الأساطير.. ميثيولوجيا حضارات العالم القديم والحديث
عبد الجبار نوري | كاتب وناقد أدب عراقي مقيم في السويد
ليس غريباً أن نرى اليوم في زمن التكنلوجيا الرقمية الفائقة السرعة وبكل فضاءاتها الثقافية والعلمية وبأغلب جامعات العالم تحتوي على قسم ” علم الأساطير mythology، وربما تراها شاخصة في متحف اللوفر فرنسا أو متاحف دول الغرب مثل حضارات: الخلق البابلي والفرعوني والأغريقي والروماني والفينيقي والهندوسي والفارسي.
الأسطورة هي ظاهرة سوسيولوجية من صنع الإنسان تكتب على الورق بفنتازية خيالية مجتمعبة بتوليفة رؤى ثرة وثرية من خيالات الشعوب وأحاسيسها وعواطفها وتأملاتها القابلة للجدل عبر حقب تأريخية يأخذ الإنسان الدور القيادي المحوري فيها كالحياة والموت والدين والآلهة وأنصاف الآلهة والكون وغيبيات اليوم الآخرة، والأسطورة ليست بالضرورة أن تكون كاذبة ضمن الأطار العلمي لأن كلمة الأسطورة تعني حكاية مقدسة عن الدين والآلهة .
وكما تبين لي من خلال رغبتي وشوقي لكشف المزيد عن هذا الموضوع وجدتُ: أن الأساطير حضارة والحضارة أساطير، ولا توجد حضارة مؤرخنة زمكنتها دون أساطير مخالفة للعقل البشري فالمجنون يعتبرها حقيقة والعاقل يعتبرها وسيلة للتسلية والعبرة، وهنا يدخل على الخط الفيلسوف البريطاني برنت راند رسل قائلا:{يلومون الأديان أنها مليئة بالأساطير ، وماذا تكون الدنيا بلا أساطير؟ أعطوني حضارة دون أساطير ! إن الأنسان نفسهُ أسطوري بالفطرة، قيل إن الأنسان حيوان عاقل ، أبحث طيلة حياتي عن أدلة يمكمها تأكيد ذلك}
الأساطير والتأريخ توأمان أحدهما رديف للأخركما الكيمياء والسحروجهان لعملة واحدة، ومن خلال تراتيبية أرخنة حقبات التأريخ البشري على كوكب الأرض الجميل تترى الكم المثير للأهتمام والتأمل !؟
أساطير الخلق البابلية وملحمة كلكامش التي تعود للألفية الثانية قبل الميلاد، وأكتشفتَ آثارها ولقاها وكنوزها سنة 1875 وبرزت أسماء مشهورة للآلهة البابلية مثل (أبسو ومردوخ وتيمات) وحكاية الخلق لم تنضج وتظهر للوضوح إلا بعد دخول الآلهة في صراعات مريرة وصعبة يكون المنتصر فيها القوة الجبارة الخارقة وأن تكون آلهة وليست أنصاف آلهة .
أساطير الحقبة الفرعونية: ظهرت في وادي النيل حسب التراتيبية التأريخية أسطورة خلق الكون وأسطوزة أوزيريس وأسطورة إيزيس، وأكدت هذه الأساطير ا لدينية توحيد الآلهة بعبادة (قرص الشمس) والأعتقاد بالحياة الأخرى، لذا وُجدت آثار بضع قبضات من سنابل الحنطة مع مومياء أحد ملوك الفراعنة لتكون مؤونة له بعد بث الحياة فيه .
ماذا تعني الأساطير للإنسان؟
غن البشرية منذ الأزل بحاجة ماسة للأساطيرلتفسير ماهية الحياة وصيرورتها الغامضة والصعبة لذا تستنجد بالفنتازيا الخيالية لآقناع ذاتها المتعبة الملوثة بالأرهاصات الجدلية في تفسير الظواهرالحياتية والكونية الخسوف الكسوف الزلازل البراكين الدين الموت الألهة، فالفوبيا من ماهية الحياة تلازمه بأستمرار وحتى العصرنة الحداثوية ولأجل الوصول إلى البعض من الحلول أخذ يلجأ إلى (الخيال) الذي يكمن وراء الكثير من الأختراعات بحيث أصبح المصدر الأساسي لجميع الأكتشافات في العالم .
نماذج (مؤرخنة) للميثيولوجية والأساطيرفي حضارات الشعوب: كتاب كليلة ودمنة لأبن المقفع: الكتاب قصة أستعارية دالها الحيوان ومدلولها الأنسان ، ودعوة أصلاحية للبحث والنقد اللاذع للساسة بحيث يتستر فيها الفيلسوف المؤلف وراء شخصيات حيوانية درءاً من غضب الحكام، ويناقش الكتاب الصراع الأبدي بين قوة المنطق ومنطق القوة، وليست الشخصيات الحيوانية في كليلة ودمنة إلا وسيلة فنية وظفها أبن المقفع لنقد الواقع الفكري المزري وهبوط المنظومة الأخلاقية السياسية فهو: يفضح تدهور القيم وأنهيار المنظومة الأخلاقية، يفضح ظلم الحكام وتفردهم بالسلطة، يكشف تآمر الحاشية لأجل مكاسب ذاتية، ويشخص الكتاب المتصوف والمتدين والمتمرد والشقي والملحد، ويبقى هدف الكتاب الوصول إلى المدينة الفاضلة والأنسان النموذجي .
الفنتازيا في أدب الرحلات – في رسالتي (الملهاة) لدانتي الأيطالي ورسالة (الغفران) لأبي العلاء المعري: إن الرسالتين من وحي علم الأساطيربهدف خصوبة وثراء فكرة الرسالتين في التنافس ألأنساني المشروع في الوصول إلى تحديث التراث الثقافي العربي والأطلاع على حضارة الغرب الأوربي ومدى التلاقح الفكري والثقافي بين الحضارتين ، وغدت الفكرة مرغوبة لدى المفكرين وكتاب القصة بالركون إلى الفنتازيا السحرية الخيالية التي تجلب الأهتمام وتأسر المتلقي بشكل طوعي لا قسري ، ففي الرسالتين للمعري ودانتي يسير السرد القصصي بسلاسة وأبداع وشوق ، وإن هاتين الجوهرتين النفيستين تعتبران من أبدع روائع الأدب العالمي من خلال أطلاق أعنة الخيال الأفتراضي للبحث عن المدينة الفاضلة والأنسان المصلح النموذجي .
وأخيرا ليس آخراً وهل يغيب القمر في لجوء المكتبة العربية والعالمية إلى العالم الأفتراضي الأسطوري: نماذج الحبكة السحرية الفنتازية في رواية المعجزة الأدبية “إزابيلا أللندي” وروايتها السحرية (بيت الأرواح) والتي عبر عنها الروائي الكولومبي المشهور: غابريل غاريسيا صاحب رواية (مئة عام من العزلة) والتي هي الأخرى من النمط الفنتازي الخيالي السحري: تقمصت أليندي الواقعية السحرية بتوليفة الحبكة السردية مع الأسطورة لملحمة عائلية ترقى إلى ما يعرف بالأدب الملحمي .
– نقرأ للمتنبي الأسطورة والرمزية في شعر الفخر فيها من المبالغة ما لا يصدقه العاقل وهو يقول:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعتُ كلماتي من به صممُ
– نقرأ الأسطورة والرمزية التصويرية في شعر (السياب) بالأستعانة بالميثيولوجية بتوليفة حبكة سحرية مع الأشارات التأريخية، وهذا مقطع من قصيدته الملحمية مطر مطر والتي ترقى لأيقونة سامقة ضمن الأرث الثقافي العراقي والعربي حينها تمييز عند أدباء العصرنة الحداثوية ضمن دراسة (الأدب المقارن) للمقاربات الفكرية الجلية الواضحة بين شعر السياب وأليوت وأبي تمام :
قصيدة مطر مطر بعض أباياتها)
عيناك ِغابتا نخيل ساعة السحرْ
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمرْ
عيناك حين تبسمان تورق الكرومْ
وترقص الأضواء كالأقمار في نهرْ
كالحب كالأطفال كالموتى هو المطرْ