محمد زعاترة | كاتب عربي من الأردن
السرد الأدبيّ لحدثٍ ما وبأيّ طريقة كانت، إنْ لمْ يحرّك في ذهن القارئ فكرًا أو خيالًا فلنْ يبقى له أثرٌ في ذهن القارئ وسيزول بمجرّد الانتهاء منْ قراءته، وفي مجموعتي القصصيّة الأولى التي تحمل عنوان (رجلٌ واحد) أدركت ذلك وجعلت في كلّ جملة أكتبها مجالًا للتفكّر والتأويل، ولنأخذ مثالًا على ذلك:
ونزل إلى الأرضْ
وقام بتثبيت التّفاحة بين رُكبتيه
واستعان بإبزيم سحّاب الحقيبة التي أحضرها معه
وبدأ بغرزها داخل التّفاحة إلى أنْ انفلقت
وكان كلّ فرقٍ كأنّه درعٌ خرج منْ معركة.
كان هذا النّص جزءً منْالقصّة الثانية في الكتاب وهي بعنوان: رجلٌ واحد.
والكتاب يحمل عنوان القصّة ذاتها، منْ تأليف: محمد إبراهيم زعاترة وصدر عن دار الشروق للنشر والتوزيع-الأردن، ونسخة دار كليم- مصر.يقع في ١٧٠ صفحة من القطع المتوسط يحتوي على قصّتين، أمّا الأولى فعنوانها (الغرفة رقمُ واحد):والقصّة في طابع وإطارٍ سينمائيّ يتراوح بين الرّعب والتشويق، لقصّةٍ حقيقيّة حصلتْ في مدينة جدّة السّعودية، إذيذكر الكاتب بأنّه انتقل وذلك بسبب ظروف عمله الطارئ إلى سكنٍ تحت أرضي، وتبدأ القصّة بمحاولة أرواح مّا تسكن في تلك الغرفة إيصال معلومة لذلك السّاكن الجديد بوجود أمرٍما مدفونٍ أسفل تلك الغرفة!
وتتوالى الأحداث في تقسيم زمانيّ ارتأى الكاتب أنْ يضعه في حدود اثنتي عشرة ليلة، وذلك بالرغممنْ كون الأحداث الحقيقيّة استمرت لشهورٍ عدّة.
اخترت لكم من القصّة:
يستيقظُ محمّد ويجلس على سريره ويلطم يده على وجهه ويقول:
ولْ عليّ وعلى اليوم الذي جئت به إلى هذه الدنيا!
ولْ لو أنّي لم أولد من الأساس، ليتني كنت تمساحًا يستمتع بالعصافير تنظف له أسنانه على أنْ أحيا هذه الحياة وأختبر هذه الأيام الصّعبة!
يتنهّد قليلًا ثمّ يقول:
لا تحزن يا محمّد، ربّما سخّرك الله لهذا الأمر لكي تحلّ هذا اللّغز وتعيد الحقّ إلى أصحابه، وهذا في حدّ ذاته كرامة لك، نعم هي كذلك والحمد لله.
إذنْ سأغيّر الخطة!
ويبدو أنّ الكاتب بالغ قليلًا في وصفات الطعام، منْ جانبٍ أراد أنْ يملأ ذهن القارئ بأمورٍ بسيطة يصعب عليه تنبأ الحدث منْ بعدها، ومنْ جانبٍ آخر تشتيت ذهنه عن التفكير في أمورٍ أخرى، مثل العمل أو طبيعة حياته وعلاقاته الخاصة. وحرص الكاتب على استثمار هذه الأحداث انطلاقًا منْإسقاطات فلسفيّة للحياة الاجتماعية وربّما السياسيّة عمومّا ودون الخوض في أيّ تفاصيل قد تبدو للمتربّص بالسوء مادّة دسمةً لإشباع رغبته في الأذى والعدوان.
أمّا القصة الثانية التي تحمل عنوان الكتاب، تدور أحداثها حول شخصيّة تتّسمُ بطابعٍ كوميديّ عفويّ اختار الكاتب له اسمًا مميّزا: أستاذ خُرمة.
وسأتحدّث عنْ هذه القصّة منْمحاور عدّة،أمّا المحور الأوّل فهو الإطار العام للكتاب:
إذ اعتمد الكاتب على إطارٍ ابداعيّ يستخدم الجمل القصيرة، في قالبٍ روائيّ عمودي، ولنْ أقول عنه أنّه قالبٌ شعريّ، ولكنْ سأصفه بما يطلقه عليه أهلالأدب: أسلوبٌ تجريبي!
والقصّة لا يوجد زمانٌ أو مكانٌ محدّد لأحداثها، إنّما مجموعة من المغامرات الشيّقة منْ خلال سيرة حياة هذا الأستاذ، وأعني بطل هذه القصة: أستاذ خُرمة.
المحور الثاني وهو أسلوب السرد:
ويتنوع أسلوب السرد القصصيّ في غموضٍ تام، أيّ أنّ القارئ له حريّة اختيار الراوي! فهل كان هو الكاتب نفسه؟ أمْ أستاذ خرمة؟ أمْ راوٍ خيالي؟ موجود أو غير موجود في الأحداث.
ولا يحقّ لأحد أنْ ينسب هذا الأسلوب لنفسه فقد ورد في القرآن الكريم قبل أنْ تولد مدارس السرد القصصيّ منْ أساسها، ومثال ذلك المناظرة التي أوردها الله عز وجلّ في سورة غافر، والقصّةتدور أحداثها في صالة الحكم في قصر فرعون، ولنستعرضْ معًا الشخوص الذين ذكرهم الله باسمهم:
وقال فرعون: طلب الإذن بقتل موسى وقدّم حجّته لذلك.
وقال موسى: لم يكن سيّدنا موسى منْ أهل الفصاحة أو الخطابة، وكلّ ما قاله اقتصر على الاستعاذة بالله.
وقال رجلٌ مؤمنٌ منْ آل فرعون: قدّم لهم نصيحة بضرورةِ اتّباع موسى.
الشاهد في آخر منْ تقدّم في المناظرة وهو الذي آمن! هل هو الرجل الذي يكتُم إيمانه وبشكلٍ فجائيّ أصبح رسولًا وعنده دراية بالأنبياء وبرسالاتهم؟ هل هو هارون وقد وصفه سيّدنا موسى بأنّه: أفصح منّي لسانًا؟ أمْ هو راوٍ لتلك القصّة منْ غير أنْ يكون له وجودًا مباشرًا في الأحداث؟
وتنتهي المناظرة بحكم الله وذلك في قوله: فوقاهُ اللهُ سيّئاتِ ما مكروا، وحاقَ بآل فرعونَ سوءُ العذاب. فهل كان هذا الحكم للذي آمن؟ أمْ المؤمن منْ آل فرعون؟ أمْ هارون؟ أمْ موسى ومن اتّبعه؟ وهذا الخيار الأخير مستبعدٌ لكون زوجة فرعون اتّبعت موسى وكان عاقبتها القتل ويقالُ حرقًا في زيتٍ مغلي!
الذي أريدُ أنْ أصل إليه أنّ الغموض في سرد النّص سواءً كان في الراوي أو الشخوص أو في الحكم والنتيجة فهو أسلوبٌ لا يحقّ لأحد من الكتّاب نسبته لنفسه.
المحور الثالث أحداث القصة:
القصة فلسفيّة عميقة ومكتوبة بلغة بسيطة وسهلة تستطيع الوصول منْ خلالها لكافة شرائح المجتمع، وهي أشبه بلقطات تلفزيونية لمسلسلٍ طويلٍ قد ينتهي بانتهاء القصة، وقد لا ينتهي أبدًا،وأستطيع أنْ ألخّص لكم عناوين القصص التي وردت كما يلي:
١- التعريف بحياة بطل الرواية
٢- علاقته بالكائنات الحيّة
٣- التعريف بهوايته المفضّلة وبمحاولته منْ خلالها إثبات ذاته
٤- نظرته العامّة للحياة والموت
٥- قصصٌ منْ العمل
٦- قصصٌ منْ الزواج
٧- الأصدقاء والجيران
٨- الحرب والسلم
٩- النساء
١٠- مهاراته في وصفات الطبخ النّادرة
١١- طموحاته
١٢- علاقته بهرميّة الحياة من الرأس إلى القاع.
اخترت لكمْ من قصّة زواجه:
ولكان تطوّر الموقف وقالت:
أنا تافهة؟
حسنًا، أنا سأريك!
وسوف تزعلُ كثيرًا لذلك!
وستأخذ على خاطرها
وستتوقّف عن الرّد على مكالماتي
وستتجنّب لقائي
أو حتّى النظر إلي
وعندها سأرسلُ منْ يسأل عن الموضوع
وربّما يصلحُ في حديثه وربّما يسيء
وربّما يزيد الطين بلّة
وربّما سيخبرها بأنّ تلك الموظفة
التي كانت تحدّثها ما هي إلّا كاذبة شرّيرة
وأرادت أنْ تفرّق بيننا
عندها ستندم وستعود لكي ترضيني
ولكنْ ستجدني زعلانًا
يتبع
.
.
.
وختامًا وأنا أقرأ هذا الكتاب أدركت بأنّي -كاتب هذه المجموعة القصصية- في القصة الأولى ذكرت الدين وذكرت فلسطين، أمّا القصة الثانية فلمْ أذكر أيًّا منهما، وأعني بذلك ذكرًا صريحًا، فهل أشرت إليهما بطرقٍ أخرى؟
لا أعلم، اقرأوها وأخبروني.
.