مقال

العنصرية من زاوية تناسلية!

أجدور عبد اللطيف| المغرب

يتفق المتأملون في صور المعالم التاريخية لمدن كروما وفلورنسا بايطاليا، وبرلين وميونيخ بألمانيا، وباريس بفرنسا ولندن بإنجلترا، أنها كتيبة من الصور تكاد تختلف موضوعاتها وأماكنها اختلافا جذريا، بيد أن خيطها الناظم: عزفها أنشودة الجمال بإبهار، وجميعنا يعلم ولع الايطاليين والاوروبيين عامة، منذ الإغريق مرورا بالعصر الوسيط وحتى القرن الماضي بالنحت، ولعل إحدى أبرز الموضوعات التي تناولها أهل هذا الفن بجرأة ودقة، هي تجسيم منحوتات وتماثيل تعبر عن جسد الرجل والمرأة عراة.

وفي كل مرة نطالع إحدى هذه المنحوتات الرائعة كالتي توجد في قصر نيمبفنبيرغ بمقاطعة بافاريا معقل لودفيغ الثاني آخر ملك جرماني، فإن سؤالا وجيها يلح علينا بشكل فوري : لم يصر كل النحاتين تقريبا – وهذا تفصيل مشترك – على إظهار قضيب تمثال الرجل الأوروبي بشكل صغير جدا، مقارنة مع جسده الرياضي الضخم، المفتول العضلات ؟!

تتعدد التفاسير والقراءات، بين مرجئ ذلك للحشمة التي نعرفها تعوز أولئك القوم، وبين من يعتبرها خدعة بصرية تروم لفت الانتباه أكثر لهذا الجزء، ما دام متواريا جدا، وأول ما يحاول الناظر استجلاء تصور النحات إليه.. لكن بحثا متريثا يستطيع التوصل إلى أن الأمر يتعلق ببعض من تاريخ العنصرية الجنسية المخفي، الذي يضرب بجذوره في القدم، ما يجعل السؤال البيزنطي : هل العنصرية فطرية فينا ؟ يفرض نفسه مجددا.

يبرر البعض هذا الإشكال الفني بدوافع فنية وبصرية كما أسلفنا، لكن بالرجوع إلى أغلبية النقاد، ندرك تماما أن القضيب الكبير كان حسب هؤلاء النحاتين، شأنهم في ذلك شأن الكنيسة ومن ثم عموم الرعايا، ينقص من قيمة صاحبه، و كان دليلا على همجية الأجناس السمراء وتخلفها، والتي لطالما اعتبرها الانسان الأبيض – وما يزال – أجناسا أدنى من البشر و أقل ذكاء وأكثر بربرية.

وتربط المؤرخة الفنية السويدية آلين آوريدسون لا حرمنا الله من أرحام تلد مثلها أمانة وإنصافا، هذه العادة الفنية بالثقافة الإغريقية القديمة، وتقول :” في اليونان القديمة كانت الأعضاء الجنسية الكبيرة رمزا للغباء و الفسق و القبح، وكلما كان القضيب صغيرا كلما اعتبر صاحبه عقلانيا ومثقفا. وكانوا يعتقدون أن الرجل ذا العضو الصغير يكون أقل ميولا لاستعماله، فيستعمل عقله بدلا عنه”.

ويؤكد المؤرخ الفرنسي تيري آيلوا في مقال منفصل : أن الأمر نفسه يسري على الفنون الاخرى، كالشعر والموسيقى الأثينية و الرومانية، والتي لم تخل من تقريع للسود و السخرية منهم جنسيا” ، والسود هؤلاء هم أجدادنا نحن الافارقة طبعا، شمال أفريقيين وساكنة جنوب الصحراء الكبرى.

ولعل التجاوزات السياسية والأخلاقية والاجتماعية والفنية الراهنة التي يجترئ عليها الأوربيون تحت ذريعة ذر بذور الحضارة، ما هي سوى امتدادات لعقلية عنصرية يرى الإنسان الأبيض من خلالها، أن عقله الوحيد الذي يحوز الأهلية للإبداع والتفكير، والعقول الأخرى إنما تدور في فلكه، إنسان يظن أن نموذجه الأخلاقي الذي أتبث هشاشته وفشله السحيق، على مستوى الأفراد والأسر والأنساق الفكرية َالاجتماعية، هو النموذج الوحيد الممكن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى