قصائد تعرج بالمعنى على جنح القصيدة في “بيت الشعر” بالشارقة
الشارقة | عالم الثقافة
ضمن فعاليات منتدى الثلاثاء، وبحضور لافتٍ من الشعراء والنقاد والمثقفين ومحبي الشعر، نظم بيت الشعر بدائرة الثقافة في الشارقة أمسية شعرية يوم الثلاثاء الموافق 15 أغسطس 2023، شارك فيها الشعراء مؤيد الشيباني، مروة حلاوة، وحمزة اليوسف، بحضور الشاعر محمد عبدالله البريكي مدير البيت، وقدمها الشاعر ناصر البكر الزعابي الذي أشاد بمجهودات بيت الشعر بدائرة الثقافة في الاحتفاء بالكلمة الشاعرة، ومتابعة نتاج الشعراء، وإفساح المجال لهم في الوقوف على مناير شعرية تمنحهم فرصة التواصل مع الجمهور في ظل الرعاية الكريمة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي تحتفي مبادراته الثقافية بالشعراء وبما يحقق أحلامهم وطموحاتهم المتجددة .
وقد حلقت قصائد الشعراء في فضاءات الذات والأوطان والإنسان، واتسمت بالجمال، وهي تعبر إلى جمهور الأمسية برمزيتها العالية، وتبرز أشكالهم الفنية المتنوعة، إذ علا صوت القصيدة على أنغام البهجة، وانسجمت كلماتهم الشعرية مع الجوهر الإنساني، فجاءت صورهم محملة بالدلالات التي غمرت الحضور بجمال الإبداع… استهل الشاعر حمزة اليوسف قراءاته بتحية للشارقة وحاكمها، وقرأ قطعة شعرية موشاة بالدهشة سال منها ماء الشعر، ومنها:
عُروجاً إلى المعنى بغيرِ نُبوءةِ
وهبتُ براقَ الشِّعرِ جُنْحَ القَصيدةِ
وحَلَّقتُ في التأويلِ حتى اكْتنَفتُهُ
أضَامِيمَ ورد في حقول العبارة
وصدقتُ إذ قالوا لقد جُنَّ باكراً
مَتى تصلح الأشعار مِن غير جُنَّةِ ؟
عَلى( عَبقَرٍ ) مَرت تَفاريدُ قَولهِ
ومِن عرش بلقيسٍ أتاكم ببضعةِ
ثم قرأ نصاصاً عالية اللغة، عميقة المعنى، منها قصيدة “مُسْتَنْزَفٌ خَضِلٌ كالعُمْرِ مِحْجَرُهُ” التي يخلع عليها الشاعر طابعاً إنسانياً، فالكلمات تعبر عن لقطة تبلور ازدحام الصورة الجميلة في نفس الشاعر فيقول:
يا صَادِحَاً بِاسْمِهَا عِطْرَاً وأُغْنِيَةً
وَأَنْهُرَاً سَبْعَةً تَبْكِي فَتَنْحَرُهُ
(بَرْدَى) يَئِنُّ عَلى شَفَتَيهِ مُنْتَحِبَاً
مَنْ ذا يُطَبِّبُ دَمْعَاً جَفَّ أخْضَرُهُ ؟
ومَنْ يُعِيْلُ بُيُوتَاً كَادَ أجْوَعُهَا
يَجْتَثُّ مِنهُ ضَمِيْراً جُنَّ مِحْبَرُهُ ؟
ومَنْ يُجِيبُ اذا ما طِفْلَةٌ صَرَخَتْ
مَاذا أبِيْعُ ؟ وَعُمْري راحَ أنْضَرُهُ
أما الشاعرة مروة حلاوة فقرأت نصوصاً محكمة السبك، محلقة في اللغة والخيال، طافت بها أجواء الوطن، وفضاءات الروح، ومنها قصيدة “ما تبقّى من أثر الياسمين” وقد عبرت فيها عن المجاز، وكثفت رؤيتها بأسلوب شائق فيه صفاء يشف عن تجربة ذاتية تخضع للتأويل فتقول:
غداً إن قيلَ مرّت في شهابٍ
عزائي أنّ من بعدي بقايا
وأنِّي سِرتُ حافية الأماني
فسار الياسمينُ على خُطايا
وكم أقلقتْ من طرقات صحبي
ووزعتُ الجهات على هوايا
ثم قرأت قصيدة أخرى حملت بعنوان”: فتحٌ دمشقيّ” التي تعبر عن خلاصة تجربة يعتصرها الألم، لكنها تسبغ عليها مناخاً خاصاً تتجدد من خلاله الكلمات والمعاني وهي تصيغ حلم غامض يشف عن واقع متغير:
للقلبِ شأنٌ آخرٌ والعقلُ ملــ
ـــعبُ خيلِنا المنقادِ خلفَ اللَبْسِ
ناءتْ قصائدُنا بأحمالِ الغرا
م.. ووقفةِ الأطلالِ كلّ تأسّي
أتعبتُ شِعري باحتلالِ العاشقيــ
ــنَ.. الهائمينَ.. على مواطنِ حِسّي
الشاعر مؤيد الشيباني صاحب التجربة الثرية والطويلة، تميزت نصوصه ببناء محكم، وبسرد مدهش تتلاحق فيه الصور الفنية برشاقة وإحكام، وقرأ قصيدة بعنوان “المغنّي” التي تظهر نشوته اللغوية وهو يفصل حالاته وأسلوبه المبتكر في إبراز قدراته الشعرية، فهو المغني الذي يصدح بالصوت فتتآلف معه أشكال الخيال:
قطعَ المغنّي صوتهُ
والنايَ والاوتارَ والليلَ الطويلَ
وعادَ يضحكُ فرطَ مكتشفٍ سذاجتَهُ
ويسأل صوتهُ
هل كنتَ في غيبٍ فلم تُدركْ نشازكَ في النّغمْ؟
قالت لجارتها صباحاً
كان يضحكُ بينما أصغي
ولم يهدأ
نهاراً حيث شمسُ الظهرِ فوقَ البابِ
لم يخرجْ
وفاحتْ من وراء البابِ رائحةُ الندم.
ثم ألقى نصاً أخر بعنوان “في المرآة” الذي يخاطب نفسه الشاعرة، ويعكس صورتها بنزعة إبداعية متلاحمة:
لفرطِ ما حُرَقٌ في قلبهِ لمَعَتْ
لفرطِ ما هو زعلانٌ ومنكسرُ
مشى الرصيفُ عليهِ، ظلّهُ دمُهُ
مُبعثرٌ ودبيبُ العمرِ ينتشرُ
أكادُ أذكر شيئاً فيهِ أعرفُهُ
سألتُهُ هل تُرى ما بيننا وطرُ
بكى وغابَ كأنَّ الحالَ أتعبهُ
لكنَّه ظل في المرآة ينتظرُ
وفي الختام كرّم الشاعر محمد البريكي، شعراء الأمسية ومقدمها.