيني.
إن وحدانية وشرعية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية تنطلق من التمسك بالثوابت والحقوق الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها حق العودة إلى الأماكن والممتلكات الأصلية، ومن خلال الحق المشروع بالمقاومة وبكافة اشكالها، ومن خلال خدمة الجماهير وتبني قضاياها، وليس من خلال حلول تلفيقيه، يتم صناعتها في أماكن اخرى غير الأماكن الفلسطينية ذاتها.
وبذات الوقت لابد من اعادة الاعتبار للمنظمة وتجسيد حقيقة انها تمثل المرجعية العليا لكافة المؤسسات الفلسطينية الرسمية بما في ذلك مؤسسة السلطة الفلسطينية التي لابد لها ان تعمل وفقا لرعاية وتوجيهات منظمة التحرير وفض الاشتباك ما بين مؤسسات السلطة ومؤسسات المنظمة واعتبار المؤسسات السلطوية انما تدور في فلك المنظمة وتوجيهاتها وبرامجها، وحكومة السلطة تعمل وفقا لهذا التوجه بمهام محددة ومحدودة وواضحة والحكومة الفلسطينية عليها تنفيذ القرارات الصادرة عن مؤسسات المنظمة بكل ما يتصل بالشأن السلطوي، واعادة الاعتبار لدوائر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وان تمنح الحق بممارسة صلاحياتها وبرامجها بعيدا عن الاشتباك والتشابك مع مؤسسات السلطة، كالشأن السياسي العام للتوجهات الفلسطينية وشؤون العلاقات الخارجية مع العالم والشأن المالي وشؤون الاسرى والشهداء والحق بالمقاومة فاذا كانت السلطة محدود ومكبلة الصلاحيات وامتداد صلاحياتها جغرافيا محصورا بمناطق السلطة ( الضفة الغربية وقطاع غزة ) فلابد من الانتباه الى ان المنظمة صلاحياتها ونطاقها الشرعي يمتد الى كافة اماكن التواجد الفلسطيني بمعنى الشتات والاهم في القدس ومناطق ال 48 وهو الأمر الذي يعني ان مكونات الجماهير الفلسطينية مكونات اصيلة والمنظمة بكافة تنوعاتها ومشارب أطرها وتشكيلاتها انما تمثل هذا الكل من اقصى اليمين الى أقصى اليسار لطالما هناك التزام بالحقوق الوطنية التاريخية لجموع القوى والفصائل والاحزاب الفلسطينية العاملة على الساحة وكذلك كافة التشكيلات الجماهيرية الشعبية والاتحادات التمثيلية لمختلف شرائح هذه الجماهير ( العمال، الفلاحين، النقابات، الشباب، المرأة، الكُتاب والصحافيين … الخ ) ولا ننسى هنا حملة البنادق والمناضلين سواء من كانوا في أطر المنظمات النضالية او تلك المعبرة عن ذاتها بالعمل الكفاحي، كتائب شهداء الاقصى، كتائب ابو علي مصطفى، وكافة التشكيلات التي لها كل الحق بالولوج والعبور الى ساحة منظمة التحرير وان كانوا ممن يتبعون بشكل او بأخر لفصائل العمل الوطني وهنا لابد من التأكيد على ان العمل الوطني بمختلف اشكاله من الممكن ممارسته شرعيا ووفقا لكافة القوانين والمواثيق الدولية من خلال منظمة التحرير الفلسطينية فقط وحصرا، وهذه حقيقة وحقيقة غير قابلة لأي تفسير او اجتهاد بغير تفسيره القانوني والشرعي، من هنا لابد من التمسك والدفاع عن وحدانية وشرعية منظمة التحرير الفلسطينية ولابد من الحفاظ عليها مع ضرورة اصلاحها وتأطيرها وفقا لنظامها الاساسي وبما ينسجم ويتوافق مع الميثاق الوطني دستور المنظمة ، وحتى يكون ذلك ممكنا فلابد من عودة الأمور الى نصابها الصحيح من حيث الالتزام بالميثاق الوطني ومواده واللوائح والأنظمة الداخلية للمنظمة وتنفيذ قرارات المجالس الوطنية والمجالس المركزية، فيما يخص القرارات السياسية او تلك التنظيمية لشؤون المنظمة وعدم التغول عليها وتهميشها.
ان إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير لا يتأتي من خلال انعقاد دورة هزيلة للمجلس المركزي وتمرير القرارات وفقا لما يُراد لها ان تكون ، بل من خلال أولا وقبل شيء الالتزام بقرارات هذه المجالس وتنفيذية على ارض الواقع ، فحينما يصدر قرار عن المجلس الوطني والمجلس المركزي على سبيل المقال بسحب الاعتراف بدولة الاحتلال ووقف التنسيق الأمني مع أجهزة الاحتلال الأمنية فيعني ذلك على كافة الجهات ذات الاختصاص تنفيذ هذا القرار فورا دون انتظار أي تعليمات أخرى ، واي تعليمات او قرارات تصدر متناقضة وهذه القرارات تعتبر باطلة وغير شرعية ومخالفة للقانون، حيث ان قرار المجلس الوطني او المركزي بمثابة قانون.
ان منظمة التحرير الفلسطينية وهي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده ، وحتى تظل كذلك لابد ان تحافظ على وحدتها واطرها لا ان تعمل على تقويض هذه الشرعية من خلال انعقاد دورة للمجلس المركزي يعتدي على صلاحيات المجلس الوطني ، ويصبح قوام المجلس المركزي محل تشكيك في شرعيته من خلال الطعن بعضويته حيث ان البعض من أعضاء المركزي كان دخولهم للمركزي من خلال عضوية المجلس التشريعي للسلطة والذي تم حله وبالتالي كيف لهم ان يظلوا أعضاء لطالما ان المؤسسة التشريعية ذاتها قد تم حلها من قبل رئيس السلطة ، وأيضا لابد من الانتباه لشرعية التمثيل تتطلب الالتزام أولا واخرا بقرارات الهيئات القيادية الشرعية للمنظمة وهي كثيرة لم يتم الالتزام بها.
اعتقد ان وحدانية وشرعية تمثيل منظمة التحرير تتعرض للخطر والاهتزاز من قبل القيادة الرسمية لها، والتي صادرت دورها وقوضت اساساتها واستخدمتها وفقا للحاجة ولمتطلبات المصلحة، وهنا لابد من حراك تنظيمي ووطني يسجل مواقفه المبدئية للحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده وحمايتها من خلال استعادتها ممن اختطفوها وصادروا دورها.