أي سلطة يريد نتنياهو إنقاذها، وأي خليفة ينوي تنصيبه؟
هاني المصري | فلسطين
تناولت مصادر إعلامية وسياسية أخبارًا تفيد بأن حكومة نتنياهو تدرس سبل تقوية السلطة ومنعها من الانهيار، وأن الرئيس محمود عباس يدرس فكرة تعيين نائب له استجابة لضغوط خارجية؛ من أجل سد الثغرة القائمة بعد حل المجلس التشريعي؛ الأمر الذي سيحدث فراغًا دستوريًا في حال شغور منصب الرئيس، خصوصًا بعد تقدم الرئيس في العمر.
فوفقًا للقانون الأساسي للسلطة، يشغل رئيس المجلس التشريعي منصب الرئيس لمدة ستين يومًا إلى حين إجراء انتخابات رئاسية، وهذا ما حدث بعد اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات؛ حيث حل روحي فتوح محل عرفات إلى حين تم انتخاب محمود عباس رئيسًا.
واستنادًا إلى مصادر مطلعة، تأتي تشكيلة المحكمة الدستورية الجديدة في سياق التحضير للمرحلة الانتقالية؛ حيث هناك اجتهادات عدة تتضمن تعيين نائب رئيس من خلال اختيار شخص بعينه أو بحكم منصبه نائبًا للرئيس، وهذا بحاجة إلى إصدار قانون يسمح باستحداث منصب نائب الرئيس، أو تفويض المجلس المركزي غير المنتخب – الذي حل محل المجلس التشريعي المنتخب، كما تم تفويضه بصورة غير قانونية بصلاحيات المجلس الوطني – بحل هذه المسألة، عن طريق تخويل رئيس المجلس الوطني أو رئيس المحكمة الدستورية بشغور منصب الرئيس في المرحلة الانتقالية لمدة مؤقتة إلى حين إجراء الانتخابات، التي لن تسمح بإجرائها الأطراف الداخلية والخارجية، والاحتلال تحديدًا، إلا إذا كانت مضمونة النتائج.
شرعيات متآكلة
على أهمية القانون، فليس القانون هو الأمر الحاسم، بل موازين القوى والإرادات الداخلية والتدخلات الخارجية للبت في مسألة بحجم خلافة الرئيس؛ ذلك لسبب بسيط؛ لأن كل شرعيات المؤسسات الفلسطينية تآكلت.
فمن جهة، استحق موعد تشكيل مجلس وطني جديد منذ فترة طويلة، وكل ما جرى في الفترة الماضية، بما في ذلك تعيينات لأعضاء جدد واستبعاد أعضاء قدامى وبعضهم مؤسسين في المنظمة بشكل غير قانوني، بما في ذلك انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية من المجلس المركزي، وليس الوطني كما ينص النظام الأساسي للمنظمة، وكذلك انتخاب رئيس الصندوق القومي، الذي يوجد نص واضح على وجوب انتخابه مباشرة من المجلس الوطني، وهناك فقدان للنصاب السياسي بسبب مقاطعة فصائل مؤسسة للمنظمة، وعدم دعوة فصائل وازنة مثل حركتي حماس والجهاد الإسلامي وشخصيات اعتبارية، إضافة إلى عدم مراعاة الصفة التمثيلية للمنظمة للفلسطينيين أينما كانوا، فضلًا عن فقدان البرنامج الوطني المتفق عليه بعد وصول البرامج المعتمدة، خصوصًا برنامج أوسلو إلى الطريق المسدود، وكذلك عدم توفر الوفاق الوطني الذي يمكن أن يوفر شرعية مؤقتة إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، وإعادة تشكيل المؤسسات على أسس وطنية وديمقراطية وشراكة حقيقية.
ومن جهة أخرى، لم تجر انتخابات رئاسية وتشريعية منذ العامين 2005 و2006 على التوالي، وهذا ينزع الشرعية عما هو قائم؛ حيث لا يكون الحل بتعيين نائب للرئيس، بل هذا الإجراء سيزيد الطين بلة؛ لأنه سيفتح باب التدخلات الخارجية والصراع على الخلافة بشكل أكبر حول من سيكون نائب الرئيس، وهل هو منصب محتكر لحركة فتح أم أمر فلسطيني، وهل يكون محصورًا في المجموعة المتحكمة، أم يشمل الكل الوطني وأشخاصًا آخرين، مثل مروان البرغوثي، الذي تمنحه الاستطلاعات أغلبية راجحة على أي منافس آخر في الانتخابات الرئاسية؟
منصب نائب الرئيس بداية العد العكسي لولاية الرئيس محمود عباس
طبعًا، الرئيس لا يرحب بفكرة نائب الرئيس حتى الآن، على الأقل، لسببين: أولًا، لأنها تفتح أبواب المنافسة على الخلافة على أشدها في ظل عهد الرئيس، وعدم وجود مرشح قادر على الحسم. وثانيًا، وهو الأهم، إدراك الرئيس أن العد العكسي لولايته سيبدأ من لحظة تعيين نائب له، فهذا سيشجع اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين، واللاعب الإسرائيلي الذي قام ويقوم بدور مهم جدًا، على نقل السلطة، وخصوصًا أن هناك نوعًا من الضعف، إن لم نقل الفراغ القيادي، فلا يوجد دور قيادي فاعل؛ حيث تسيطر على أداء الرئيس في السنوات الأخيرة إستراتيجية البقاء والانتظار، وهذا ساهم في إضعاف السلطة.
المطلوب تغيير المسار
ما تحتاج إليه السلطة والمنظمة والفلسطينيون جميعًا هو تغيير المسار بشكل جذري من قبل الأوساط والقوى والأفراد المتضررين من المسار المعتمد، بعد أن وصل المسار (بل المسارات المعتمدة) إلى الكارثة التي نعيشها، وبعد أن انتقلت إسرائيل من برنامج الضم الزاحف والقضم المتدرج وخلق الحقائق على الأرض، تمهيدًا لفرض الحل الإسرائيلي، إلى برنامج حسم الصراع بسرعة، والضم المتسارع والتهجير والتهويد.
لا لتعيين نائب للرئيس، فهو يعني إبقاء الوضع الكارثي على حاله، ويبقي القرار الفلسطيني بيد أو تحت رحمة الاحتلال، الذي بات يتحكم في كل شيء. ولعل تصريحات نتنياهو الجديدة عن اجتثاث فكرة الدولة الفلسطينية، وإنهاء تطلعات الفلسطينيين لإقامتها، لا تعكس تغييرات جوهرية على الموقف الأصلي، وإنما تشكل بداية مرحلة جديدة تسعى فيها الحكومة الإسرائيلية إلى فرض الموقف الإسرائيلي المتعلق بالضم على الجميع، بمن فيهم الفلسطينيون والأميركيون وغيرهم، ودفعهم إلى التخلي عن الحديث والمطالبة بحل الدولتين، والقبول أو التعايش مع الحل الإسرائيلي الجاري تنفيذه، الذي لا يتسع لأكثر من حكم ذاتي (ضمن سلطتين أو ثلاثة أو أكثر) تحت السيادة الإسرائيلية.
حديث نتنياهو عن تقوية السلطة سخيف
حديث نتنياهو عن تقوية السلطة ومنعها من الانهيار والإفلاس سخيف، ولا معنى له، فالاحتلال بكل ما يقوم به من عدوان، واغتيالات، وهدم المنازل، والتهجير، والتوسع الاستيطاني، والحصار الخانق، وتقطيع الأوصال، والتميز العنصري، وكذلك اقتحام المناطق، بما فيها المدن الفلسطينية بصورة ألغت تمامًا الفروق بين مناطق (أ) و(ب) و(ج) … يفضح السلطة ويهمش دورها أكثر وأكثر، وبما في ذلك قتل عملية السلام وحل الدولتين، واقتطاع أموال المقاصة بحجة أن السلطة تصرف رواتب الأسرى وأهالي الشهداء، ويزعم بعد كل ذلك أنه يريد مساعدة السلطة ماليًا، ومنعها من الانهيار والإفلاس.
سلطة أوسلو ماتت، وهناك سلطة جديدة يراد لها أن تولد
إن السلطة التي قامت بعد أوسلو، وكانت جزءًا من عملية سياسية ومفاوضات والتزامات متبادلة مهما كانت مختلة، وكانت تطمح لكي تكون مرحلة على طريق الدولة، ماتت منذ زمن، والسلطة التي يريد نتنياهو بقاءها وإعادة إنتاجها هي السلطة الوظيفية الجديدة التي تكون جزءًا عضويًا من الأمن الإسرائيلي، ولا يخاض معها مفاوضات، بل تفرض عليها شروط وإملاءات، ولا تعبر عن الهوية والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وإنما عن أفراد وجماعات متفرقة تتم مكافأتهم بالفتات والتسهيلات، مقابل خيانة مصالح شعبها وتطلعاته، وبالتالي ليس المطلوب تعيين نائب رئيس ليرأس هذه السلطة الجديدة، بل المطلوب سلطة من طراز جديد، تكون جزءًا من معركة شعبها ضد الاحتلال، ومن أجل التحرر الوطني.
وعندما يختلف نتنياهو مع وزراء في حكومته لأنهم يريدون حل السلطة، كونها تعبر عن الهوية الوطنية، واستبدالها بإدارات وسلطات محلية منفصلة عن بعضها البعض، فهو لا يريد سلطة أوسلو على سوئها، بل سلطة لحدية بامتياز، ويريد ألا يؤدي الصراع على الخلافة إلى انهيار السلطة التي تخدم مصالح إسرائيل.
المخرج إعادة تعريف المشروع الوطني وتجديده
المخرج من هذا المأزق العميق الفلسطيني ليس اتفاقًا جديدًا للوحدة بين الفصائل على غرار الاتفاقات السابقة، فالفلسطينيون بحاجة إلى ما هو أكبر من ذلك بكثير، إلى إحياء المشروع الوطني وإعادة تعريفه وتجديده، في ظل الظروف والمخاطر والحقائق الجديدة، والخبرات المستجدة، والفرص المتاحة، والمتغيرات الإقليمية الدولية، ومن يتصدى لهذه المهمة هو الذي يملك مفتاح الإنقاذ، ويقدر على قيادة الشعب الفلسطيني. لذا، لا بد من:
أولًا: أن يجدد الفلسطينيون تمسكهم بمشروعهم الوطني بعد إعادة صياغته، ويعرفوا من هم بالضبط، وأين يقفون، وماذا يريدون الآن، وعلى المديين المتوسط والبعيد، وما الذي يمكن تحقيقه في هذه المرحلة، وكيف يمكن ذلك؟
ثانيًا: قيام القوى والمؤسسات والأفراد المؤمنة بإحياء المشروع الوطني وخيار المقاومة ووحدة الشعب والقضية والأرض والرواية التاريخية، بأخذ زمام المبادرة، والتحرك لفرض إرادة الفلسطينيين ومصالحهم، وقطع الطريق على المخططات المعادية، بما في ذلك تنصيب خليفة وقيادة وسلطة مرتهنة بالكامل للاحتلال تكرس الأمر الواقع الحالي وتحويله إلى حل نهائي.