حكايا من القرايا ” أيام المشمش “
عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين
في فلسطين، في خمسينيات القرن الماضي، وفي الستينيات وحتى السبعينيات، كان المشمش أحد المواسم المهمة… أتذكر في منطقة جنين، في بلدة سيلة الظهر والفندقومية والعطّارة، وكفر راعي وصولاً إلى بلعا كانت هناك غابات مزروعة بهذه الشجرة الرومنسية الحلوة… شجرة المشمش، وكنت تراها على أنواع ثلاث:
العلوي: ثمرة حمراء، غاية في الحلاوة، تنضج قبل الأنواع الأخرى، في منتصف الشهر الخامس تقريباً… وهي سهلة التسويق؛ كونها مبكرة النضج…
البلدي: ثمرة أصلب من العلوي، وهي أقل منها حلاوة، وتنضج بعدها…
الحموي: ملك المشمش، بل امبراطور الفواكه، ثمره جميل الشكل، كخد العروس، أبيض فيه لمسة من الحمرة… عندما يستوي وينضج، فإنه يقطر شهداً… ينضج في الشهر السادس.
أما هذا المشمش الموجود اليوم في الأسواق، كنا نسميه “مشمش كلابي” ونواته مرّة… ولا يتقاطع مع طعم مشمشنا أبدا… ولعلّ جيل الشباب اليوم لا يعرفون المشمش إلا كلابيّاً…
في موسم المشمش، كنت ترى الصناديق الفارغة تنقل إلى العماير، حيث تقطف الثمار، وتفيض بالصناديق… تحملها الدواب إلى وسط البلد، وسيارات الشحن الكبيرة تنقل إلى الأسواق… أيام سعيدة… وموسم سعيد، كان الفلاح يحل كثيراً من احتياجاته المادية فيه، خصوصاً عندما يتلوه موسم البيادر… موسم الغلّة والخير والعطاء، فتسمع زغاريد الفرح والأعراس، وترى أضواء التعاليل، وتشارك في مواويلها ودبكاتها، وتسهم في صناعة السعادة…
أيام المشمش، يتغذى الفلسطيني على المشمش، ويتحلى بالمشمش، ويتسلى بأكل نوى المشمش… ترى سقوف البيوت وقد غطيت بالمشمش، ليجف ويصبح ” نقوعاً ” وترى حبال الغسيل وقد علّق عليها لاحات قمر الدين، وكأنها قنابيز ودمايات من بساتين الجنة… وترى الأرض مفروشة بمهروس المشمش إما لطبيخ التطالي أو لصناعة ألواح قمر الدين… حتى الشوارع معبدة بنوى المشمش، وبالثمر… ما شاء الله… خير كثير…
تسمع القاطفين في البساتين يقولون الزجل والعتابا… والحكايت القديمة الجميلة… وترى ختيار يصفّط الثمار في صناديقها، والأولاد ينقلون الصناديق على الدواب إلى سيارات الشحن…
أزكى الحبّات وألذّها… ما كان في الندى وقد نضج كثيراً وسقط عن الشجرة… وكانوا يقولون “مرحرح ومندّى” أي يشبه راحة الحلقوم حلاوة بل يفوقها… وقد وشوشت قطرات الندى الحبّة الحمويّة الموشاة بالحمرة… يا أيام السعادة عودي… بالله عليك عودي… يا أيام أبوي وجدودي… عودي… عودي… وعودي…