إطلالة نقدية على نص: افتراض الوقت للشاعر عبد الحكم العلامي

قراءة: د. بهاء الدين سيد | مصر

أولا النص: (افتراض الوقت)

شعر: عبد الحكم العلامي 

كنت أتمنى لو كنت عازفا
على آلة العود
لو أنني آخذ هذه الآلة العجيبة
بين أحضاني
أضعها قريبة من قلبي
وأفاخر بعزفي عليها بين
الصويحبات تارة
وتارة أخرى
ببن الصحاب !
ثم أهمّ بها إلى تيك البوادي
في الهزيع الأخير
من الليل ،
ألقى السلام على كلٌ من مرٌوا
من هنا ذات شتاء
من الروائح والغوادي !
وألقيه على كلٌ من مرٌ
مرة – ولو كانت عابرة –
بشارع أبي نواس
في درة البلاد
بغداد !
أغني لهؤلاء وهؤلاء
لحنا طروبا
أستعيد به السحر المفارق
من عيون المها بين الرصافة
والجسر
لحنا أستعيد به
القصي من الأحبة
والصحاب !
أستعيد به
ما كان من زرياب ،
ثم أستوقفه على شواطئ
نهر دجلة تارة
وتارة أخرى على شواطئ
الفرات !
وأحكي له – وهو العارف بمقاصد العشاق –
قصص النشاوى الأولين
منذ ليلى العامرية
إلى ولٌادة
وابن زيدون :
/ الأمير العاشق
/ والأميرة العاشقة !
استبدل نغمات هذه الآلة العجيبة
بأنٌات ناى مولانا جلال الدين
وهو يبثٌ لوعة فراق الأحبة
في رجيعه منذ أن قُطع
من حقول الغاب
في أرض الأحباب !
وأقول لزرياب :
قل لي فديتك كم تبقى من الوقت
لديك حتى الآن ؟
فيجيبني :
لحنان وشاعر
وقينتان ،
تلقاهمو – على هوى –
في انتظارك بجوار قصر الخليفة
على وعد بإذن الدخول
قبلما بهرب الوقت
من بين أيدينا
فيأخذنا إلى حيث
لا زرياب آب
ولا ولٌادة بنت المستكفي
عاجلت وقتها
للإياب !!
نسيت أن أقول:
ونحن في الطريق إلى دارة المتنبي
كنت قد سألت زرياب ،
هل رأيت الموصلي ؟
فجاوز الطريق ثم همّ بي
– وهو يمعن النظر –
موجها كلامه إلي :
نخلة في البيد ،
تسوق تمرها علي مهل
في طريقها إلى درة البلاد
/ إلى بغداد !
حيث صبية هناك على مداخل الأحراش
في انتظارها ،
وصبايا هنا على مشاهد الممر ،
يحلمن بالرطب !
ثم جاوز الطريق وهم بي
– وقد أدرك الخطر –
نسيت أن أقول :
وعندما هممت ممسكا
به !
تذرع بالطريق
وكلفة السفر
ثم أمعن النظر
وعندما هممت ممسكا
به مرة أخرى
تلاشى كالسراب
كأنني قد خانني التوقيت
إي وربي
خانني التوقيت !
فلا طريق ثمٌ تقودني
إليه ،
وليس من أثر !!

ثانيا – القراءة النقدية
الجميل أن تنشد الشعر، والجميل أيضا أن تعزف موسيقي علي العود أو الناي، لكن الأحلي والأجمل والأرق أن تشدو بقصيدة تمتزج فيها الموسيقي والشعر كأنهما فن واحد. وأري أن تحليل هذه القصيدة الماتعة لن يستطيع ناقد واحد أن يسبر أغوارها ويصل إلي مكنون الشاعر العلامي.

إن الناقد الأكاديمي المتخصص في الشعر والذي يحاول أن يحلل جماليات هذه القصيدة لابد أن يكون ملما بتاريخ الموسيقي عموما والموسيقي العربية خصوصا، ويقرأ عن الفنانين العرب الموجودين في القصيدة.. يعرف من زرياب شيخ المطربين في العصر العباسي، ويقرأ عن العشاق ويرجع إلي مثنوي مولانا جلال الدين الرومي، ثم يعرج علي ابن زيدون حيث الموشحات الأندلسية، ثم يرجع إلي الفارابي في كتابه عن الموسيقي الكبير وهو من اخترع آلة العود.

ثم إن القصيدة بها نزعة صوفية واشراقية واضحة وهي سمة تميز الإنتاج الفني لشعر عبد الحكم العلامي منذ ديوانه الأول حتي ديوانه الأخير فضلا عن كتاباته النقدية بين التصوف والشعر في الماجستير، وببن الأدب والتصوف فيما أسماه بلاغة العرفان في الأدب الصوفي عن رسالته للدكتوراه!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى