أدب

لفلسطين نغنّي مع ديوان “صهيل في مرابع الدم” للشاعر السوريّ فرحان الخطيب

بقلم : صالح هواري| شاعر وناقد


لفلسطينَ نُغنّي .. وكيفَ لا .. !؟
وفلسطينُ زيتونةُ الله في أرْضهِ، ما مسّ زيتُها قلباً إلّا أضَاء، وفلسطينُ ليستْ لنا وحدَنا أيّها الأحرارُ في العالم، إنّها قَضيةُ كلّ إنسانٍ كابدَ مرارةَ النّفي والاغتراب، ولا أظنُّ أنَّ ديواناً لشاعرٍ خَلا من قصيدةٍ أو أكثر عن فلسطين متعاطفاً معَها، ومُعبّراً عن مأساتِها التي تصرخُ جراحاتُها على مرْأى عالَمٍ كصًخرٍ أصمّ.. ومن هؤلاء الشّعراء الّذين تنكّبوا بندقيةَ الدّفاع عن فلسطين الحَبيبة، الشّاعر العربي السّوري الأصيلُ فرحان الخطيب الذي تجذّرت عروبتهُ في قلبهِ العاشقِ لسورية وفلسطين على حدّ سَواء.. وإنّكَ لتشعرُ أيّها القارىءُ وأنت تخوضُ غمارَ ديوانه “صهيلٌ في مرابع الدّم “ أنك أمام شاعرٍ مُبدعٍ، في قصائدهِ إيقاعاتُ التّفْعيلاتِ العروضيةِ مع إيقاعِ وجدانهِ المفعمِ بالوطنية.. ليشكلَ الإيقاعان نشيدَ الحياة الكريمة المكتنزةِ بظلالِ حُبّ الوَطن.. ففي قصيدته “طوفانُ الأقصى” استجابةٌ عفْويةٌ للحَدثِ العظيم الذي فجَّرَهُ رجالُ المقاومةِ في “غزّةَ ” فهزَّ أركانَ العالم، وعبّرَ عنه الشّاعرُ فرحان باندفاعٍ وطنيٍّ جارفٍ عبْرَ أُسْلوبٍ فنّيٍّ مُشْرِقٍ البيان، بعيدٍ عن الغموضِ والإبهام، يقولُ منتقداً الصّمتَ العَربيّ:
مَاتتْ مُروءتُهم بجَوْفِ رِمالهِم وتمنّعتْ عَنْ سَترِهم أكْفانُ
يَا ويلَها منْ أمّةٍ مَكْلومةٍ هانَ الرّجالُ وتَاهتِ الفُرْسانُ
وفي قصيدةِ “غزّة” يتصاعدُ ألمهُ لِمَا فَعَلهُ جيشُ الحقدِ الصُّهيوني بأطفالِ”غزّة” إذْ قصفَ البيوتَ وهَدمَها فوقَهم دونَ رحْمةٍ، يقول:
سَرقوا مناديلَ الطّفولةِ ..
من على حَبْلِ الغسيلِ ..
وَأطلقُوا من فوّهاتِ عيونِهمْ ..
جيشاً من الحقد المُعلّبِ في دَهاليزِ الصّدورْ ..
ويخاطبُ الشاعرةَ فدوى طوقان متفائلاً ومبشّراً بالنّصر الذي قطفهُ رجالُ المقاومة في غزة عن شَجرِ صُمودِهم العظيم، فيقول:
فدوى ..
يطلُّ على ضِفَافِ الرّوحِحلمٌ ..
اسمه القسّامُ يعدو ..
في حقول النّصرِ..
يمسحُ ..
عن عُيونِ الأمّهات مواسمَ الحُزنِ الجَميلْ ..
أمّا من حيثُ البناء الفنّي، فإنّ قصائدّ الديوان تنتظمُ في خيوط النفعيلات بمهارةٍ فنيةٍ فائقة، لأنّها من خلال هذا التشكيل العَروضي الحرّ تنبثقُ سيمفونيةُ الغناءِ الوجْداني الفيّاضِ بالحَماسِ والدّفءِ والصّدق.وهذا ما جَعلَ خيوطَ الغنائية في كلّ قصيدة، ما يجعل روحَ المتلقي تنسابُ مع النّصّ انسياباً عفويا جارفاً، وكمَا بًدا لي فإنّ قصائدَ هذا الدّيوان جاءتْ من شعرِ التفعيلة، أجاد الشاعر الخطيب صياغتَها وأحكمَ نظمَها، يقول في “رسالة من شهيد”:
إلى وطني ..
تحياتي من الفردوس أهديها ..
مخضّبةً ..
بريح المسك والبارود والحنّا ..
محلاّةً بطيب المرجِ ..
والصفصاف والمنجلْ ..
هذا وإلى جانب هذه الغنائية العذبة، تأتي المباشرة التي لا بدّ منها في مثل هذه القصائد التي تبشّر بقضية، وصاحبُ القضية كفيل بتوصيل أفكارهِ بوضوحٍ ودون التفاف أو تحايلٍ على اللغة، أو اللجوءِ إلى الرّمز والإبهام .أمّا عن البلاغة فحبّاتُ دُرَرِهَا تتناثرُ بينَ طيّات القصائد فتجمّلها، كما في قوله مخاطباً محمود درويش:“وردُك المشكول في خيط الرجوع..” جاء التشبيهُ بليغاً إضافيّاً، فقد شبه الرجوعَ بخيط، فجعل التركيب جميلاً حين أضاف إليها “وردك المشكول”. وفي قوله مخاطباً الشهيد أحمد ياسين استعارة مكنية، حيث شخّص التراب، فجعله إنساناً حين قال:“تقطّر زهرُك المجدولُ من وجع التّراب”. والكناية في قوله: “كلّما جفّت ضروع الإبل، وقلّ الجنى بالنّخلِ” كناية عن الإحجام عن تقديم الخير. وأمّا المنهلُ اللغوي الذي استقى الشاعرُ منه مفرداته، فهو مختلف في كل نص، ومتجدد، ابتعد الشاعر من خلاله عن المفردات المتكررة والتراكيب الجاهزة، فقدم لنا كنْزَهُ الإبداعي جليّاً متألّقاً يأخذ بتلابيب اهتمام القارىء، ويشدّه إليه لجماله وسحر تعبيرهِ .
وللشاعر فرحان الخطيب كلُّ تقديرٍ ومحبة لتقديمهِ هذا الديوان عن فلسطين الحبيبة، وأشدُّ على يدهِ شاعراً أثبتَ حضوره النّاصع على الساحة الثقافية كشاعرٍ مبدعٍ، وناقدٍ فذّ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى