أدب

سحر المحيط 1900.. مونولوج عازف البيانو في المحيط

ترجمة عن الإيطالية: معاوية عبد المجيد، إصدار: دار المتوسط

مراجعة بقلم: أسمهان حطاب العبادي

(يقولون إن الوقت سيغير كل شيء، ثق أن لاشيء سيتغير إن لم تتغير أنت) الفيلسوف سبنسر فولترتون

اولا – التعريف بالكاتب

الِسّاندرو باريكّو المولود عام ١٩٥٨ في تورنتو هذا الكاتب الإيطالي الأكثر شعبية في إيطاليا،تتلمذ على أيدي أبرز الاساتذة الإيطاليين في مجال الفلسفة والأدب والموسيقى، أخرجها الرواية في البداية في شكل مسرحية ثم كتبها في شكل فيلم سينمائي وحقق نجاحا كبيرا، ثم عمل روائي وترجمت إلى عدة لغات. وله: كتب روايات أخرى، نذكر منها: (قلاع الغضب عام ١٩٩١)، و(البحر المحيط عام ١٩٩٢)، و(أراضي الزجاج و الحرير).

ثانيا- أحداث الرواية

.١٩٠٠ أو المدعو (داني بوودمان ت د ليمون)، أعظم عازف بيانو في المحيط. ولد لقيطا وعاش بعناية الهية في سفينة تجوب عرض المحيط بين أمريكا وأوربا، رباه رجل  بحار فقير ومنحه اسمه، تركه بلا هوية أو تسجيل حكومي ليبقى شخصا بلا هوية أو ذكر بأي دائرة تسجيل، توفي الرجل البحار (داني)، وبقي الطفل وحيدا، قاده ذكاؤه إلى تعلم العزف على البيانو وشكل فرقة بسيطة تعزف على الدوام للمسافرين، ولم يغادر السفينة أبدا، يروي قصته عازف البوق الذي التقاه صدفة بالسفينة كان عمر العازف حينذاك سبعة عشر عاما أصبح عضوا بفرقة ١٩٠٠.. أما أفرادها فهم يعزفون على الكلارينيت، والترومبيت، والبوق والغيتار، أعظم افرادها هو المدعو ١٩٠٠، يؤلف معزوفات من خياله وتعزفها أنامله.
السفينة بها من الغرابة مايكفي، فالقبطان مصاب برهاب الاحتجاز ويعيش في قارب الإنقاذ بينما مسؤول الاتصالات الكن، وربناها أعمى، كلهم على متن سفينة واحدة، سفينة من دون مطبخ هكذا قرروا تصميمها.
توطدت الصداقة بين ١٩٠٠ وصاحب البوق، عرف من حديثه أنه يسافر مع العزف إلى دول شتى وأماكن خلابة دون أن يراها بالواقع إنما يشم عطرها ويعرف تفاصيل أماكنها من حديث الآخرين،لينطلق عنانه بالخيال ويسرح في أماكن عديدة. شرقا وغربا يلتقي بفتيات ويرى ملامح وجوه الناس ويتشرب كل الأماكن والأصوات والروائح، ذلك كله لانه يرى الناس يأتون من بلاد شتى خلال عمره الذي قضاه هنا في السفينة وعلى مدى سبعة وعشرين عاما. العالم يصعد معه على متنها ويتقمص روحه. عبقريته وفن الإصغاء والقراءة مد له العون ليكسب عيشه، ويبقى حيا ومقيما في السفينة.
في صيف١٩٢١ وصلت أخبار عنه إلى مسامع أشهر عازفي الجاز (جيلي رول مورتن)، حيث كثيرا مانزل الناس من السفينة وهم يمتدحون ١٩٠٠ومعزوفاته الغريبة وإنه يمتلك أربع أياد تضج بالموسيقى والجمال المنفرد.
تحدى مورتن الآخرين في تمكنه العزف، وكونه سيكون هو الفائز لو حصلت المنازلة، فكر أن يحطم أسطورة عازف المحيط إلى الأبد، رفض ١٩٠٠ أن تطئ قدماه أرض اليابسة فهو معتاد على المحيط. مادفع مورتن إلى دفع ثمن بطاقة ذهاب وإياب إلى اوربا، وصعد على متن السفينة. ودع الصحفيين من مرفأ بوسطن. بدأ النزال فعلا وأبهرهم مورتن بسحر موسيقاه فيما كان ١٩٠٠ مسحورا بما يسمع، حتى عزف لهم موسيقى سخيفة ومعتادة. كانت أغلب الجولات الفائزة لمورتن، إلى أن استوعب ١٩٠٠ الأمر وعاد إلى تركيزه عزف وأبهر المستمعين وفاز على غريمه الذي غادر القاعة ولم يرد اللقاء بعازف البيانو مرة أخرى.
وفي قلب المحيط وفجأة يقرر ١٩٠٠ أن ينزل من متن السفينة إلى اليابسة، واستعد للنزول بعد أن أهداه سترة جلدية ليبدو رجلا محترما لم يتعد ثلاث سلالم وعاد أدراجه واختفى في السفينة، غير قراره وبقي فيها خوفا مما لم ير. الرجوع غيره بدأ اكثر غرابة، صار حديثه أقل من المعتاد وبدا مشغولا. أما عازف البوق، فنزل عن متن السفينة فرجينيان عام ١٩٢٢ بعد أن قضى ستة أعوام. مع مرور السنين واختلاف الطرقات اختفت أخبار ١٩٠٠ والسفينة حتى جاءت الحرب اللعينة، وصلت رسالة تقول إن السفينة استخدمت كمشفى متنقل  وأصبحت معطوبة من الحرب وقرروا تدميرها بل ملؤوها بالديناميت ليفجروها لاحقا، أثارت ملاحظة نهاية الرسالة حفيظة عازف البوق حيث إن ١٩٠٠ لم ينزل للآن من السفينة رغم إفراغها من ركابها. ممادعاه أن يسافر غليها باحثا عن صديقه  ليجده في طابق المحركات جالسا على الديناميت، بعد أن قرر عدم النزول من متنها.

ثالثا- الفنيات والتكنيك

(1) وفق الكاتب في توصيف حياة شخص ولد على سفينة وقرر ألا يغادرها، حتى وإن خطر ذات مرة أن يغادرها وقرر استعدادا للنزول عن سلالم السفينة تردد وعاد أدراجه وانزوى في أركانها، خوفا مما لم ير، المحيط هو حياته ومستقبله،كان هو الأوكسجين الذي يستنشقه، ألهمه عذب الألحان والنوتات التي تخلب القلوب وتأسرها سحر مسامع الناس وأصبح أشهر العازفين، تتولد أنغامه في كل رحلة ذهاب وغياب مابين أوربا وأمريكا، فقد عرف اغلب الأماكن والبلدان دون أن ينزل من سفينته بل شم روائح الأطعمة والأزقة من خلال أفواه الراكبين من مختلف الجنسيات من خلال وصفهم لمذاق الأطعمة وتمكن من وصفها كأنه رآها بالفعل.
(2) أشار الكاتب إلى التفكير الإنساني واختلافه والتمسك بقرارات قد تكون منبعها صلب وقوي وقرارات لامعنى لها. قدرة الإنسان على التخلي والانزواء وتركيبات البشر النفسية التي تخشى الاختلاط والخروج عن مألوفها. اختيار الحياة ومكانه، كذلك اختيار أسلوب الموت بالجلوس في سفينة مدججة بالديناميت المجهز لتفجيرها بعد الحرب.
(3) استخدم الكاتب عدة طرق في السرد؛ فتارة يستخدم أسلوب مسرحي حيث المشاهد وإسدال الستائر وتارة أخرى يستخدم المونولوج والحوار الداخلي ويقوم بسرده لنا صاحب البوق، كما اختصر الكاتب الشخصيات في شخصيتين أساسيتين،١٩٠٠ وعازف البوق، وبعض الشخصيات الثانوية كان وجودها ضرورة لمعرفة تفاصيل بعض الأحداث، والانفعالات البدنية والجسدية قليلة وتكاد لاتذكر .

(4) هناك تعبيرات نفسية وهادئة عبر عنها الكاتب بالموسيقى والأنغام التي تندرج بين أمواج المحيط وحركة السفينة.

(5) الأحداث جاءت وفق البناء الفني المعتاد للرواية من مقدمة وأحداث ووقائع، ثم الحبكة ثم جاءت النهاية كترتيب منطقي سلس، عبر لغة سهلة وبسيطة خالية من الإطالة والبلاغة والفلسفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى