الحب بعد التسعين !
بقلم: علي جبار عطية
استوقفني الأسبوع الماضي خبر عقد قران جرى في محكمة الأحوال الشخصية في محافظة ديالى لشيخ أرمل من كركوك عمره ثلاث وتسعين سنة على شيخة أرملة من السليمانية عمرها إحدى وتسعين سنة على مهر معجل مقبوض يبلغ عشرة مثاقيل ذهب عيار ٢١ ومهر مؤجل مثله يُدفع عند الطلب.
لم تذكر تفاصيل أخرى عن العروسين لكنَّ الصورة التي نشرت مع الخبر لعلها تفصح عن حب بدرجة ما جمع بين الشيخين الأمر الذي يدعو إلى التساؤل عن سر تلك الطاقة التي يمنحها الحب، ويعطي للحياة طعمها، وجدواها .
هذا الخبر مُحفّز، ويفتح نافذةً للأمل للمتقدمين بالعمر، أو ممن وصلوا إلى سن التقاعد، أو أرذل الفجر لعلَّ ضوءاً شارداً يمكن صيده في النهاية، وإنْ كان تناول مثل هذه الأخبار دليل على ندرة حصولها !
بالتزامن مع هذا الخبر أثارتني لافتة خُطت بخط الرقعة، ووضعت على ظهر عجلة تكتك جاء فيها: (أنا المتعوب من صار العمر رقمين) !
تساءلت مع نفسي: ما الذي عاشه سائق العجلة الشاب الذي لم يتجاوز عمره العشرين سنة من تجارب مريرة، وماذا كان يقول لو عاش عمراً بثلاثة أرقام كما عاشته المعمرة النجفية التي توفيت الأسبوع الماضي عن عمر ناهز الـ ١٢٣ سنة؟
أعود إلى فيلسوف الشعر والحكمة المتنبي حين يقول :
وَلَذيذُ الحَياةِ أَنفَسُ في النَفـسِ
وَأَشهى مِن أَن يُمَلَّ وَأَحلى
وَإِذا الشَيخُ قالَ أُفٍّ فَما مَلّ
حَياةً وَإِنَّما الضَعفَ مَلّا
آلَةُ العَيشِ صِحَّةٌ وَشَبابٌ
فَإِذا وَلَّيا عَنِ المَرءِ وَلّى
تقارير الأمم المتحدة تشير إلى أنَّ عالمنا آخذ في الشيخوخة الأمر الذي يوجب وضع سياساتٍ جديدةٍ للتعامل مع هذا الواقع الجديد.
جاء ذلك في التقرير الاجتماعي العالمي لعام ٢٠٢٣م الصادر عن إدارةالأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية.
حمل التقرير عنوان: (عدم التخلي عن أحد في عالم آخذ في الشيخوخة) حدد فيه
أسباب شيخوخة العالم بتحسن العلاجات الصحية، وزيادة الوصول إلى التعليم وانخفاض معدلات الخصوبة داعياً إلى وضع سياسات تضمن رفاه كبار السن(هل الحب مِنْ ضمن الحاجات أو الرفاهية؟)، وهناك من دعا كليات الطب إلى أن يكون فيها تخصص جديد وهو (طب كبار السن) كما يرى الخبير في شؤون السكان ودراسات الهجرة الدكتور أيمن زُهري الذي ينظر إلى أنَّ زيادة عدد المعتمرين تجعلنا نفكر بشكل مختلف بالخدمات الصحية والاجتماعية، فالمعمرون يجب أن يندمجوا ضمن نشاط اقتصادي معين، حتى لا يكونوا عبئاً على أسرهم.
لكن تعالوا لنُقلِّب الأمر من جهة أخرى ونتعرف إلى أحدث المعلومات عن سن الشيخوخة.
فبحسب موقع (ميديسين نت) المختص في الشؤون الطبية، فإنَّ شيخوخة الجلد لدى الإنسان تبدأ، وهو في الخامسة والعشرين من العمر، وليس في الخمسين أو الستين كما قد نعتقد، وأنَّ الشيخوخة تبدأ على نحو بطيء وتدريجي، ففي الخامسة والعشرين، يتوقف جسمنا عن إنتاج مادة الكولاجين، وهذا الأمر يؤثر على تماسك البشرة ونضارتها، وهو يختلف من شخص إلى آخر، ويمكن للفرد أن يتبع بعض الخطوات حتى يحافظ على بشرته من زحف التجاعيد لبعض الوقت حين يتبع نظاماً صحيا في الأكل والنوم.
وبشكل عام، فإنَّ الشيخوخة تبدأ في سن الثلاثين؛ إذ يبدأ الجسم الذي يتكون من أربعة عناصر هي الدهون والعضلات والعظام والماء يفقد الكتلة العضلية، وتبدأ أعضاء مهمة مثل الكبد والكلى في فقدان بعض خلاياها، فيما تفقد العظام عدداً من المعادن، وتصبح أقل كثافة (.. إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا)
وعندما يتراجع نسيج العضلات في الجسم، فإن ذلك يقود مباشرة إلى انخفاض مستوى الماء لدى الإنسان، بينما تزداد نسبة الدهون بشكل ملحوظ، حتى أنها قد ترتفع بواقع الثلث مقارنة بمستوى سنوات الشباب.
يوصي الخبراء لأجل تفادي أعراض الشيخوخة قدر الإمكان بممارسة التمارين الرياضية باستمرار، وعدم الركون إلى الخمول، واتباع نظام غذائي صحي غني بالخضراوات، والفواكه والحبوب الكاملة والدهون الصحية،مع الاستمرار بدخول التحديات، والصداقة النافعة، وصلة الأرحام، وتوثيق العلاقة مع الله عز وجل.
يقول عالم الاجتماع السويدي بيريوهانسون في مقاله الموسوم بـ (الربع الأخير من العمر) الذي نُشر مؤخراً : (وأخيراً وأظن ذلك هو خلاصة حكمتي في هذه الحياة : نحن نعلم جيداً أننا لن نستطيع أن نضيف وقتاً إلى حياتنا، ولكننا يمكن أن نضيف حياةً إلى وقتنا) .