أدب

مقتربات السيميوطيقيا في سرديات عبد الزهرة عمارة

قراءة مسافاتية في كتاب الدكتور مصطفى لطيف عارف

بقلم: الدكتور مسلم الطعان

بنشاط أدبيّ ونقديّ مائز، دأب السارد والناقد الأكاديمي المثابر الأستاذ الدكتور مصطفى لطيف عارف على مواصلة إنتاجه الإبداعيّ المنبجس من حفرياته الجمالية في الخطاب الشعري والسردي المعاصر، إذ يشتغل بصبر وأناة على قراءة المنتج الإبداعيّ وفق مقتربات سيميائية (علاماتية) يفكك بنيتها وتأثيرها الثيَّمي في ذائقة وتفكير القارئ الجماليّ، وخير مثال على ذلك كتابه النقدي الموسوم ( مقتربات السيميوطيقيا في سرديات عبد الزهرة عماره) الصادر في عام 2022 عن دار أمارجي للطباعة والنشر. ولو حاولنا عرض الكتاب وفق منظورنا المسافاتيّ، مبتدئين بتفكيك بنية أو عتبة العنوان مسافاتيَّاً نجد أن كلمة (مقتربات) ذات دلالة أو علامة مسافاتيّة، فالناقد يقترب من أو يبتعد عن الخطاب السردي على قدر تأثره بالمسافة الجماليّةAesthetic Distance التي تومض له علاماتهاSigns وكأنها مصابيح جماليّة تضيئ عتمة النص. أما مصطلح السيميوطيقيا أو السيميائية ، كما يسمّيه البعض، هو تعريب لكلمة Semiotics وهو العلم الذي يعنى بالعلامات وتأثيرها في الخطاب الإبداعيّ، وأرى بأن العلاماتية يمكن أن نلبسها ثياب المسافاتية، فكل علامة هي مسافة ذات وقع جماليّ في ذات منتج النص وقارئه، ونرى أيضا أن كلمة (سرديات) يمكن قرائتها مسافاتيَّاً ، فكل قصة أو رواية هي عبارة عن مسافة أو مسافات سردية بين الراوي- السارد Narrator والقارئ الجماليّ Aesthetic Reader المستقبِل للرسالة العلاماتية لذلك الفعل السرديّ Narrative Action.
يتحدث مؤلف الكتاب في المقدمة عن المقتربات السيميائية في الخطاب السردي للكاتب العراقي عبدالزهره عماره بوصفه كاتباً سارداً غزير الإنتاج، وأن رواياته وقصصه القصيرة لم يسلط عليها الضوء بدراسات نقدية تستحقها، و يؤكد الدكتور مصطفى لطيف عارف أن سبب اختياره لسرديات الكاتب عبد الزهرة عماره هو أنه ( صاحب منجز أدبي كبير لم تسلط عليه الأضواء الإعلامية والنقدية، إلا بعض المقالات التي كتبت عنه وهي قليلة جداً لا تتناسب مع منجزه الإبداعيّ، ص٨ المقدمة).
ويعرّج الدكتور مصطفى على أهمية الشعرية في السرديات المعاصرة، ويحاول جاهدا ً أن يفكّ الالتباس أو التشابك المغلّف بالغموض عند قراءة مفهوم الشِعرية Poetics، إذ يقرنه البعض بالشعر، ولكني أحسبُ بأنّ الشِعرية قد تجاوزت مسافة النص الشعري ودخلت في مسافات سردية و درامية ونقدية وتشكيلية وسينمائية، ومن هنا يمكن قراءة الشِعرية مسافاتيَّاً.
إن الجهد النقدي الذي بذله المؤلف كان منصّباً على (استنطاق البنية السردية في سرديات القاص والروائي المبدع عبد الزهرة عماره الذي يمثل نسجاً من الإلتواءات التي ظهرت في الساحة الروائية العراقية.ص٧، المقدمة)، وبذلك فأن الناقد قد أستطاع تفكيك تلك البنية السردية سيميائياً، أي أنه سلط الضوء النقدي على تلك المسافة السيميائية لمنتج الكاتب بوصفه قاصا و روائياً.
ومن الأهمية بمكان أن نذكر أن الناقد هنا قد درس المسافة الأسلوبية للقاص والروائي، وعلاوة على ذلك فإن المسافة الزمكانية لن تغيب عن باله على الإطلاق، فهو يربط بين أسلوب الكاتب واللعبة الزمكانية في خطابه الإبداعي الذي ( تميّز بأسلوب يحيل اليوم إلى فن اليوميات أكثر من فن السيرة، فهو يوم ليس ككل الأيام ، أو هو احتدام الأيام في دورة زمان قياسية محددة، تتصادم فيها أيام الدكتاتورية مع أيام الاحتلال، ساعات الإحباط بأوقات الأحلام، ص٨، المقدمة).


وفضلاً عن مقدمة الكتاب المهمة، يوزع المؤلف فصول كتابه وفق العناوين الآتية:
١-فضاء السيميوطيقية في رواية ( فادية).
٢-قراءة سيميائية في المجموعة القصصية الموسومة (الشمس تشرق في عيون الناس).
٣-سيميوطيقيا السرد في رواية ( كلاب في الظلام).
٤-قراءة سيميولوجية في المجموعة القصصية الموسومة ( السكرتيرة والخريف).
٥-السيرة الغيرية في رواية ( غداً سأرحل).
٦-العتبات النصية في المجموعة القصصية ( قطة في الطريق).
٧-قراءة حداثوية لسيميوطيقيا العتبة في رواية ( والتقينا في بروكسل).
٨- المونتاج السينمائي في رواية ( الخدم في إجازة).
٩-قراءة لشخصية روازكريدي في رواية ( عاشقة من كنزاربا).
١٠-سيمولوجية الذات وجمالية الآخر في رواية (دماء في بحيرة الأسماك)، وهي عبارة عن دراسة تُعنى بالمسافة السايكولوجية.
ثمة علامة جماليّة من الجدير أن نذكرها للقارئ الكريم، أتسمت بها شخصية الناقد الواعي المثابر الذي يتابع كل شاردة و واردة في الشارع الثقافي، وهي إنّ النشاط الإبداعي والنقدي- الأكاديمي الملفت للأنظار للأستاذ الدكتور مصطفى لطيف عارف لا يقتصر على التأليف والبحث والدرس الأكاديمي فحسب، بل تعداه إلى مد الجسور الإنسانية والجمالية مابين الكاتب المبدع بوصفه شاعراً أو سارداً أو ناقداً والطالب- الباحث الأكاديمي، وبهذا الفعل فإنه فتح كوة في الجدار الأكاديمي الكلاسيكيّ النزعة، لتطل من خلالها شمس الحداثة، وبهذا الفعل الجريء قد تمكن الدكتور مصطفى من كسر القيود الكلاسيكية للدرس الأكاديمي، و في ذات الوقت أخرج المبدع من برجه العاجي وخلّصه من داء النرجسية المتورمة، وجعله وجها لوجه مع الباحث الأكاديمي-الحداثوي الذي يناقشه ويفكك خطابه الإبداعي، ويعدّه لدراسة أو بحث أكاديميّ رصين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى