أ. د. عوض الغباري | القاهرة
هذا عنوان كتاب ألفه محارب فارس صيني شهير اسمه “سون تزو” وترجمته من اللغة الإنجليزية إلى العربية الدكتورة/ إيناس عمر الصاوى في سلسلة “اقرأ” العدد “815” بدار المعارف . وهذا الكتاب، كما تقول مترجمته، من أهم الكتب التي اشتهرت في الاستراتيجيات العسكرية ، وقد استخدم مؤلفه مغزى تكتيكيا عاما استفاد منه العسكريون، وكان هدفه التناغم بين القائد وشعبه للوصول إلى استقرار الوطن بالقيادة الحكيمة( ).
وكتاب “فن الحرب” يعد سيرة عسكرية لمؤلفه الذى سرد وقائع انتصاره في الحرب استنادا إلى عنصرى التنظيم والإدارة رغم قلة عدد جيشه قياسا إلى كثرة عدد جيش الأعداء.
وتقرر مترجمة الكتاب الدكتورة/ إيناس الصاوى أن الدروس المستفادة منه يمكن تطبيقها، أيضا، في عالم الاقتصاد والتجارة والسياسة( ).
وتشير إلى ترجمات ذلك الكتاب إلى اللغات المختلفة، وقد ذاع صيته بعد الحرب العالمية الأولى.
ثم قدمت المترجمة عرضا لسيرة مؤلف كتاب “فن الحرب”، “سون تزو” وقد ولد عام 551 قبل الميلاد، وتعنى كلمة “تزو” المعلم أو الحكيم الذى بلغ المراتب العليا في العلم والفلسفة.
وملخص استراتيجيته وحكمته أن الحرب ليست انتصارا فقط، وإنما هي كيفية تجنب الهزيمة، والخروج منها بأقل الخسائر، وكذلك تحقيق النصر دون قتال إذا أمكن( ).
ويتكون كتاب “فن الحرب” من ثلاثة عشر فصلا، أولها بعنوان: “وضع الخطط” ويقوم على نصائح للاستعداد للمعركة وترتيب حسابها وتنظيم وحداتها وتعديل خططها وفقا لمتغيراتها، والطاعة لقادتها، ووسائل خداع العدو، فالحرب خدعة.
والفصل الثانى بعنوان: “خوض وشن الحرب” ويذكر فيه عدد الجيش وعدته وفق آلياته، والحكمة في تجنب استنزاف قوة الجيش ومعداته في الحروب الطويلة.
لذلك فالحكمة تتمثل في تقصير أمد الحرب لتجنب استنزاف موارد الدولة، وتحقيق آمال الشعب في الأمن والاستقرار.
وترتبط تكتيكات الحرب في هذا الكتاب بوسائله القديمة، وعدته العسكرية مثل العربات الحربية، والدروع والخوذ والأقواس والأسهم والتروس والجياد والثيران( ).
كذلك ما يرد في الفصل الثالث من استراتيجية الحرب عند الهجوم على المدن ذات القلاع والأسوار والحصون.
أما الفصل الثالث فعنوانه “الهجوم باستخدام الخداع”، ويرى مؤلف الكتاب أن الاستيلاء على مدينة العدو غنيمة كاملة أفضل من تدميرها، وأسر الأعداء أفضل من قتلهم، وأن الانتصار في الحرب ليس قمة المهارة، وإنما هي كسر إرادة العدو دون خوض للقتال، وكذلك إعاقته وإفشال خططه.
ويقدم المؤلف المشورة العسكرية فيما يتعلق بقواعد النصر بمعرفة المحارب متى يحارب ومتى لا يحارب، وكيفية التعامل مع شتى أشكال القوة ودعم الجيش معنويا وجودة تجهيزه، كذلك معرفة النفس ومعرفة العدو لأن “معرفتك بعدوك ستجعلك تعرف متى تدافع، وعلمك بنفسك سيعرفك كيف تهاجم”( ).
ويتناول الفصل الرابع بعنوان “الخطط والمناورات التكتيكية” تحركات الجيوش المتنازعة من أجل الحصول على معلومات عن الطرف الآخر للحماية من الهزيمة بوضع خطط تكتيكية دفاعية، وانتهاز الفرصة للنصر، ويشترط الحذر والسرية لتحقيق ذلك.
وتأتى عبارات كتاب “فن الحرب” أشبه بالحكم مثل قول مؤلفه “الانتصار في الحروب والمعارك يأتي بعدم ارتكاب الأخطاء”( ). وكذلك يأتي النصر بالتفكير وفق استراتيجية المنتصر.
وعنوان الفصل الخامس : “القوة العسكرية والخطط الاستراتيجية” وهو متصل بالفصل السابق، وكثير من عبارات الكتاب متشابهة في الفصول المختلفة أيضا.
ويضع الفصل الخامس الأسس لتنظيم الجيش وإدارته والعمل على قوته، ومعرفة نقاط الضعف والقوة لك ولعدوك. كذلك المزج بين الهجوم المباشر وغير المباشر والاندفاع القوى عند الهجوم.
ويجب إحكام الهجوم، وخداع العدو بالتخفى خلف الضعف الظاهرى عبر الخطط والمناورات التكتيكية لتحقيق نصر مباغت، ولابد من تضافر قوى الجيش لتحقيق النتائج العظيمة.
ويتناول الفصل السادس نقاط الضعف والقوة، ومن نقاط القوة الاستعداد للمعركة والهجوم على النقاط الضعيفة للعدو، ومفاجأته بالهجوم من حيث لا يتوقع، وتشتيت قواه، واتباع الأسلوب السليم في إدارة الحرب حسب ظروفها.
وعكس ذلك يعد من نقاط الضعف( ).
والمناورة العسكرية هي موضوع الفصل السابع، وعلى القائد العسكرى التخطيط لها، وتنظيم تنفيذها، وضبط إيقاعها دون إنهاك الجنود. كذلك لابد من الاهتمام بتوفير مؤن الجيش، ودراسة تضاريس ميدان المعركة، والإفادة من معطياتها.
وينصح مؤلف كتاب “فن الحرب” المقاتلين بأن تكون الخطط الحربية غامضة تماما “مثل الليل المظلم لا يستطيع أحد فهمها إلا رجالك، وعندما تقوم بالتحرك فلتكن كصاعقة السماء”( )، ليجمع بين سرية الحركة العسكرية وقوتها.
أما الفصل الثامن وعنوانه : “الخطط الحربية التكتيكية المتنوعة” فتنويع على الفصل السابق مرشدا إلى تجنب الارتكاز في البلد التي لا توجد بها مصادر مياه أو طعام، أو تكون صعبة التضاريس. ولا بد من الإفادة بخبرات الحرب في مساراتها المختلفة، وعدم التهور في اتخاذ قراراتها.
كذلك من الواجب تذليل الصعاب في مواجهة الحرب، وإيجاد الحلول والدراسة لرد فعل العدو، وإرباك صفوفه، ومن هنا “ينجح الجزء الأساسى من الخطة العامة”( ).
و”التحرك بالجيش” هو عنوان الفصل التاسع ويشير المؤلف فيه إلى وجوب تحديد أماكن ضرب جيش العدو، ومراقبة كل ما يصدر عنه. ويرسى قواعد الحرب في الأماكن الجبلية، والأماكن المستوية، وبالقرب من الأنهار، أو المستنقعات مقررا أفضلية الأماكن المرتفعة عن المنخفضة، والمشمسة عن المظلمة.
كما يشير إلى خطورة الأرض ذات المنحدرات الحادة، والتي تكثر فيها السيول، ويحذر من الاقتراب منها. وهذه الأماكن الصعبة يمكن استغلالها في وضع الكمائن ودس الجواسيس وأفراد الاستطلاع.
ويتناول هذا الفصل العلامات التي تشير إلى تحرك جيش العدو، وطرائقه في التمويه والخداع، واستعداده للهجوم، وغير ذلك.
كذلك يعالج ما يجب على القادة معرفته من أسس عسكرية ونفسية في التعامل مع الجنود بحيث تسود الثقة المتبادلة بين الجنود وقوادهم، فيتبدد القلق والخوف من نفوس أفرد الجيش( ).
وموضوع الفصل العاشر “التضاريس” من أرض سهلة، وأرض محاطة بالمخاطر، وأخرى تحوى عوائق أو مرتفعات خطرة أو شديدة البعد عن العدو .
وينصح “المؤلف” بضرورة الاستيلاء عليها لحماية خطوط الإمداد، وتحقيق الانتصار.
ويرسم الخطط للتعامل العسكرى في مثل هذه الأراضى ذات التضاريس المختلفة للتغلب على مصاعبها إذا درسها القائد المسئول دراسة جيدة.
ويعدد “المؤلف” المخاطر الناجمة عن الأخطاء التي يتسبب فيها القائد العسكرى وتؤدى إلى الهزيمة مثل تمرد الجنود عليه إذا كان ضعيفا، أو عاجزا عن تقدير قوة القوة.
ويؤكد أن التروى في حساب الصعاب والمخاطر والمسافات هي الاختبار الأكبر للقائد العظيم( ).
والقائد الذى يهتم بشئون وطنه هو جوهر تاج الدولة. ويختم هذا الفصل بقوله: “وهكذا نستطيع أن نقول إنك لو عرفت عدوك جيدا، وعرفت قوتك، فالنصر سيصبح مؤكدا، وإذا عرفت طبيعة أرض المعركة وسمائها فحتما النصر سيكون كاملا”( ).
ويوسِّع “المؤلف” الكلام في “تضاريس أرض المعركة” في الفصل الحادى عشر بعنوان “الحالات التسع”، لكنه يشبه “فن الحرب ” في هذه الحالات بتضاريس الأرض.
فالقتال في أرض على مسافة قصيرة من العدو، مثلا، كالأرض السهلة، والتحرك بأرض بها طرق جيدة متصلة كالأرض المفتوحة ، و”فن الحرب” المهارة في التعامل مع الميدان، وترتيب مواضع الهجوم أو التراجع، والاستفادة من مزايا الأرض، والسرعة هي أساس الحرب( ).
وغزو البلاد الخصبة مهم حتى يمكن إمداد الجيش بالطعام( )، وعندما ما يواجه الجيش الموت يصمد في الدفاع( ).
وينصح “المؤلف” بجعل طرفى الجيش سريعى الرد عند الهجوم “كما لو كانا عضوين في جسد واحد”( ).
أما عنوان الفصل الثانى عشر فهو: “الهجوم باستخدام النار”، وذلك عن طريق الاستعداد التام بالأدوات اللازمة، واختيار الوقت والحال الملائم للهجوم بالنار، والطقس شديد الجفاف هو الأنسب لذلك( ).
والفصل الثالث عشر، الأخير بعنوان: “كيف يمكن استعمال الجواسيس؟”. وهذا مهم لمعرفة أحوال العدو وإعداد العدة للحرب، وهنا يمكن استخدام الجواسيس، خاصة الاستراتيجيين وهم مَن يعودون بالأخبار من معسكر العدو( ).
وينصح المؤلِّف بالتعامل معهم بكل دقة وذكاء ومهارة. والكتاب ممتع، وأسلوب المترجمة الدكتورة “إيناس عمر الصاوى” سلس، ورؤيتها للكتاب عميقة إذ ترى أن كتاب “فن الحرب” يؤكد أن الحرب فن وفكر، وأنه سيرة لمؤلفه، وهذا صحيح لأن كل فصل فيه بدأ بعبارة “قال سون تزو”، وهو الفارس الذى حقق الانتصارات العظيمة.
كما تؤكد “المترجمة” أهمية هذا الكتاب دستورا لمبادئ الخطط الاستراتيجية الناجحة التي تقود إلى الانتصار.