الحركة الوطنية الفلسطينية والمشروع السياسي الموحد

محمد زهدي شاهين | فلسطين

من أجل معرفة مآل الحركة الوطنية الفلسطينية مستقبلاً ووضع تصور معين يساعد ويعمل في الحفاظ على متانتها وترابطها لا بد من الاطلاع وقراءة ماضيها وحاضرها.

فقد كان الانقسام والاختلاف في البرامج والرؤى السياسية للأحزاب الفلسطينية من السمات البارزة التي رافقت مسيرة حياة الحركة الوطنية خلال وعبر سنوات النضال الطويلة التي خاضها الشعب الفلسطيني وقدم فيها الغالي والنفيس من أجل نيل حريته واستقلاله واقامة دولته المستقلة على كامل ترابه الوطني من ثم على حدود الرابع من حزيران عام 1967م.

لقد كان عدم الاجماع على برنامج سياسي موحد احد العوامل المهمة التي ادت الى استنزافنا على مدى سنوات طوال.

إذ نجد الانقسام حاضراً في المشهد الفلسطيني منذ ثلاثينيات القرن المنصرم من خلال الانقسام واختلاف التوجهات السياسية ما بين حزب الدفاع الوطني بزعامة آل النشاشيبي، والحزب العربي الفلسطيني بزعامة آل الحسيني.

أضف إلى ذلك ظهور وإنشاء العديد من الأحزاب والفصائل الفلسطينية جراء الانقسامات والتشرذم في صفوف الحركات الفلسطينية خلال هذه الرحلة الشاقة والطويلة من تاريخ قضيتنا، ونتيجة لذلك تعددت المرجعيات مما حال دون الاتفاق على برنامج سياسي موحد بحيث كان هذا الامر يمثل خنجر مسموم في خاصرة قضيتنا الوطنية.
كل ذلك تمخض عنه العديد من المشاكل والمعضلات، من أهمها ظهور زعامات فلسطينية متعددة كان للبعض منهم ولاء لبعض الأنظمة العربية، وانخرط آخرون في اتون معارك لا فائدة ولا طائل منها اثرت سلباً على مجريات الأحداث.
نجد انفسنا اليوم امام تكرار نفس الأحداث وكأنما التاريخ يعيد انتاج نفسه بنفسه وبعبارة أدق كأنما نقوم باجترار الماضي، فلا يوجد لغاية الآن إجماع وطني على برنامج عمل موحد والانقسام هو سيد الموقف. مع هذا وبالرغم عن ذلك نجد بأن عماد الحركة الوطنية الفلسطينية بقي محافظاً على بنيته وهناك العديد من الأخطاء التي وقع فيها الفلسطينيون في الماضي لم تتكرر في الحاضر من بينها على سبيل المثال لا الحصر عدم التدخل في الشؤون العربية والانخراط في النزاعات الموجودة على الساحة العربية الآن.
لهذا فمن المهم في خلاصة الأمر ضرورة وضع خطة عمل موحدة وبرنامج سياسي واحد يُجمع عليه الكل الفلسطيني بحيث يكون عمادً للحركة الوطنية الفلسطينية يتم العمل من قبل الجميع على انجازه في الوقت المحدد وهو ما اشرت إليه في عدة مقالات سابقة بشكل مقتضب وهو ما تم التوافق على النقطة المركزية فيه فيما بعد من قبل الأمناء العامين للحركات والفصائل الفلسطينية في اجتماعهم الذي عقد في الثالث من سبتمبر من هذا العام، وهي تبني خيار المقاومة السلمية في ظل هذه المرحلة الدقيقة. وهنا لن أقول بأن قاطرة هذا الاجتماع خرجت عن مسارها وسكتها مبكراً بل تأخرت قليلاً في الانطلاق.
إن اجتماع الأمناء العامين وما تمخض عنه كان بمثابة انعطاف حاد نحو تصحيح المسار الفلسطيني برمته، إذ يقربنا من خلال اختزال الوقت إلى ما كنا نسعى إليه في نيل الحرية والاستقلال من خلال الابتعاد عن المناكفات أولاً والتركيز على تنفيذ الخطة وخارطة الطريق الفلسطينية ثانياً، كما أن هذا الاجماع يحمل في مضمونه اجماع لمرحلة أخرى لاحقاً.
إن الاصطفاف من قبل الحركات والأحزاب الفلسطينية خلف رئيس منظمة التحرير الفلسطينية وتبنيهم هذا التوجه يحسب لهم وموقف يثمن يشكرون عليه خاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
والمشروع السياسي يمكن تلخيصه في النقاط التالية:
أولاً: إسقاط وابعاد مفهوم الاستنزاف للقضية الفلسطينية من اجندة هذا المشروع إن كان من خلال إطالة أمد المفاوضات أو من خلال المقاومة بكافة اشكالها.

ثانياً: تبني خيار المقاومة السلمية كخيار استراتيجي وجعله شعاراً للمرحلة.

ثالثاً: تحديد سقف زمني من خمسة الى عشرة اعوام كحد اقصى للمقاومة الشعبية السلمية، وضرورة الالتزام به من قبل الجميع كونه محدد بسقف زمني، وهذا يمثل ورقة ضغط فلسطينية على كافة الاطراف المعنية بحل القضية الفلسطينية لا نقطة ضعف.

رابعاً: العمل على تحديد من هو العدو، هل هو الاحتلال بشكل مجرد أم يشمل هذا المصطلح حلفاءه بناءً على قاعدة صديق عدوي هو عدوي وعدو عدوي صديقي، فالسقف الزمني يحتم علينا ذلك.

خامساً: العمل على تحسين العلاقات مع كافة الدول الإقليمية العربية والإسلامية دون تحيز فيما يخدم قضيتنا الوطنية.

سادساً: البدء بتنفيذ مخرجات اجتماع الأمناء العامين، وتشغيل الماكينة الفلسطينية خلال هذه السنوات بكامل طاقتها القصوى من أجل مراكمة قوانا الذاتية ومعالجة كافة الاخطاء والاخفاقات المتراكمة من أجل تمتين الجبهة الداخلية الفلسطينية من خلال اعادة بناء وترميم جسور الثقة بين مكونات الشعب الفلسطيني.

الدولة من جهة ومن جهة اخرى ما بين الجماهير والاحزاب والحركات الفلسطينية، ويكون للإعلام الرسمي وغير الرسمي حتى الفردي على شبكات التواصل الاجتماعي دوراً بارزاً في تعزيز الروح الوطنية وإعادة الاعتبار للهوية الوطنية الفلسطينية التي اصبحت تخبو يوماً بعد يوم لعدة اسباب، إذ بدى من الواضح تفكك النسيج الاجتماعي والوطني الفلسطيني.
لقد قاوم الفلسطينيون الاحتلال عبر سنوات طويلة وتعددت الوسائل والطرق من بينها انتفاضة الحجارة عام ٨٧، وانتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠، والآن تم تبني المقاومة الشعبية السلمية، وكلها في مدن الضفة الغربية وقطاع غزة.

إن قضية فلسطين من القضايا المركزية العالمية وهذه القضية كالمركبة التي يجلس خلف مقودها نحن الفلسطينيون فأين ستكون وجهتنا القادمة في حال فشل مشروع التسوية الذي يحتضر الآن؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى