سماء بلا أصوات

محمد صابر / مصر 

كان يقود سيارته بأقصى سرعة ممكنة على طريق الواحات، تجلس بجواره ترتدى قميص نوم قصير يبرز مفاتنها و حجاب، لماذا ترتدى الحجاب؟ ينظر بالمرأة الخلفيه يجد من يضاجعها على المقعد الخلفى، يتغلغل الكوكايين بدمه أكثر ويزيد نسبة الإدرنالين بالدم.

قبل ساعات……

عاد إلى المنزل فأرتبكت، لماذا ترتبك؟
كان جسدها ساخن و أنفاسها متهدجة، رائحة رجل أخر تخرج من فمها، ألم تكن تعلم أنه سيعود اليها مثل كل ليلة، أم أنها تمنت أن لا يعود أبداً، ذهبت لتحضير العشاء فراح يبحث بأرجاء المكان عن بقايا الرجل الذى دنس معشوقته، فلم يجد شيئاً، لقد كان هنا أنا متأكد يصرخ عقله و ينتفض قلبه، ربما هذه مجرد خيالات لا وجود لرجلٌ أخر، من المؤكد أن حالة النفور التى أصابتها منى خلال الأيام الأخيرة هى ما يصيب الأزواج من ملل، لكن الرائحة قوية رائحة الرجل الأخر أو ربما الرجال الأخرين.
يراها بأحلامه تضحك بخلاعة، تلقى بنفسها بين أمواج من سواعد سوداء تملأها عروقاً من الدم الأزرق، يخلعون عنها ما ترتديه، يتحسسون جسدها، تضحك و تضحك حتى تغوص بين أمواج من السواعد السوداء، يركض بعيدًا عنها يلهث من الركض، ليجد نفسه معلقًا على حبل المشنقة، يستيقظ محمومًا مرعوبًا صارخًا، يشعر بيديها تربت على كتفه فينظر إليها ليجد أربعة كلاب ينهشون لحمها تهمس و هى تنظر إليه سامحنى ، ينتفض من مضجعه يشهق لنفاذ الأكسچين من رئتيه، ينظر إليها بحذر و هو ينهج و إذ بها تغط بنومها فى سلام، ينظر يمينًا و يسارًا فإذا بالغرفة هى الغرفة، يترك الغرفة و يذهب للحمام يضع رأسه داخل الحوض تحت الماء البارد عله يهدأ.
يجلس بالشرفة يدخن و يدخن حتى إمتلأت منفضته، ينظر للسماء كان القمر بدراً تداعبه غيمات الخريف المتلاحقة، تكشف عن نوره و تحجبه، تسائل لماذا لا تنطق السماء؟ لماذا لا تصدر صوتاً؟
يسبح فيها الغيم كسرب حيتان أخرس، و القمر القابع فى هدوء ألا ينبغى له أن يصرخ، ما بال النجوم لا تغنى أم أنها تفعل و لا يسمع، هدوء يقتل يهيج النفس و ينخر بنخاعه.

بعد قليلٌ من الوقت ترك الشرفة متجهًا لغرفة المعيشة، ألقى بنفسه على الأريكة المقابلة للتلفاز فلقد أصبح سريره ممتلئًا بنبات الصبار، راح يبحث عن جهاز التحكم ليدير التلفاذ حين لفت نظره كيسًا صغير يظهر طرفه من تحت الأريكة الجالس عليها، مد يده أخرجه و تفحصه، كيس صغير بداخله بودره بيضاء اللون كُتبَ عليه بالأزرق ( زهرة اللوتس )

إذاً هذا هو الدليل، دليل الخيانة، فتح الكيس و وضع القليل من محتواه بكف يده، تحسس ملمسه و طعمه و تأكد أنه كوكايين ، ثارت أعصابه و هاجت، راح يتخيل دمائها تسيل بين يديه، يقطعها بأسنانه أو يلقى بها من أعلى جبل و يتركها و جبة للطيور الجارحة، كيف سيثأر منها ؟
دقات قلبه فى تزايد، و العرق يندى جبينه، نهض من مكانه و أتجه بسرعة لغرفة النوم، كانت ما تزال نائمة، إنقض عليها، أخذها من شعرها ألقى بها على الأرض، صرخت ماذا تفعل؟ واجهها بالدليل فأنكرت، رمته بالجنون فزاد غضبه، أغلق باب الغرفة و وضع بعض محتويات الكيس بكف يده، ثم إنقض عليها مرة أخرى واضعًا يده بالكوكايين على فمها و أنفها حتى تستنشقه، قاومت و لكنه كان أقوى، تشنجت ثم توقفت تماماً عن الحركة، تأكد أنها الأن جثة لا روح بها، نزل من فوقها سحف بظهره بعيدًا عنها حتى إرتطم بقطعة أثاث، رأها أمامه ملقاة على الأرض، جسدها شبه عارى شعرها يغطى وجهها الملطخ بالكوكايين ، إنفجر بالبكاء حزنًا عليها و على ما أقترفت يداه.

بعد لحظات قرر أن يتماسك و أن يمسح دموعه فهى الخائنة التى أتت على نفسها بذلك، إستجمع ما لديه من قوة و شجاعة حتى يستطيع التفكير ماذا سيفعل؟ حين قرر النهوض و قعت عينه على الكيس و المتبقى فيه من الكوكايين ، قرر أن يأخذ ما فيه لنفسه و ينهى حياته هو الأخر ، إستنشق الكوكايين و لكنه لم يأتى بالنتيجة المرجوة، فقط شعورٌ بالسكينة و السلام مما جعله يغفو للحظات، رأى فيها نفسه فوق غيمة بيضاء بسماء مليئة بالأصوات، أصوات عذبة تغنى له و تناديه، تذهب الغيمة نحو النداء الذى كلما أقترب منه ذادت عزوبته و وضوحه، رأى بوابة من الغمام ، توقف أمامها تنفتح البوابة رويدا رويدًا ليخرج من خلفها نورًا ذهبي جعله يغطى عينه، يسمع صوتاً مألوفًا قادم من داخل البوابة، ينظر داخلها فإذا بها هى تنادى عليه، جميلة كعادتها يتطاير شعرها الناعم و هى تطفو متجهة إليه بردائها الأبيض، يقترب منها يمد يده إليها، تمسك به تسحبه فى إتجاهها، ظن أنها ستقبله فأغمض عينيه، يشعر بحرارة شديدة من أسفل قدميه، فتح عينيه ليرى مسخًا بقرونٍ مشتعلة يمسك به من رأسه، يفتح حفرة من اللهب يرميهِ فيها، يصرخ بلا صوت، ينظر له المسخ و يقول تذكر أن السماء بلا أصوات، فينتفض من غفوته مرتعدًا.
قرر أن يتخلص مِنهَا، ذهب للمطبخ أتى بسكيناً كبيرًا، قطع جثتها و وضعها بأكياس قمامة سوداء، نزل حاملًا الأكياس و ضعها بصندوق سيارته و أنطلق إلى طريق الواحات ليدفنها بالصحراء.

بعد أن أتم مهمته عاد للمنزل و أغلق الباب و دخل لغرفة نومه ألقى بنفسه على الأرض

بعد ثلاثة أيام……….

تلقى قسم شرطة التجمع الخامس بلاغ عن رائحة نتنة تخرج من إحدى الشقق السكنية، توجهت قوة من القسم للتحقيق، بعد طرق الباب عدة مرات قرر الضابط كسر الباب.

أمام النيابة…….

يدلى الضابط بأقواله
عند دخول الشقة و جدنا جثة منتفخة غير محددة الملامح ملقاة على أرضية غرفة النوم، بجوار الجثة سكين مطبخ كبير و كيس كوكايين ماركة ( زهرة اللوتس )
و بسؤال حارس العقار أفاد أن الجثة لصاحب الشقة و شهد بأنه رأه منذ ثلاثة أيام يخرج فجرًا ثم رأه مرة أخرى بعد ساعتين عائدًا متسخاً و كأنه كان يتمرغ فى التراب و أنه لم يراه منذ ذلك إلا عندما طلبنا منه أن يتعرف على الجثة، و بسؤال حارس العقار عن ما يعرفه عن صاحب الشقة أفاد أنه يعيش وحيداً منذ ثلاث سنوات بعد أن طلق زوجته التى تركته بسبب إدمانه للمخدرات، و بأنه لم يخرج من شقته منذ أربعة أشهر إلا نادرًا

و عندما كنت أتحدث مع حارس العقار جائت سيدة فى بدايات العقد الرابع ترتدى حجاب و ملابس فضفاضة قالت أنها طليقته، و بسؤال السيدة أقرت أن إحدى الجارات إتصلت بها منذ ساعة و أبلغتها بما يحدث فجائت فى عجل، و قد تعرفت على الجثة و أقرت أنه زوجها أحمد على درويش الزينى، يبلغ من العمر ثلاثة و أربعون عامًا، رجل أعمال ومدمن لمخدر الكوكايين ، و بسؤالها عن ما تعرفه عنه، أقرت أنه كان يعانى من إضطرابات نفسية و عصبية كثيرة، و كان هذا هو السبب الرئيسى لإدمانه المخدرات، و قد ذهبنا للطبيب النفسي قبل طلاقنا بعام و قد وصف حالته -بجنون الارتياب – و هو عملية غريزية أو فكرية تتأثر بشدة بالقلق أو الخوف غالبًا إلى حد التسبب بالوهم واللاعقلانية، أو الإيمان بالمؤامرات المتعلقة بتهديد محتمل تجاه المريض.

تقرير الطبيب الشرعى……..

لا وجود لشبهة جنائية بالحالة، نتجت الوفاة عن هبوط حاد بالدورة الدموية أدى إلى نزيف بالمخ بسبب تناول جرعة كبيرة من مخدر الكوكايين.

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى