الحشاشون.. الطائفة الشيعية الغامضة الأخطر في التاريخ
الكاتبة شيرين أبوخيشة | القاهرة
عندما ظهرت حركة الحشاشين في أفق التاريخ الإسلامي من الشرق في القرن الخامس الهجري لم يكن الخليفة العباسي يقبض إلا على خيال من سلطته السابقه وكانت الدولة الإسلامية المترامية
الأطراف ممزقة شر ممزق ذلك أن بلاد فارس وما وراء النهر وما يليهما إلى الشرق وإلى الجنوب خاضعة للأتراك السلاجقة وكان الفاطميون الشيعة في مصر قد توطدت أقدامهم حتى أصبح أمر تنحيتهم بعيداً عن أن يجول في خاطر بغداد وفي الأندلس ظهرت مجموعة من الدويلات الصغيرة على أنقاض الخلافة الأموية كان يسمى زعماؤها باسم ملوك الطوائف وكان شمالى الشام وأعالى العراق في أيدى بعض زعماء العرب المشاغبين الذين نجح فريق منهم في تأسيس دول خاصة وكانت الفوضى السياسية والحربية ضاربة أطنابها في كل مكان وكان الاضطراب السنى الشيعي هو روح العصر السائد في ذلك الوقت وخيل إلى الناس أن العالم الإسلامي قد دالت دولته لاسيما حرب الصليبيين بعد ذلك بفترة من الغرب ثم التتار من الشرق في وسط الاضطراب الذى كان يموج به العالم الإسلامي في القرن الرابع الهجرى ظهر زعيم يسمى سلجوق فدخل إلى مجمعة الصراع حوالى سنة ٩٥٦ م على رأس قبيلة من الأتراك وقد جاءوا من براري القرغيز في التركستان وكانوا قوماً بدواً أقاموا في منطقة بخاري التي اعتنقوا فيها الإسلام على المذهب السنى وتحمسوا له ثم أخذوا يقتحمون سبيلهم ببطء وبقدم ثابتة وعلى رأسهم سلجوق ومن بعده أولاده حتى تمكنوا من أخذ بعض ممتلكات الإيلخانات والسامانيين واجتراً أحد أحفاد سلجوق وهو الزعيم طغرل ب هو وأخوه داود فواصلوا زحفهم حتى أطراف خراسان وفي سنة ١٠٣٧م تمكن الأخوان من الاستيلاء على مرو ونيسابور من أيدى الغزنويين وسرعان ما ضموا إلى ممتلكاتهم كلاً من بلخ وجرجان وطبرستان و خوارزم وكذلك همذان والرى وأصفهان وتصدع أمام تفوقهم ثم شرعوا يمهدون السبيل لتقدمهم في المستقبل فأرسلوا وفداً إلى الخليفة القائم بأمر الله في بغداد ليبلغه أنهم يعتنقون الإسلام وكان الخليفة يرجو أن ينقذه هؤلاء المحاربون البواسل من سيطرة بنى بويه فأرسل إلى طغرل بك يدعوه المعونه ولبي طغرل دعوته فأقبل فى عام ١٠٥٥م ووقف على رأس جماعة من قبائل التركمان الغلاظ الجفاة يطوقون أبواب بغداد فبارح البساسيري القائد التركي والحاكم العسكرى لبغداد في عهد آخر البويهيين وأسرع الخليفة القائم إلى استقبال الفاتح السلجوق واعتباره منقذاً وقد غاب طغرل عن بغداد سنة ثم عاد إليها واستقبل استقبالاً حافلاً ولبس الخليفة البردة وجلس من وراء ستار حتى إذا ما وصل الفاتح رفع الستار وجلس طغرل على منصة إلى جوار منصة الخليفة وكان يترجم بينهما ترجمان وقد عين الغازي حاكماً للامبراطورية و نودی به ملكاً على الشرق ومن ذلك الحين دخلت الخلافة العباسية تحت رعاية جديدة لم يعد الخليفة معها يملك إلا الزعامة الدينيةوعندما غاب طغرل في حملة إلى الشمال انتهز الباسيري وكان حانت إلى الفاطميين الفرصة فعاد في سنة ١٠٥٨م على رأس جيش من الديلم وغيرهم واحتل العاصمة بغداد وأكره الخليفة القائم على أن يمضى وثيقة يتنازل فيها عن حقوقه وحقوق كل العباسيين الآخر لمصلحة الخليفة الفاطمي المستنصر المنافس له فى القاهرة الذى أرسلت إليه إذ ذاك شارات الخلافة بما فيها بردة الرسول وغير ذلك من الآثار المقدسة وأرسلت كذلك عمامة القائم وشباك جميل من قصره إلى القاهرة لتكون تذكاراً لهذا الانتصار ولكن لما عاد طغرل إلى بغداد أعاد الخليفة و القائم وأمر بقتل البساسيري الحيانته سنة ١٠٦٠م ثم سرحت الجنود الديلمية فسحقت بذلك سلطة البويهيين نهائيا وبمجى السلاجقة وسيطرتهم على الأمور البعثت في الأداة الحكومية حيوية جديدة وكفاية لم تكن لها قبل مجيئهم كما بعثت بفضلهم في الإسلام قوة جديدة من الإيمان الصادق السليم فلقد أخذ هذا الشعب الأبى من آسيا الوسطى ينضم بدم جديد إلى الصراع الذى كان يقوم به الإسلام ليحصل على السيادة العالمية إن قصة هؤلاء البدو الذين اعتنقوا ديانة أولئك الذين تغلبوا عليهم وأصبحوا من أشد أنصارها حماساً لتعتبر حادثة فذة من الحوادث المعارة فى تاريخ هذا الدين ولقد تكرر هذا العمل على أبدى النار الذين جاءوا في القرن الثالث عشر كما تكرر على أيدى أقربائهم الأتراك العثمانيين الذين جاءوا في أوائل القرن الرابع عشر ولا أدل من ذلك على فاعلية الدين الإسلامي الذي يستطيع في أحلك الساعات السياسية بالنسبة له أن يكتسب انتصاراً من انتصاراته الزاهية لما توفى طغرل بك في عام ٠٦٣ ١م خلفه ابن أخيه ألب أرسلان سلطاناً على السلاجقة ولم يكن قد جاوز السادسة والعشرين من عمره وكان حاكماً قوياً عادلاً كريماً بوجه عام كثير البذل للفقراء لا يتوانى عن مجازاة من يظلم الناس أو يغتصب مالهم من عماله وكان يقضى جزءاً كبيراً من وقته في دراسة التاريخ كما كان مولعاً بالاستماع إلى أخبار السابقين وإلى الأعمال التي تكشف عن أخلاقهم وأنظمة حكمهم وإدارتهم وقد أثبت ألب أرسلان رغم هذه الميول العلمية أنه خليق باسمه الذي معناه البطل قلب الأسد فقد فتح الشام وبلاد الكرج وهراة وأرمينية وبذلك كان أول من اكتسب من المسلمين أرضاً ثابتة في بلاد الروم وقد كان إمبراطور الروم قد حشد جيشاً مؤلفاً من مائة ألف جندي من مختلف الأجناس ليلاق به جنود ألب أرسلان المضرسين البالغ عددهم ١٥,٠٠٠ مقاتل فلما التقيا عرض القائد السلجوق على عدوه صلحاً معقولاً رفضه رومانوس بازدراء واشتبك معه في معركة منزيكرت بأرمينية عام ۱۰٧١م وحارب بيسالة بين جنده الجبناء فهزم ووقع في الأسر وجيء به إلى السلطان فسأله ماذا كان يفعل لو ابتسم الحظ ؟ فأجابه رومانوس بأنه في هذه الحال كان يمزق جسده بالسياط ولكن ألب عامله أحسن معاملة وأطلق سراحه بعد أن وعده بأن يفتدى نفسه بفدية كبيرة وسمح له بالرجوع إلى بلاده ومنحه كثيراً من الهدايا القيمة وبعد عام من ذلك الوقت أغتيل ألب أرسلان كان ملكشاه بن ألب أرسلان أعظم سلاطين السلاجقة على الإطلاق وبينماكان قائده سليمان يتم فتح آسيا الصغرى كان هو نفسه يستولى على ما وراء نهر جيحون ويمد فتوجه إلى بخارى وكاشغر واستطاع بتدبير وزيره العظيم نظام الملك أن يجرى كثيراً من الإصلاحات والتجديدات حتى أسبغ على البلاد كثيراً من الرخاء والبهاء كالذى أسبغه البرامكة على بغداد في أيام هارون الرشيد وقد كانت كل الطرق في عهده آمنة لدرجة أن القافلة الواحدة المكونة من رجل أو رجلين كانت تستطيع أن تسافر بسلام دون أن تحتاج إلى حراسة خاصة من بلاد ما وراء النهر إلى بلادالشام كان نظام الملك العدو الأول والخصم اللدود لحسن الصباح هو اليد المديرة الهادئة خلال حكم ألب أرسلان وملكشاه فقد ظل نظام الملك ثلاثين عاماً ينظم شؤون البلاد ويشرف على أحوالها الإدارية والسياسية والمالية ويشجع الصناعة والتجارة ويصلح الجسور والنزل ويجعلها آمنة لجميع المسافرين وكان مثقفاً وعالماً كبيراً وصديقاً كريماً للمفكرين والشعراء والعلماء شيد المبانى الفخمة في بغداد وأسس فيها مدرسة كبرى ذاع صيتها في الآفاق وأمر بإنشاء إيوان القبة العظيم في المسجد الجامع بأصفهان ويبدو أنه هو الذي أشار على ملكشاه بأن يستقدم إلى بلاطه عمر الخيام وغيره من الفلكيين لإصلاح التقويم الفارسي وكانت النتيجة أن وضعواالتقويم المشهور المعروف بالتاريخ الجلالى الذي سمي كذلك نسبة إلى ملكشاه
لأن اسمه الكامل كان جلال الدين أبا الفتح . . ولقد قال جوستاف لوبون أحد العلماء المستشرقين المحدثين عن هذا التقويم إنه إلى حد ما أضبط من
تقويمنا ويحكى قصة قديمة إلى أن نظام الملك وحسن بن الصباح وعمر الخيام كانوا أصدقاء طفولة وقد أقسموا وهم صغار يطلبون العلم أن يقتسموا جميعاً ما عسى أن يوانى أى واحد منهم من حظ طيب وتحقق القول فيها عند الكلام على نشأة الحسن الصباح وقد كتب نظام الملك وهو فى سن الخامسة والسبعين فلسفته في الحكم في كتاب من أكبر الكتب فى النثر الفارسي وهو كتاب سياسة ناما أي كتاب فن الحكم ويوصى فيه بقوة أن يتمسك الملك والشعب بأصول الدين لأنه يرى أن الحكومة لا يمكن أن تستقر إلا إذا قامت على هذا الأساس ولم يبخل نظام الملك على مليكه ببعض النصائح الإنسانية بصره فيها بما على الحاكم من واجبات فقال إن الحاكم يجب ألا يفرط فى الشراب أو اللهو وإن عليه أن يتبين كل ما يرتكبه الموظفون من فساد أو ظلم ويعاقبهم عليه وأن يعقد مجلساً عاماً مرتين في كل أسبوع يستطيع أن يتقدم فيه أحقر رعاياه بما لديهم من الشكاوى والمظالم
وكان نظام الملك رحيماً بوجه عام في حكمه ولكنه لم يكن متسامحاً في أمور الدين لأن الدولة تستخدم في أعمالها المسيحيين واليهود والشيعة وندد أشد التنديد بحركة الحشاشين التي كان يتزعمها الحسن الصباح ويقول إنها تهدد وحدة الدولة وأن زعماءها من نسل المزدكية الشيوعيين أهل فارس الساسانيةومن هنا فقد كان يحارب هذه الحركة حرباً لا هوادة فيها انتهت سنة ١٠٩٢م باغتياله على يد أحد أتباع حركه الصباح وقد توفى ملكشاه بعد شهر من وفاة وزيره وبموته انتهت فترة المجد التي شملت حكم السلاطين السلاجقة الثلاثة الأولين لقد جمع هؤلاء الثلاثة الفترة صغيرة ولكنها زاهرة معظم البلاد المبعثرة التي كانت تكون يوماً ماوبعد موت ملكشاه تنازع أبناؤه على وراثة العرش وأخذت الحروب الداخلية تشتغل أوارها بينهم وتلت ذلك عدة اضطرابات أضعفت السلطةالمركزية السلجوقية وأدت إلى تصدع أسرته وقد كانت الامبراطورية السلجوقية مؤسسة على النظام القبلي لشعوبها البدوية فكان لا يستطيع أن يجمع بين هؤلاء إلا رجل يتمتع بشخصية قوية مسيطرة وكان نظام الاقطاعيات الحربية الذي أسسه نظام الملك سنة ۱۰۸۷ م والذي جعل هذه الاقطاعيات وراثية للمرة الأولى من العوامل التي أدت إلى تأسيس حكومات شبه مستقلة وهذه الاقطاعيات المنفصلة وصلت إلى الاستقلال الحقيقى فى أنحاء مختلفة من المملكة الواسعة في الوقت الذي كان فيه السلاجقة العظام فى فارس لا يتمتعون إلا بنفوذ اسمى حتى سنه ١١٥٧م في أواخر القرن الخامس الهجرى وأواخر القرن الحادي عشر الميلادي عندما أخذت جموع الصليبيين المتعددة الهويات تسلك سبيلها إلى بلاد الشام لتغتصبها من أيدى المسلمين كانت البلاد مسرحاً للانقسامات والعجز فلقد كانت موزعة بين عدد كبير من زعماء العرب المحليين وكان يحفها من الشمال الأتراك السلاجقةبينما كان الحكم في الجنوب في يد الشيعة الفاطميين بمصر وكان الشقان أبعد ما يكونون عن الوحدة في التكوين أو حتى في اللغة ففى جنوب لبنان كان يوجد الدروز وكان في الجبال الشمالية النصيرية ويجاورهم الاسماعيلية أو الحشاشون فيما بعد . . وكان هؤلاء يكونون ثلاث فرق مختلفة تناقض المذاهب السنية في مميزاتها . أما الجماعات المسيحية فكان من بينها المارون في شمال لبنان الذين كانوا لايزالون يتحدثون اللغة السريانية إلى حد كبير ويكونون أكبر أقلية مسيحية في تلك البلادثم جاء أحد فروع السلاجقة من أواسط آسيا وكونوا قسماً من أشهر أقسام تلك الأسرة ولكنهم لم يكونوا متحدين تحت زعامة رئيس واحد فلقد كانت كل بلدة في سوريا مهما يكن شأنها في ذلك الوقت لها حاكمها السلجوقى أو العربى وقد استقلت طرابلس بعد سنة ١٠٨٩ م تحت حكم بني عمار الشيعيين وكان بنو منقذ يحكمون شيزر بعد سنة ۱۰۸۱م وكان البيزنطيون يستولون على البلاد الواقعة على طول السواحل وعلى الحدود الشماليةوقد ظهرت أول حملات السلاجقة فى الشام قبل سنة ۱۰۷۰م بقليل وجعل ألب أرسلان في هذه السنة من الأمير العربي الذي يحكم حلب تابعاً له أنتهز قواد ألب بيت المقدس واستولى على فلسطين ولما كان السلاجقة من أهل السنة المتحمسين فإنهم كانوا يرون من واجبهم استئصال شأفة التشيع الفاطمي الإسماعيلي وبعد خمس سنوات استولى على دمشق من الفاطميين أيضاً ولكن لم تكد تأتى سنة ۱۰۹۸م حتى عادت بيت المقدس مرة ثانية إلى أيدى الفاطميين الذين قد أعاد أسطولهم القوى سنة ١٠٨٩ م الاستيلاء على كل مدن السواحل بما فيها عسقلان وعكا وجبيل في الشمال ويعتبر ابن ألب أرسلان المؤسس الحقيقي لدولة السلاجقة في الشام وقد استطاع في ربيع سنة ١٠٩٤ م أن يدعم نفوذه في حلب والرها والموصل علاوة على ممتلكاته في خراسان ولكنه لما سقط في العام التالي في المعركة انقسمت ممتلكاته الشامية التي تعب في الحصول عليها بين ولديه رضوان ودقاق نتيجة للمنافسة بينهما والتحاسد الموجود بين قواده الذين كانوا يجرون وراء مصالحهم الشخصية
وقد اتخذ رضوان حلب عاصمة له وظل يحكم فيها من سنة ١٠٩٥ إلى ١١١٣ م أما دقاق الذي حكم من ١٠٩٥ إلى ١١٠٤م فإنه أخذ دمشق عاصمة له وقد كانت العداوة والصراع بين الأخوين التي بدأت١٠٩٦م هى المحور الذي دارت حوله الحوادث في عصريهما
وسلبية الخليفة العباسي تجاه الحروب الصليبية
إن تسلط السلاجقة على الخلافة الذى بدأ في أيام القائم سنة (٤٤٧ هـ – ١٠٥٥م) استمر حتى سنة ( ٥٩٠ هـ – ١١٩٤م) في عهد الناصر وخلال الشطر الأكبر من هذه المدة كانت الحروب الصليبية تسلك سبيلها بصعوبة في سوريا وفلسطين ولكن لم يكن سلاجقة فارس ولا العباسيون يكترثون لشيء من هذه الأمور البعيدة عنهم وكانت الحروب الصليبية في نظر الشطر الأكبر من المجتمع الإسلامي إذا نظرنا من زاوية مركزه كونه أمراً أو حادثاً غير واضح الدلالة أو الغرض ولما سقطت أورشليم القدس وصل وفد من المسلمين إلى بغداد يطلب المعونة ضد المسيحيين الغزاة ذرف الناس الدمع الغزير وأظهروا العطف الكبير ولكن لم ترا أحد يعمل وقد أحال الخليفة المستظهر العباسي الوفد إلى السلطان بركيارق الخلف الثاني لملكشاه وابنه الذى بدأ في عصره تدهور السلطنة ففاوض الوفد السلطان وانتهت المفاوضة إلى لا شيء وفى سنة ۱۱۰٨م ظهر وقد آخر من طرابلس التي دكها الصليبيون وكان يرأس الوفد زعيم المدينة المحاصرة وفشلت البعثة هذه المرة كما فشلت نظيرتها من قبل وبعد ذلك بثلاث سنوات عندما أسر الافرنج بعض المراكب المصرية التي كانت تحمل سلعاً تجارية إلى تجار حلب ذهب وفد ثالث إلى الخليفة المستظهر وألح أعضاء هذا الوفد الحلبي وبلغ بهم الأمر إلى أن حطموا المنبر وعطلوا الصلاة في المسجد الذي كان يؤدى السلطان فيه الصلاة وأخيراً اكتفى المستظهر بأن أرسل ثلة من الجنود مع الوفد لم تفعل شيئاً بطبيعة الحال وهكذا كان الخليفة العباسي وسلطانه السلجوق يقفان موقفاً سلبياً حين كانت تمثل على مسرح تاريخ العلاقات الإسلامية الصليبية أروع مناظره وعندما صب الصليبيون في عهد الخليفة المقتفى جام غضبهم على الزعيم الإسلامى زنكى مؤسس دولة الأتابكة في الموصل والشام وشددوا عليه الحصار بعث يطلب النجدة العاجلة إلى بغداد فكان الرد أن أرسلت بضعة آلاف تلبية الإلحاح الشعب وفي تلك الفترة نفسها كان كل من نور الدين بن زنكي الذي اشتهر بشجاعته وميله إلى الحرب وصلاح الدين القائد العظيم قد نجحا لا في مقاربة الصليبيين فحسب بل في إسقاط الدولة الفاطمية ولما كان صلاح الدين سنياً مخلصاً فإنه أحل اسم الخليفة العباسي المستضيء في خطبة الجمعة بديل اسم الخليفة الفاطمي في كل من مصر والشام . وهكذا اعترف بالسيادة الاسميةللخلفاء العباسيين في هذه البلاد مرة أخرى واستطاع صلاح الدين أن يوجه الضربة القاضية للصليبيين في معركة حطين سنة (٥٨٣ هـ – (۱۱۸۷م) وبعد حصار بيت المقدس التي فقدت حاميتها في حطين بن حصاراً استمر أسبوعاً وجلجلت في المسجد الأقصى أصوات المؤذن بدل صلصلة الأجراس المسيحية ثم أسقط الصليب الذهبي الذي كان يعلو قبة الصخرة أسقطه محطماً رجال صلاح الدين وكان الاستيلاء على عاصمة المملكة اللاتينية مؤذناً باستيلاء صلاح الدين على معظم المدن الفرنجية في الشام وفلسطين لقد سلم معظم تلك المعاقل على أثر سلسلة من الانتصارات الباهرة فلم يقاوم واحد منها وما كانت تستطيع ذلك بعد إذ فقدت أحسن حماتها في يوم حطين وكأنما روح الجهاد التي يظهر أن الصليبيين فقدوها قد سرت في بطل الإسلام العظيم صلاح الدين فدفعته يواصل انتصاراته في الشمال حتى اللاذقية وجبلة وصهيون وفي الجنوب حتى الكرك والشوبك كل هذه المدن وغيرها مثل أرنون وكوكب وصفد وغيرها من الأشواك التي كانت تحز في جنب المسلمين سقطت قبل خاتمة سنة ( ٥٨٦) هـ – ١١٨٩م) أتاح الاعتراف الجديد بالخلافة العباسية الذي يرجع الفضل فيه إلى البطل صلاح الدين والمشاحنات الداخلية التي لا حد لها بين الأمراء السلاجقة الفرصة لتحقيق آمال الخليفة الناصر في أن يرجع إلى الخلافة شيئاً يشبه كيانها القديم وتعتبر فترة حكم الناصر التي امتدت من سنة ( ٥٧٦ هـ – ١١٨٠م) إلى ( ٦٢٢ هـ – ١٢٢٥ م) أطول فترة حكم في التاريخ العباسي وقد بدأ يفرض الناصر إرادته على العاصمة بغداد فأمر بإقامة عدة مبان تعهدها بالأموال كما رفع مستوى الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافيةوازدهر في ظل رعايته نظام خالص من الأخوة يعرف بنظام الفتوة ويرجع إصل هذه الأخوة إلى أيام على وكانت تجمع نفراً من أصل طيب معظمهم من سلالة ابن عم الرسول وزوج ابنته وكان يسمى أعضاء هذاالنظام بالفتيان وكانت لهم حفلات خاصة وطقوس لإدخال الأعضاء في جماعتهم كما كانوا يلبسون ملابس تميزهم عن غيرهم على أن محاولات الناصر هذه لم تكن أكثر من اشتعال فتيل قبل انطفائه أو كصحوة الموت وكانت أول غلطة خطيرة له عندما حرض تكش حاكم خوارزم وأحد أعضاء الأسرة التركية لشاهات خوارزم التي قيض لها أن تلعب الدور الرئيسي في تاريخ آسيا الوسطى أكثر من مائة سنة عندما حرضه على أن يهجم على سلاجقة العراق العجمي أى إقليم ميديا الذين خلفوا سلاجقة فارس العظام في حكم بغداد ودارت رحى المعركة بين تكش والسلطان السلجوق طغرل في سنة ( ٥٩٠هـ – (١١٩٤م) وانتهت بهزيمة طغرل وبذلك انتهى البيت السلجوق في كل من العراق وكردستان وكان الناصر ينتظر من الشاه المنتصر أن يسلم إليه البلاد المفتوحة ولكن تكش كان يفكر تفكيراً آخر ويدير شيئاً ثانياً ولقد اتبع التقليد السلجوق بأن سك على العملة اسمه كسلطان وكان يطمع في أن يكون له النفوذ الزمني في بغداد وأن يترك للخليفة السلطة الاسمية فقط واستمر النزاع في عهد ابنه علاء الدين محمود الذي خلفه على العرش سنة (٥٩٧ هـ – ۱۲۰۰م) فبعد أن أخضع الشطر الأكبر من فارس وبخاري وأختها سمرقند واستولى على غزنة قرر هذا الشاه الخوارزمي أن يضع حداً نهائياً للخلافة العباسية وصمم على أن يقيم مكانها خلافة علوية ووقع الخليفة الناصر فى حيرة لم يخرجه منها إلا ظهور قوة كبرى كان قد بدأ نجمها يبزغ فوق الأفق فى الشرق البعيد بقيادة جنكيز خان ذلك الزعيم المرعب الجموع التتار الوثنية فقد أدت ظهور هذه القوة إلى انشغال علاء الدين محمود الخوارزمي بمقاومتها والتصدى لها بما صرف نظره عن مطامحه بشأن القضاء على الخلافة العباسية وأمام هذه الجموع التتارية الرهيبة التي كانت تتراوح بين ٢٠,٠٠٠ و ۷۰,۰۰۰ ويزداد عددهم بمن ينضم إليهم من الشعوب التي تخضع لهم على طول الطريق لم يجد علاء الدين وسيلة إلا الفرار وكان الملجأ الذي أهرع إليه جزيرة في بحر الجزر كان التتار بقيادة جنكيز خان على خيولهم السريعة وبما يحملون من أقواس غريبة يثيرون وينشرون الفزع والخراب أينما حلوا لقد استوصلت أمام حركاتهم وزحفهم كل مراكز الثقافة فى الشرق الإسلامي وتركوا كل مكان عامر صحراء بلقعاً وخرائب متراكمة يستوى فى ذلك القصور الفخمة ودورالكتب العظيمة وكان يدل على مسيرهم مجرى من الدماء فقد كان تعطشهم للدماء عجيباً ومفزعاً وعلى سبيل المثال كان عدة أهل هراة ۱۰۰,۰۰۰ فلم يتركوا فيها إلا ٤٠,٠٠٠ أما مساجد بخاري التي كانت مقر العلم والتقى فقد اتخذ منها هؤلاء المتخلفون أشباه الإنسان اسطبلات خيولهم وقائدهم جنكيز خان السيف الكثير من سكان سمرقند وبلخ وساق أمامه جموع الأسرى منهم أما خوارزم فقد دمرت تدميراً تاماً وقد روى عن جنكيز خان أنه بعد الاستيلاء على بخارى وصف نفسه في إحدى خطبة بأنه عذاب الله أرسله إلى الناس عقاباً لهم على خطاياهم وعندما زار ابن بطوطة هذه المدن بعد مائة عام من ذلك الوقت وصفها بأن أكثرها لايزال خراب ينعق فيها اليوم وزحف تولوى بن جنكيز خان بجيش يبلغ سبعين ألفاً اخترق به خراسان وخرب كل ما مر به من المدن وكان هؤلاء الهمج يضعون الأسرى في مقدمة جيوشهم ويخيرونهم بين قتال مواطنيهم من أمامهم أو قتلهم من خلفهم وفتحت مرو خيانة وأحرقت عن آخرها ودمرت في اللهب مكتبتها التي كانت مفخرة الإسلام وسمح لأهلها بأن يخرجوا من أبوابها يحملون معهم كنوزهم ولكنهم لم يخرجوا على هذا النحو إلا ليقتلوا وينهبوا فرادى ويؤكد المؤرخون أن هذه المذابح استمرت ثلاثة عشر يوماً هلك فيها ١,٣٠٠,٠٠٠ نسمةوقاومت نيسابور الغزاة الهمج ببسالة زمناً طويلاً فلما استسلمت آخر الأمر قتل كل من فيها من الرجال والنساء والأطفال ماعدا أربعمائة من مهرة الصناع أرسلوا إلى منغوليا وكومت رؤوس القتلى في كومة مروعة وخربت كذلك مدينة الرى الجميلة ومساجدها البالغ عددها ثلاث آلاف وما كان فيها من مصانع الفخار الذائعة الصيت وقتل أهلها عن آخرهم كما يقول المؤرخين لقد كانت هذه الوحشية جزءًا من علوم الحرب عند المغول وكانوا يقصدون بها شل قوى أعدائهم بما يقذفونه من الرعب في قلوبهم وإرهاب المغلوبين على أمرهم حتى لا يفكروا فى الخروج عليهم ونجحت هذه الخطةإلا مع مصر القاهرة أما الخليفة الناصر فإنه قضى السنوات القلائل الباقية من حكمه الطويل في حالة رعب مستمره وكذلك كان حال ابنه الظاهر وحفيده المستنصر وحدث ذات مرة أن التتار قد تقدموا حتى وصلوا إلى سامراء فامتلأ أهل بغداد رعباً وأخذوا يتهيأون للدفاع عن أنفسهم ولكن الخطر زال مؤقتاً ولم يكن زواله إلا بمثابة الهجعة المؤقتة قبل هبوب العاصفة المميتة وقد هبت العاصفة المميتة بالفعل عندما سمع التتار بتحركات الحشاشين ضدهم في إيران ففى سنة (٦٥٢هـ – ١٢٥٣م) بارح هولاكو حفيد جنكيز خان منغولياً على رأس جيش ضخم واضعاً أمام عينيه هدفين أساسيين هما تحطيم الحشاشين الذين أبدوا بأساً وشجاعة وصموداً في مواجهتهم والقضاء على الخلافة العباسيةوعندما بدأت موجة الزحف المغولى الثانية اكتسحت أمامها كل الإمارات الصغيرة التي كانت تحاول أن تقوم على أنقاض امبراطورية خوارزم شاه وأرسل هولاكو دعوة إلى الخليفة المستعصم لينضم إليه في حملة ضد حركة الحشاشين فلم تلق دعوته جواباً مما دفع هولاكو إلى تركيز جل جهوده على مهاجمة معاقل وقلاع الحركة وبالفعل تمكن في النهاية من تحطيم معظم القلاع بما فيها قلعة الموت الشهيرة وبعد أن حقق هولاكو هدفه الأول المتمثل في القضاء على الحركة الخطرة حركة الحشاشين أرسل في العام التالي وهو في طريق خراسان المتعرج المشهور إنذاراً نهائياً إلى المستعصم يطلب فيه أن يكون الخليفة خاضعاً للخان الأعظم وأن تجرد بغداد من الأسلحة ومن جميع وسائل الدفاع وأن يدمر أسوار مدينته الخارجية فرفض المستعصم هذه الطلبات في إباء فحاصر المغول بغداد وأخذت منجنيقات هولاكو تقذف أحجارها على أسوار العاصمة وسرعان ما أحدثت تصدعاً في أحد الأبراج رأى الخليفة هلاك المدينة أمر لابد حادث ولم يجد بداً من تسليم نفسه إلى عدوه على أمل الرحمة التي وعده بها هولاكو فخرج من بغداد يوم الأحد من صفر سنة ٦٥٦هـ ومعه أولاده الثلاثة أبو الفضل عبد الرحمن وأبو العباس أحمد وأبو المناقب مبارك وثلاثة آلاف شخص من السادة والأئمة والقضاة وكبار رجال الدولة وسلم نفسه معهم إلى هولاكو وقد قابله هولاكو المخادع الذى ليس له عهد ولا ضميروطلب منه أن يأمر أهل بغداد بالتجرد من سلاحهم والخروج من مدينتهم بقصد عمل تعداد لهم فأجابه الخليفة إلى ذلك وأرسل رسولاً من لدنه ينادى على الناس رجوا من الأسوار ولما فعلوا ذلك أمر في طرقات بغداد أن يرموا سلاحهم ويخرجواثم دخل جيش هولاكو المدينة وأعملوا فيها السلب والنهب والقتل أربعين يوماً كاملة حتى فتكوا بـ ۸۰۰,۰۰۰ من أهلها على حد قول بعض المؤرخين وهلك فى هذه المذبحة الشاملة آلاف من العلماء والشعراء والأدباء ونهيت و دمرت فى أسبوع واحد المكاتب والكنوز التي أنفقت فى جمعها قرون طوال وذهبت مئات الآلاف من المجلدات طعمة للنيران أما الخليفة وأفراد أسرته فقد أرغمهم هولاكو على أن يكشفوا عن محابي ثرواتهم ثم قتلهم و توجه هولاكو إلى سوريا واستولى على حماة وحارم بعد استيلائه على حلب التي سلم فيها عدداً يقرب من خمسين ألفاً من السكان إلى السيف وعندما بلغه موت أخيه الخان الأعظم اضطر إلى العودة إلى منغوليا وبقى جيشه وراءه يتقدم لفتح باقى بلاد الشام تحت إمرة غيره من القواد حتى التقى عند عين جالوتها سنة ( ١٢٦٠م) بجيش مصر يقوده الملك قطر وقائده بيبرس وتمكن الجيش المصرى من تحطيم الجيش المغولى وزفت البشرى إلى كل مكان في بلاد الإسلام بل وفى أوروبا وابتهجت نفوس الناس على اختلاف أديانهم ومذاهبهم فقد حل الطلسم وذهب الروع بعد ذلك استطاع المماليك أن يعيدوا استرداد كل سوريا وعندما عاد هولاكو وحاول أن يعقد محالفة مع الفرنج ليغزو سوريا فشل في محاولته .
ويعد هولاكو أول من حصل على لقب و أيلخان سيد القبيلة باعتباره المؤسس لدولة المغول فى فارس تلك الدولة التي امتدت من أموداريا جيحون إلى حدود الشام ومن جبال القوقار إلى المحيط الهندى وكان هذا اللقب يحمله أخلاقه من بعده حتى السابع منهم المسمى غازان محمود ( ١٢٩٥ – ١٣٠٤م) وهو الذي أصبح في عهده الإسلام بما فيه من ميول شيعية دين الدولة الرسمي وفي عهد هؤلاء الأيلخانات أو أخلاف هولاكو هبطت مكانة بغداد حتى أصبحت عاصمة لمقاطعة تعرف باسم العراق العربي وقد شجع الأيلخان هولاكو العنصر المسيحى بين رعاياه وفي أوقات السلم كان يميل دائماً إلى أن يتخذ مقره في مراغة الواقعة إلى الشرق من بحيرة أرمية الملحة حيث أقيمت هناك عدة مبان من بينها المكتبة المشهورة والمرصد وفى هذه البلدة مات هولاكو سنة ١٢٦٥م ودفن معه جرياً على العادة المغولية عدة من الفتيات الجميلات أما هولاكو ومن خلفه فإنهم كانوا كما كان السلاجقة من قبلهم يسرعون إلى تقدير الإدارة الفارسية ويستفيدون منها وكثيراً ما كانوا يحيطون أنفسهم بجماعة من العلماء المثقفين أمثال الجويني ورشيد الدين وهما من أشهر مؤرخي العصر والحق أن الخمسة والسبعين حالة التي حكم فيها الأيلخانات فارس كانت سنوات مزدهرة بالتقدم الأدبى لقد بدأ الإسلام في الشطر الأول وكأنه سيزول إلى الأبد فلقد حصر من ناحية الشرق بهؤلاء المغول الهمج رماة النيل والخيالة ومن الغرب بالفرسان المدرعين من جنود الصليبيين وما أعظم الفرق بين هذا الموقف وموقف الإسلام في الشطر الأخير من نفس هذا القرن إن آخر جندى صليبي كان قد قذف به إلى البحر أما سابع الأيلخانات الذين عشق كثير منهم المسيحية واحتضنوها فقد اعتنق الإسلام واتخذه ديناً للدولة .
وهكذا انتصر دين الإسلام في الوقت الذي انهزم فيه جنوده وفي مدة تقل عن نصف قرن من محاولة هولاكو تدمير الحضارة الإسلامية نرى واحداً من أبناء أحفاده وهو غازان من أشد الناس إخلاصاً للإسلام ركز كل جهده وتفكيره فى محاولة لإحياء تلك الحضارة الإسلامية
ترجع الأصول الأولى لحركة الحشاشين إلى التيار الشيعي في الإسلام ذلك التيار الذي انقسم إلى فرقتين كبيرتين عند موت الإمام جعفر الصادق الإمام سنة ١٤٨ هـ وقد كان الإمام جعفر قد عهد بالإمامة إلى ابنه الأكبر إسماعيل ولكن مات إسماعيل أثناء حياة أبيه جعفر الصادق وهنا حدث الخلاف بين الشيعة هل تنتقل الإمامة إلى محمد بن إسماعيل أم من حق الإمام جعفر الصادق أن ينقلها إلى ابن آخر من أبنائه هو موسى الكاظم ساقت مجموعة بقيادة ميمون القداح الإمامة إلى محمد بن إسماعيل وقالت ليس من حق الإمام جعفر نقل الإمامة إلى ولد آخر من أولاده في حين صرف الإمام جعفر الإمامة بالفعل إلى ابنه الآخر موسى الكاظم فكان ذلك هو عقد ميلاد فرقتي الشيعة الرئيسيتين الإسماعيلية والاثنا عشرية فالاثني عشرية هي التي أيدت إمامة موسى الكاظم أما الإسماعيلية بقيادة ميمون القداح فقد ساقت الإمامة إلى محمد بن إسماعيل ولما مات ميمون خلفه ابنه عبد الله في الدعوة إلى أبناء إسماعيل وكانت الحركة بعد موت إسماعيل قد دخلت في دور الستر وأخذت تنمو وتتوطد دعائهما الفكرية حيث عمل رجالها على تأليف المصنفات التي تنظر لدعوتهم وينفى معارضو الإسماعيلية تسلسل أي من الإئمة المستورين من الإمام إسماعيل ويقولون أنه لم يعقب ولداً وأن محمداً لم يكن البته وإنما هو عبد الله بن ميمون القداح الذي نسبه ميمون إلى اسماعيل وسماه محمداً وهناك إدعاءات أخرى متعددة غير ذلك والواقع أن حسم هذه المسألة من الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً لأن دخول الحركة في تلك الفترة الغامضة المعروفة بـدور الستر يجعل كل الاحتمالات ممكنة لاسيما وأن المؤرخين قد اختلفوا اختلافاً واسع النطاق حول هذه المسألة ولكل منهم أدلتهم وبراهيه وتدعو إليها وقد ظهرت في هذه الفترة الغامضة التي امتدت من موت إسماعيل حتى ظهور عبيد الله مؤسس الدولة الفاطمية مجموعة رسائل إخوان الصفا التي أشرف على تأليفها الإمام أحمد أحد الأئمة المستورين وطوال فترة الستر التي تعاقب فيها ثلاثة من الأئمة المستورين لم تحقق الدعوة نجاحاً كبيراً إلا بظهور عبيد الله المهدى الذي يعتبر ظهوره أقصى ما وصلت إليه الدعوة الإسماعيلية من نجاح لا يقاس به إلا نجاح الدعوة الأولى ويرجع قسط غير قليل من هذا النجاح إلى الجهود الشخصية التي بذلها أهل صنعاء اليمن وهو الذي أعلن كبير الدعاة أبو عبد الله الحسين الشيعي من نفسه في نهاية القرن الثالث الهجرى مبشراً بظهور المهدى وتمكن من غرس بذور الثورة بين قبائل البربر في شمالى أفريقيةوخاصة قبيلة كتامة وترجع بداية معرفته بأفراد هذه القبيلة إلى موسم الحج في مكة وكانت أفريقية في ذلك الوقت تحت حكم الأغالبةثم انتقل أبو عبد الله إلى تازروت قرب بجاية في المغرب الأوسط في إقليم القبائل الحالي واتخذها حصناً ومعسكراً يعد فيه القوة العسكرية اللازمة للقضاء على الدولة الأغالية في إفريقية وإقامة دولة الفاطمية مكانهاوعندما سمع سعيد بهذا النجاح الباهر الذي حققه كبير دعاته في تلك المنطقة البعيدة عزم على أن يترك المقر الأصلى للإسماعيلية في سلمية وأن يكون متنكراً في ثياب تاجر إلى الشمال الغربي من إفريقيةوعند وصوله أمر زيادة الله بالقبض عليه وبهجته في سجلماسة ولكن أبا عبد الله الشيعي واستطاع في سنة ٢٩٧ هـ أن يحطم دولة الأغالية التي ظلت تحكم زهاء قرن وأن يطرد آخر سلالتها زيادة الله من البلاد وقد كان الأغالية بمثال الإسلام السني في شمالي إفريقية وأعلن سعيد تقسيم حاكماً على تلك البلاد واتخذ لقب الإمام عبيد الله المهدي وقبله الناس على أساس أنه من فاطمة عن طريق الحسين ثم إسماعيل بن المحسب وشارك الأسرة الحاكمة التي عرفت باسم العبيدية لاسيما من أولئك الذين لا يؤمنون بصحة نسبه فمن المعروف أن المؤرخين يختلفون حول صحة تسلسل الفاطميين من فاطمة ويوجد في كتب التاريخ ما لا يقل عن مئات الكتب المختلفة يلحق بها أنصاره والخصومة الجدير بالذكر أن خلاف نسب الفاطميين لم يقم إلا في عهد العباسيين حيث جمع الخليفة العباسي علماءاهل السنة حتى لا يتسلسلوا من الدين ويشككون فيه و ينكرونها ومن بين المرشحين أصحاب الإلمام ابن عذاري و ابن تغري بردی أما الذين يويلون صحة نسبة كثيرون منهم ابن الأثير وابن خلدون والمقريزي
أمر قادر أقامه تقاليده الأولي في سوعادة مقر الأغالية زهري ضاحية المهاوقة من أقوى الأحكام المختلطة وبيع الحسين عبد المطلي الفتح لبلاد المغرب على أهل الخزريع الذي وحد نفسه فيها وقد ساعده ألف جندي لمنع قبائل بربرية الضخمة متطلع إلى الغارات والمغانم وفرض السلطان على شرق منازل كتامة جذعاً ضخماً يضم عدداً كبيراً من القبائل كانت هناك قبائل صنهاجة المغرب الأوسط وكانت أعدادهم أكبر من أعداد كتامة فاصطنع عبيد الله المهدى واحداً من أكبر زعمائهم وهو مصالة بن حبوس وسلطه على بقية المغرب الأوسط وكانت تسكته قبائل زنانية أكبرها مغراوة وبنو يفرن فحمل الصنهاجيون عليها ودفعوها إلى الغرب واستعانت القبائل الزناتية في محنتها ببني أمية الأندلسيين ووصل مصالة بن حبوس تابع الفاطميين بمن معه من الصنهاجيين إلى المغرب الأوسط وغلبوا الأدارسة ودخلوا فارس وولى مصالة عليها رجلاً من أنصاره وهو موسى بن أبى العافية وتقدمت أمداد الأمويين الأندلسيين لعون الأدارسة وبنى خزر الزناتيين واشتعل المغرب كله ناراً نتيجة لتلك التوسعات الفاطمية من جهة أخرى فإنه في سنة ٣٠٢ هـ استولت جيوش المهدى على الاسكندرية وبعد ذلك بعامين اكتسح كل الدلتا ثم أرسل من قبيلة كتامة حاكماً جديداً إلى صقلية وكون علاقات صداقة مع الثائر ابن حفصون في الأندلس وقد شعرت جزائر مالطة وسردينية وفروسيقة وجزائر البليار وغيرها بقوة أسطوله الذي ورثه عن الأغالبة وفى حوالى ( ٣٠٩ هـ – ٩٢٠م) اتخذ مقامه في عاصمته الجديدة و المهدية التي أسسها على ساحل تونس على بعد ستة عشر ميلاً من الجنوب الشرق للقيروان وأطلق عليها اسمه وخلال تلك الفترة أقامت الدولة الجديدة تنظيماً واسعاً للدعوة الشيعية الإسماعيلية فلم تجد دعوتهم صدى إيجابياً حيث نفر منهم أهل إفريقي نفوراً شديداً بسبب تمسكهم البالغ بالمذهب السنى المالكي يتزعمهم في ذلك ففاؤهم ومنذ البداية اتضح العبيد الله المهدى أن إفريقية لن تكون أبداً مهداً وتيراً لدولته الفاطمية الإسماعيلية وبدأت فى أيامه المعركة الطويلة بين السنية المالكية والشيعية الإسماعيلية على أرض إفريقية معركة طويلة وعنيفة استمر المغرب يعانى منها طوال الفترة الفاطمية
وقد اتبع أخلاف عبد الله سياسة التوسع التي بدأها هو ابنه أبو القاسم محمد القائم فإنه أرسل أسطولاً يغزو السواحل الجنوبية لفرنسا وأستولى على جنوة وسار على طول ساحل قلورية يغزو ويحمل معه الأسرى والغنائم ولكن هذه الحملات مع ذلك لم تؤدى إلى غزو دائم وبعد أن تغلب الفاطميون في أواخر خلافة ثالثهم أبي طاهر إسماعيل المنصور الذي حكم من وفاة القائم حتى سنة (٣٤١هـ – ٩٥٣م) على ثورة الخارجي أبى يزيد مخلد بن كيداد التي كادت تودي بدولتهم بعد ذلك اتجهوا بأنظارهم إلى مصر وقد شجعهم على ذلك ضعف الدولة الإخشيدية من ناحية والمتاعب والأزمات والتوترات التى كانت تواجههم في دول المغرب من ناحية أخرى .
ولكن قبل أن يركزوا جهودهم فى السيطرة على مصر وفى عهد الخليفة أبي تميم المعز استطاع الأسطول الفاطمي أن يغزو سواحل الأندلس التي كان خليفتها آنئذ الناصر العظيم وبعد ذلك بفترة وجيزة تقدم الجيش الفاطمي ناحية الغرب حتى وصل إلى المحيط الأطلنطى الذي أرسل قائد الجيوش بعض وبعد ذلك ركز الخليفة المعز لدين الله جهوده في محاولة السيطرة على مصر حتى تم له ذلك على يد قائده جوهر الصقلي ولد جوهر الصقلي في مقاطعة بيزنطية لعلها صقلية وبيع بعد ذلك في القيروان وفي الحال بعد أن دخل جوهر العاصمة و الفسطاط منتصراً في سنة ٣٥٨ هـ بدأ يضع أساس المدينة العظيمة القاهرة و التي سميت كذلك نسبة إلى الكوكب السيار و قاهر الفلك أي المريخ وقد أصبحت القاهرة عاصمة الدولة الفاطمية سنة (٣٦٢هـ ۹۷۳م) وبعد تأسيس القاهرة أسس جوهر الصقلي الجامع الأزهر نسبة إلى الزهراء أحد ألقاب السيدة فاطمة بنت النبي وبذلك أصبح جوهر الصقلي بعد أبي عبد الله الحسين الشيعى المؤسس الثاني للإمبراطورية الفاطمية التي صارت تضم كل شمالي إفريقيةوعندما رأى الخليفة المعز لدين الله أقدام جيوشه بقيادة جوهر تتؤطد في مصر عزم على نقل خلافته إلى القاهرة وقبل أن يغادر القيروان استخلفه مكانه على المغرب بن مناد الصنهاجي أكبر زعماء صنهاجة المغرب الأوسط وقد بادر جوهر منذ دخوله مصر بإرسال أحد كبار قواده واسمع جعفرين فلاح إلى بلاد الشام وقد وصل ذلك القائد إلى دمشق واحتلها احتلالاً مؤقتاً أما غربى شبه الجزيرة العربية فقد ورثه الفاطميون عن الأحاشية الذين كانوا يتولون أمر حراسة مكة والمدينةوفي تلك الأثناء برز أمام الفاطميين عدد المتون هم القرامطة الذين يسيطرون على إقليم الأحساء وجزيرة البحرين وقد كانت علاقاتهم من الفاطميين في أول أمرهم علاقات صداقة فلما أصبح الفاطميون خلفاء مصر انقلب عليهم القرامطة بسبب التصارع على مناطق النفوذ ولم يطل عمره فقد تولى المعزي لدين الله في٩٧٥م وكانت فترة حكمه لمصر سنتين وتسعة شهور أثبت فيها أنه من أقدر الخلفاء الفاطميين الذين حكموا مصر إن لم يكن أقدرهم على الإطلاق في سنة ٣٦٥ هـ تولى الحكم بعينه أبو منصور نوار العزيز الذي وصلت الدولة الفاطمية في أوجتها في تجميع المساجد من المحيط الأخلاقى إلى البحر الأحمر واليمن ومكة ودمشق بل في الموصل الاسرة ويمكن القول مدة حكمه الاسمي على الأقل الخلافة المصرية في عهد إلى حد أنها أصبحت موضع التعليم الأول للخلاقةفي بندقة وذهب به البشكير إلى حد أنه في القاهرة ألف دينار الأولى بنيه مناقب العباسين النور وإنشاء كثير من المساجد و القصور والشرح والجسور ورغم إزدهار الخلافة الفاطمية فى عصره إلا أن أسباب تدهورها فيما بعد كان هو المسؤول في ذلك لأن كان أول خليفه كانيين الخطر في سياسة الدولة و وفاة العربي سلام علق فيه الحاكم بأمر الله أن إحد عشرة سنة و يشتمل فتي في حكمه على مناقضات عربية و يأمر بالتي ثم يعاني عليه وعلى محرقة العزيمة يقتلها ويني المدارس وينصيب فيها الفقهاء و يتعلم ثم يقهرها
وتتباين أقوال المقيمين له تبايناً عظيماً فمنهم من يتحدث عنه كعبقرى ومنهم من يعتبره مختل العقل مستهتراً سفاكاً للدماء وخلاصة الانطباع الذى يستطيع المرء أن يكونه بعد استقراء فترة حكمه والتأمل في أحداثها تتمثل في أن الحاكم كان لغز عصره وتعد شخصيته مثالاً نموذجياً للخفاء والغموض والتناقض ولم تكن مظاهر الغموض والتناقض التي تنتاب هذه الشخصية الغربية في كثير من المواطن لتحجب مظاهر القوة المادية والمعنوية التي تتمتع بها في أحيان كثيرة . بيد أن الخفاء والغموض يغمر هذه المظاهر جميعاً سواء فى فترات قوتها أو ضعفها وكان هذا الخفاء والغموض المروع يصحب الحاكم فى حياته الخاصة وفى تصرفاته العامة في أقواله وفى أفعاله وأى خفاء وغموض أشد من ذلك الذي تنفذه حولها شخصية ترتفع فى سماء التفكير حتى لتزعم السموفوق البشر وتهيم في دعوى الألوهية ومع ذلك تنحط في كثير من نزعاتها وتصرفاتها إلى نوع من الشذوذ بل الجنون الغامض ؟!وقد انتهت فترة حكمه باختفائه في إحدى الليالي سنة (٤١١هـ -۱۰۲۱م) وتذكر بعض الروايات أنه وجد مقتولاً فوق سفح المقطم ويقال إن رجلاً اغتاله غيرة الله وللإسلام بعد ادعائه للإلوهية وتنكيله بمصر وأهلها لكن بعض المؤرخين يذكرون أنه اختفى نتيجة لمؤامرة دبرتها أخته ست الملوك التي اتهمها الحاكم فى عرضها قدمت له رجلين اغتالاه وأخفيا أثره وأعلن أحد دعاته ويدعى حمزة أنه احتجب وسيعود لنشر الإيمان بعد الغيبة
بعد رحيل الحاكم بأمر الله تولى الخلافة ابنه الظاهر الإعزاز دين الله سنة ( ٤١١) هـ) بعهد من أبيه الحاكم وكان في السادسة عشرة من عمره وكانت عمته مست النصر أخت الحاكم هى القائمة بأمور الدولة الصغر سنه واستمرت إلى أن توفيت سنة (٤١٥هـ) . وقد اضطربت أحوال الديارالمصرية والبلاد الشامية في عصره وتغلب حسان بن مفرح الطائي شيخ عربان جبل نابلس على أكثر الشام و دولة الظاهر قرابة ستة عشر عاماً وكان محباً للعدل فيه لين وسكون مع ميل إلى اللهو مما أعطى الفرصة لوزرائه أن تكون السلطة الحقيقية بأيديهم وقد تمكن من إنشاء علاقات ودية مع قسطنطين الثامن واتفق معه على أن يذكر اسمه في المساجد الواقعة في ممتلكات الإمبراطور وأن يصلح مسجد القسطنطينية في نظير أن يسمح الظاهر بإعادة بناء كنيسة القيامة أو القبر المقدس وبوفاة الظاهر اعتلى ابنه المستنتصر العرش وكان في الحادية عشرة من عمره ويعتبر حكمه البالغ زهاء ستين سنة أطول حكم حكمه خليفة في التاريخ الإسلامي وهو الخليفة الفاطمي الذي قابل فيما بعد الحسن الصباح مؤسس حركة الحشاشين عند زيارته لمصر وأخذ عليه العهد والولاء له وكلفه بالدعاية الإسماعيلية في بلاد فارس وعندما سأله الحسن من إمامي بعدك قال له المستنصر .. وفي الشطر الأول من حكم المستنصر كان يقوم بأمره وزير أبيه أبو القاسم وعلى بن أحمد الجرجرائي ثم تغلبت أمه على الدولة وهي أمة سودانية اشتريت من يهودي فكانت تتمتع هى ومن باعها بأعظم النفوذ وكانت تصطنع الوزراء وتوليهم ومن استوحشت منه أو عزت بقتله فيقتل .
وفي عهده بدأت الممتلكات الفاطمية تتقلص وبعد سنة ١٠٤٣م ابتدأت الممتلكات الفاطمية التي كانت دائماً ضعيفة الارتباط بمصر تنفصل عن الدولة
بسرعة وكانت فلسطين دائمة الثورات ثم ظهرت قوة كبيرة فى الشرق تلك هي قوة التركمان السلاجقة الذين أخذوا يتطلعون إلى آسيا الغربية وقتئذ وفى نفس الوقت كانت المقاطعات التابعة الفاطميين تنفصل وتجبر على دفع الجزيةوبنفوذ الفاطميين خضعت الذين لم يكتفوا بالاستيلاء عليها بل اكتسحوا بعض الأجزاء من الفرعنة السهليه نفوذ الفاطميون خارج قصر النظرية انه العصاً القضية الشيعية الى بلاد العرب الحالة الداخلية في مصر اتت الشراع بين مرسى الأتراك والمغاربة والسودانيين أدت إلى قتل سلطة الحكومة ثم كانت سبع سنوات عجاف فأرهقت الموارد الاقتصادية ارد الاقتصادية في البلاد وقت الرحال الخليفة القلق يستدعي بدرا المال الأراضي الا وهى من الموالي السابقين في وكان في ذلك الوقت المحاكم فيد زوجته نصر بن عباس الذي شجعه الخليفة فيما عبد على أن يقتل أباه باس بن السلام الذي خلفه في الوزارة وكذلك مقتل الظافر المصحوب بالغموض على يد ذلك المتآمر الصغير صفحة سوداء تاريخ مصر السياسي وفى اليوم التالى لمقتل الخليفة الفاطمي الظافر نادى العباس بابنه الذي كان لا يتجاوز الرابعة من عمره خليفة وأعطاء لقب الفائز وقد مات هذا الخليفة الطفل وهو في الحادية عشرة من عمره وتلاه سنة (٥٥٦ هـ – ١١٦٠م) ابن عم له عمره تسع سنوات وهو الخليفة العاضد الرابع عشر من خلفاء هذه الدولة التي حكمت أكثر من قرنين ونصف قرن من الزمان وكان مما يزيد في تعاسة الشعب المصرى الذى كان يعتمد في حياته وإقامة أوده على فيضان النيل تلك المجاعات والأوبئة المتكررة التي كانت تصيب البلاد الفترة بعد الأخرى وكان نتيجة ذلك ازدياد الضرائب على الشعب وتعرضه للاغتصاب حتى يشبع جشع الخلفاء وجنودهم وقد زاد الأمور تعقيداً مجيء الصليبيين وهجمات أملريك ملك بيت المقدس الذي وصل إلى داخل البلاد حتى وقف سنة (٥٦٢ هـ – ١١٦٧م) بجوار أبواب القاهرة نفسها إن كل تلك الأمور قد وضع لها صلاح الدين حداً نهائياً بعزله لآخر خليفة فاطمي في ( المحرم سنة ٥٦٧ هـ – سبتمبر ۱۱٧١م) وأسقط الخطبة على المنابر للخليفة الفاطمى وأقام الخطبة للخليفة العباسي على منبر الأزهر ثم بقية منابر مصر وبذلك انتهت الدولة الفاطمية الإسماعيلية وبمجرد سقوطها زال كل أثر شيعي من الساحة المصرية على المستوى الفكرى والاجتماعي والديني كان ذلك في افريقية ومصر حيث نجحت الحركة في تشييد دولتها وأخفقت في نشر فلسفتها وتعميم عقيدتها ولاشك أن هذه مفارقة تلفت النظر وتدعو للتساؤل لماذا فشلت الدعوة الإسماعيلية في تدعيم عقيدتها في تلك البلاد رغم نجاحهاالسياسي الذي لم تستطع أن تحققه من قبل لدرجة أن كل أثر فكرى من آثارها زال معها عند زوالها السياسي لماذا كانت العقيدة الإسماعيلية غائبة وفي لحظات الحضور كان حضورهاحضوراً مغترباً لقد نجحت الحركة الإسماعيلية في تأسيس دولتها سنة ٢٩٦ هـ بافريقية تونس في مجتمع قبلي صحراوی و شبه صحراوی ( مجلماسة – القيروان ) سبق للإسلام أن مسح الطاولة فيه مسحاً مجتمع تبنى الإسلام السني كمانشره و السلف الفاتحون .
إذن كان من الطبيعي أن يقتصر الدعاة الإسماعيليون في نشاطهم الفكرى الديني بافريقية والمغرب على الظاهر وأن يركزوا على الجانب السياسي التنظيمي باستثمار سخط السكان على الولاة والاعتماد على التحالفات القبلية وإذا وضع المرء فى اعتباره أن السلطة العباسية لم تكن مباشرة على هذه المنطقة إذ قامت هناك دولة الأغالبة وهي دولة صغيرة ضعيفة تبين له أن نجاح الدعاة الاسماعيليين كان نجاحاً سياسياً بالدرجة الأولى وأن الدولة الإسماعيلية التي متجسم هذا النجاح لم تختلف فى وضعيتها الاجتماعية والسياسية والقانونية عن وضعية الدول الأخرى التي شهدتها المنطقة من قبل وبالتالي فإن الايديولوجية الإسماعيلية بدت غائبة وفى لحظات الحضور كان حضورها حضوراً مغترباً .
وهذا لم يحدث فقط فى افريقية تونس مهد الدولة الإسماعيلية بل انه نفس ما حدث أيضاً فى مصر قاعدة حكمها ومركز حضارتها لمدة تزيد على
قرنين من الزمان لم تستطع أن تحول القياسية إلى ان القصار القائد في تتلائل ماجت بعد القيروان ولا في القاهرة ذلك رغم الشعار المدارات الأجرة التي أندالة عبد الله المصطافية التونسي الدولة في عامية المهنية الموضونة والاستفادة الشهور ليالي المنصورية بتونس أيضاً ورغم انتشار بمدارس المحكمة التي أختلافة الخليقات الفاطميون في تبين الولايا في القاهرة العريفي خلافتهم بينيني الخليفة المعمر الدين الله اي منذ سنة ٣٦٢هـ إلى أن سقطت دولتهم على جلد صلاح الدين الأيوبى سنة ٥٦٧ هـ وعودة الخلافة العباسية إليها رغم انتشار هذه المدارس التي ترعاها الدولة لا تخيم على أن جعلها القول في افتتاح المكرمية والتكوين اليد ولو بعيد فإن العقيدة الإسماعيلية في الفريقية تجاوزت مخلفات الكبار الله سحاق الذي كانت سنا قد انهم في التصور المناسبة على المستوى الفلسفي تكاد لا تتعدى جدران مدارس الحكمة و بيطرية العالم بهذا المخططة الألم داخل قصر الخلافة و هكذا ظلت الساحة الثقافية في مصر والمغرب العربي واتحاد من القهوة دولة الفاطمية رزال الصيني أو الصريح لو عمريون السقوط الدولة.كل الي شيعي من الساحة المصرية الاجتماعية والفكرية أمل في بلدان المغرب العربي إلى مصر ل ام ار امام الولاء الدولة الفاطمية بعد رحيلها إلى مصر معظم الأحوال وكان في المغرب العربي في الجن حتى في الصورة المنامة تلك في العقوم القرن الجامعة قبل سقوط الدولة الفاط سمينا يقرب من قرن ونصف قرن
نجحت الحركة الإسماعيلية وهي التي تليق منها حركة الحشاشين في تشييد دولتها في النجاح السياسي الكبير فإنها أخفقت في تصميم بومالكتها و الدراجة السياسي انا بزوال نفوذها أن كل أثر فكرى لها زال على النقيض من ذلك تماماً سنجد الحال في الشرق الإسلامي ولاسيما في إيران فلقد أخفقت الحركة الإسماعيلية هناك فعلاً في تسلم السلطة السياسية بل لقد هادنت السلطة القائمة في كثير من الأحيان قبل مجيء الحسن الصباح الفكر في على الساحة الثقافية فرض الحضور ولكنها نجحت بالمقابل فهيمنت على عقول عدة مراكز علمية دينية وفلسفية مرموقة في الرى وأصبهان وخراسان فإن الحركة حققت نجاحاً سياسياً حيث توالى الفكرى وليس من ريب في أن تلك المحصلة التي تدعو في باديمية الأمر للدهشة كانت نتيجة للشكل الذى كانت تتفاعل به الحركة مع المعطيات الثقافية والسياسية والاجتماعية والتاريخية السائدة فى المناطق التي كانت تسعي للسيطرة عليها .
فكما أن متطلبات الحفاظ على السيطرة السياسية في مصر وأفريقية قد جعلت الدعاة الإسماعليين يركزون نشاطهم هناك في الميدان السياسي
و مهتمين أكثر بضمان ولاء الناس للدولة لا للعقيدة فإن متطلبات الهيمنة الثقافية والحفاظ عليها قد جعلت الدعاة في إيران ينصرفون عن العمل السياسي المباشر إلى العمل الفكرى ويركزون بالتالي على نشر الفلسفة التي تؤسس أيديولوجيتهم السياسية الدينية مما كانت نتيجته قيام مدرسة فلسفية حرانية هرمسية في خراسان خاصة تخدم الحركة الإسماعيلية فكرياًولكن دون أن تتبنى أيديولوجيتها السياسية وتتمثل الدوافع التي فرضت على الحركة الإسماعيلية في إيران هذا الاتجاه في المعطيات المحلية التاريخية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي كانت تتحدد بها الوضعية العامة هناك فقد كانت إيران مسرحاً للعديد من الحركات الدينية والفلسفية مما جعل الولاء السياسي فيها مشروطاً إلى حد كبير بوجود ولاء فكري سابق كما كانت إيران تحت رقابة الدولة العباسية التي كانت تخشى على نفسها من أية حركة معارضة تتجذر هناك ولاسيما الحركة الإسماعيلية من أجل هذا وذاك اضطر الدعاة الإسماعيليون إلى التركيز على العمل بالفكر بدل المغامرة بتنظيمات سياسية ستتعرض للمتابعة والملاحقة لا محالة فاتجهوا إلى الأوساط العلمية ولم يترددوا في الانخراط في حاشية الأمراء المحليين ليتمكنوا من تسخير السلطة ورجالها السنيين أو الشيعيين المعتدلين في نشر الفلسفة التي تؤسس عقيدتهم وهى الفلسفة الدينية الهرمسية كما كانوا يعرضونها ويوظفونها وهكذا تم الترويج على نطاق واسع الفلسفة تضم أمشاجاً من الفيثاغورية الجديدة والأفلاطونية المحدثة في صيغتها المشرقية الحوائية والعلوم السرية الهرمسية بالاضافة إلى عناصر من الفكر الإيراني الزرادشتي القديم وقد كان هذا الترويج على يد ثلاثة فلاسفة إسماعيليين كبار عاشوا أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع الهجريين بالإضافة إلى تأثير رسائل إخوان الصفا التي كانت المرجع الفلسفى الأول للحركة الإسماعيلية وكان الفيلسوف الأول من هؤلاء الفلاسفة الثلاثة أبو عبد الله بن أحمد النسفى تلميذاً لأحد كبار الدعاة الإسماعيليين الأوائل في خراسان هو الأمير الحسين بن على المرور زى الذى كان له نفوذ كبير في المنطقة فاستمال إلى المذهب الإسماعيلى كثيراً من الشخصيات السياسية والعلمية مما جعل متطلبات الهيمنة الثقافية والحفاظ عليها الإسماعيلى كثيراً من الشخصيات السياسية والعلمية مما جعل نصر بن أحمد رابع أمراء الدولة السامانية ( حكم ما بين ٣٠١ – ٣٣١ هـ) يسجنه إلى أن مات في سجنه وقد تولى الدعوة من بعده تلميذه النسفى الفيلسوف الذي استطاع أن يستميل الأمير الساماني نصر بن أحمد نفسه الذي اعترف بإمامة الخليفة الفاطمي أبي عبيد الله الشيعي وبعث له دية الحسين المروروزي بضغط من النسفي الذي أصبح له سلطة تسيير الأمور في الدولة مما أثار على الأمير الساماني غضب قواده ورجال دولتة فاضطر إلى التنازل لابنه نوح بن نصر الذي جمع الفقهاء السنيين المحاكمة النسفي فناظروه وتغلبوا عليه ثم قتل هو وكبار رجال الدعوة ومعتنقيها من قواد نصر فكانت محنة كبيرة نزلت بالحركة الإسماعيلية وأدت إلى وقف نشاطها في بلاد ما وراء النهر منذ ذاك الوقت ( حوالى سنة (۳۲۱ هـ) حتى مجىء ناصر خسرو الذي أحيا نشاطها ثم تبعه الحسن الصباح ولكن رغم هذه الانتكاسة التي لحقت بالحركة الإسماعيلية على المستوى السياسي إلا أنها تمكنت بالمقابل من فرض حضورها على الصعيد الفكرى وضمان استمرار هذا الحضور من خلال مؤلفات النسفى ولاسيما كتابه المحصول الذي كان أول كتاب عقائدي وضع للتداول والمناقشة في الوسط الإسماعيلي وإذا كان المرء لا يعرف من آراء النسفي الفلسفية إلا ما ذكره البغدادى من أنه قال في كتابه المعروف بالمحصول بأن المبدع الأول أبدع النفيس ثم ان الأول والثاني مديرا العالم بتدبير الكواكب السبعة والطبائع الأربع فإن ما نشر من كتب معاصره وتلميذه الفيلسوف الإسماعيلى الشهير أبى يعقوب إسحاق بن أحمد السجستاني أو السجزي والذي قتل هو الآخر بتركستان سنة ٣٣١ هـ بسبب آرائه يعطينا صورة واضحة عن التقدم الذى حققته الحركة الإسماعيلية على صعيد البناء الفلسفي العقائدي وهو التقدم الذي مكن تلميذه الداعي الكرماني المتوفى سنة ٤١١هـ والمعاصر لابن سينا من صياغة الايديولوجيا الإسماعيلية صياغة فلسفية منظومة يبقى أبو حاتم الرازى الفيلسوف الإسماعيلى الثالث المتوفى سنة ٣٢٢ هـ والمعاصر للفيلسوفين الأولين النسفى والسجستاني وهو من الأوائل الذين وضعوا الأسس النظرية للعقيدة الإسماعيلية وكان معظم نشاطه متمركزاً في الرى وأصبهان وقد تمكن من استمالة بعض الشخصيات الكبيرة إلى المذهب الإسماعيلى مثل مرداويج القائد الذي تمرد واستولى على أصبهان والرى وأعلن ولاءه للمهدى الخليفة الفاطمي في افريقية ولأبي حاتم الرازي مؤلفات شهيرة منها أعلام النبوة الذي عرض فيه العقائد الإسماعيلية في الإلوهية والرسل والنفس والزمان والمكان ورد فيه على سميه أبى بكر بن زكريا الرازي الطبيب في موضوع النبوة ويرى بعض المحللين أن إنكار الرازي الطبيب للنبوة هو الموضوع الوحيد الذي كان يفصله عن الفلاسفة الإسماعيليين فيما عدا هذه المسألة فلقد كان يصدر في فلسفته الروحانية عن نفس الفلسفة الهرمسية الحرانية التي كانوا يصدرون عنها ولقد بلغ من نفوذ الحركة الإسماعيلية في إيران آنئذ على المستوى الفكرى أنها خرجت برجمها من حيز السرية إلى حيز العلانية ولا أدل على ذلك من الحوار الجدلي الذي دار بين فلاسفتها بشأن بعض المسائل العقائدية حيث اعترض أبو حاتم الرازي في كتابه الإصلاح على بعض ما جاء في كتاب التسفى المسمى المحصول ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقام السجستاني بتأليف كتاب النصرة رداً على آراء أبى حاتم الرازي وتأييداً لآراء النسفي وهكذا نرى أن الحركة الإسماعيلية في إيران قد استهدفت في أول أمرها السيطرة الفكرية وصولاً إلى السيطرة السياسية ولكن رغم النجاح الذي كان يحققه دعاتها من أن إلى آخر على المستوى الفكرى فإن الحركة قد عانت فشلاً ذريعاً في المجال السياسي فلقد فشلت محاولات دعاتها الرامية إلى ضم المدن الإيرانية إلى الخلافة الفاطمية بواسطة استمالة القواد والأمراء المحليين عقائدياً وعندما تسلم البويهيون وهم من الشيعة المعتدلة زمام السلطة في بغداد فإنهم فضلوا ممارسة السلطة الفعلية باسم الخليفة العباسي بدل التنازل عنها للخليفة الفاطمي وإذا كان بعض الأمراء البويهيين قد سمحوا أحياناً للدعاة الإسماعيليين بممارسة نشاطهم علناً في إيران والعراق فإن الأمراء الغزوينيين والسلجوقيين المعتنقين للإسلام السني قد اضطهدوا الدعاة فالإسماعيليين اضطهاداً واسع النطاق فسجدوا البعض ونقوا البعض الآخر أما الأكثرية منهم فقد تعرضوا للقتل والتمثيل بجثتهم .
في ضوء هذه الانتكاسات المتوالية وبعد أن استفدت الدعوة الإسماعيلية في إيران محتواها أصبح من الضروري البحث عن أسلوب عمل جديد لقد فشلت سياسة الفتح والعمل من أجل الهيمنة الفكرية فلم يقبل إذن إلا العمل السرى المنظم وهذا ما فعله الحسن الصباح مؤسس و الدعوة الإسماعيلية الجديدة أو حركة الحشاشين مع الحسن الصباح من الصفر يختلف المؤرخون حول تحديد العام الذي ولد فيه الحسن الصباح فقال بعضهم سنة ٤٣٢ هـ بينما يؤكد آخرون إن مولده سنة ٤٣٨ هـ ويؤكدفريق ثالث على أن مولده سنة ٤٤٥ هـ وقد ولد في مدينة قم و التي كانت آنذاك ومازالت مركزاً أساسياً للشيعة الاثنى عشرية غير أن بعض المظان التاريخية تشير إلى أنه ولد في بلدة معصوم من مقاطعة الرى بالقرب من طهران وقيل مولده في مرو ويرجع أصله إلى ملوك اليمن الحميرين وكان أبوه يقطن الكوفة بالعراق ثم انتقل إلى ( قم ) حيث مولد الحسن على الأرجح وكما يشير الحسن فى شذرة من الشذرات التي ترجم فيها لقصة حياته وتطوره الروحي فإن أباه كان من الشيعة الاثنى عشرية ومن هنا يتبين خطاً من ظن أنه كان إسماعيلياً وقد سافرت أسرته إلى مدينة ( الرى ) التي كانت من محاور اهتمام الدعاة الإسماعيليين حيث كان لهم نشاط بارز بها ومنذ فترة مبكرة من حياة الحسن كان أبوه يهتم بتعليمه عقائد الشيعة الاثنى عشرية بالإضافة إلى تشجيعه له على الاطلاع على مختلف العلوم في عصره لاسيما تلك العلوم ذات الضيئة الفلسفية وظل على هذا الحال وهذه العقيدة حتى بلغ سن السابعة عشرة يقول الحسن في خلوة ذكرها المؤرخ الفارسي علاء الدين الجويني في كتابه ( جهان کشای ) منذ طفولتي بل منذ السابعة من عمرى كان جل اهتمامى تلقى العلوم والمعارف والتزود بكل ما أستطيعه منها في سبيل توسيع مداركي وكنت كآبائي قد نشأت على المذهب الاثنى عشرى فى التشيع ولم أكن أرى في غيره طريقاً للخلاص من آفات العالم .
ويشير بعض المؤرخين إلى أن الحسن قد كان زميل دراسة للشاعر عمر الخيام والوزير نظام الملك وقد درس ثلاثتهم على الموفق لدين الله النيسابوري في مدينة نيسابور وبلغت صداقتهم مبلغاً عظيماً من الترابط والود حتى تعاهدوا على أنه إذا حقق أحدهم نجاحاً قبل صديقيه فإن عليه أن يأخذ بيد الآخرين حتى يحققا مثلما حقق من النجاح ومرت السنون وتمكن نظام الملك من الوصول إلى رتبة وزير الدولة السلجوقية ومن ثم فقد طالبه زميلاه بالوفاء بما سبق أن تعاهدوا عليه إبان طلبهم للعلم وبالفعل وفي نظام الملك فعرض على كل منهما أن يتولى إحدى الإمارات ولكن كلاهما رفض لسبب مختلف عن الآخر أما عمر الخيام فكان يريد الحصول على راتب سنوى يمكنه من حياة الفكر والتأمل والتمتع بعيداً عن مسؤوليات الحكم وهمومه وأما الحسن فكان يتطلع إلى منصب في بلاط الملك حتى يستطيع أن يثبت جدارته للملك فيكون قاب قوسين أو أدنى من الوزارة وعند إخضاع هذه القصبة للتحليل التاريخى نجد دلائل كثيرة على بطلانها فمن الممتنع أن يكون الحسن صديق دراسة النظام الملك حيث أن مولد الحسن على الأرجح سنة ٤٢٨ هـ بينما مولد نظام الملك سنة ٤٠٨ هـ ففرق العشرين سنة بينهما يجعل من غير المحتمل أن يكون أحدهما زميل دراسة للآخر فضلاً عن أن المصادر التاريخية الأكثر حجة تنص على ان الحسن قد تلقى تعليمه بمدينة و الرى و لا مدينة نيسابور وبالنسبة لعمر الخيام فإن تاريخ مولده مجهول مما يجعل من الصعب أن نصدر حكماً إيجاباً أو سلباً بشأن زمالته للحسن إبان طلب العلم غير أنه ليس من الممتنع أن يكون ذلك حدث لأن وفاة عمر سنة ٥١٥ هـ ووفاة الحسن سنة ٥١٨ هـ مما يدل على أن عمرهما متقارب وبالتالي لا يمتنع أن يكون الاثنان زميلا دراسة لاسيما وأن مشربهما العلمي واحد فكلاهما درس الرياضيات والفلك وعلوم الدين والفلسفة مهما يكن من أمرفإن الحسن ظل على مذهب الشيعة الاثنى عشرية حتى بلغ من السابعة عشرة وفى تلك الأثناء تعرف على أحد دعاة الإسماعيلية الفاطمية ودار بينهما جدلاً متواصلاً محاولاً كل منهما أن يقنع الآخر بصحة مذهبه وكان هذا التقليد الجدلي منتشراً في أرجاء فارس حيث كانت مرتعاً خصباً لمختلف التيارات الدينية والعقائدية وكان أنشط تلك التيارات تيار الدعوة الإسماعيليةوكان الحسن حتى هذه اللحظه يؤمن بالله والإسلام كما يفهمه الأثنى عشرية بوجه خاص وكان تصوره عن الإسماعيلية أنها من قبيل المذاهب الفلسفية ولكن لقاءه مع الداعية الإسماعيلي الكبير كان له أبلغ الأثر في تطوره الروحي حيث جعله على مفترق طريق محوري في حياته ثم وجهه وجهة نظرية وعملية لم تكن تخطر بباله يوماً من الأيام .
يروى الحسن تفاصيل ذلك المنعطف الجوهري في أيديولوجيته فيقول ما تعربيه و حدث أن تعرفت فى شبابى إلى أحد دعاة الإسماعيلية الفاطميين فكنت أجادله جدالاً عنيفاً وأخذ كل واحد منا يشيد بما هو عليه من عقائد مذهبية وآراء دينية .. ولم يكن لدى أى شك أو زعزعة في إيمالى بالإسلام ولى اعتقادي بوجود إله حى باق ، قدير ، سميع ، بصير ، وفي وجود نبي وإمام ، وفى وجود مباحات ومحظورات وجنة ونار ، وأوامر ونواهي ، وكنت أفترض أن الدين والشريعة هما ما يؤمن به الناس بوجه عام والشيعة بوجه خاص ولم يدر بخلدى أن الحقيقة يمكن البحث عنها خارج الإسلام وكنت أعتقد أن آراء الإسماعيلية من قبيل الفلسفة وأن حاكم مصر فيلسوف وكان عميرة زاراب يقصد الداعي الإسماعيلي ذا شخصية قوية وعندماناقشني لأول مرة قال إن الإسماعيلية يقولون كذا وكذا فقلت له الا يا صديقي لا تردد كلماتهم لأنهم كفرة وما يقولونه ضدالدين وكانت هناك خصومات ومناقشات بيننا تمكن خلالها من تدمير عقيدتي وإثبات بطلانها ولم أشأ أن أعترف له بذلك ولكن في أعماق كانت الكلماته أكبرالأثر …وكان عميرة يقول لى عندما تخلو إلى التأمل في سريرك أثناء الليل سوف تعرف أن ما أقوله لك مقنع ثم افترقت عن الداعى قبل أن أعتنق مذهبه وبعد قليل أصابني مرض الزمني الفراش فخشيت أن تختطفنى يد المنون قبل أعتناق المذهب الإسماعيلي إذ اعتزمت اعتناقه بعد مناقشاتي مع الداعي اعتناق الحسن العقيدة الشيعة الإسماعيليةولما قام الحسن من مرضه قرر البحث عن داع من دعاة الإسماعيلية فتعرف إلى أبى نجم السراج وطلب منه أن يقدم له المزيد من المعلومات عن عقائد الإسماعيلية وبالفعل حدثه الداعي عما أراد ثم أخذ الحسن يتأمل تلك العقائد ويقارنها بسائر العقائد والايديولوجيات الأخرى مما تمخض عن اعتناقه الفعلى للمذهب الإسماعيلي التغير الذي طرأ على نظام الدعوة الإسماعيلية بعد دخول الحسن بن الصباح فكان من أصحاب تلك الشخصيات التي لا تتصدى لدعوة من الدعوات إلا أضافت إليها شيئًا من عندها وطبعتها بطابعها وأنه لم يكن من أولئك الذين يتعلقون بدائره كبير يديرهم إلى وجهته بل كان من الذين يديرون الدائرة إلى وجهتهم حين يتعلقون به ولا يدفعهم إلى التعلق به إلا أنهم لا يستطيعون أن يخلقوا لأنفسهم دائره مستقلًّا يتعلق به الآخرون وهي الجنون بالسيطرة والغلبة ونتعمد أن نسميها الجنون بالسيطرة ولا نسميها حبًّا للسيطرة ولا رغبة فيها لأنه كان مغلوبًا لدفعه نفسه أو كان أول من غلبته تلك النزعة فمضى معها مسوقًا لها غير قادر على الوقوف بها ولا الراحة معها والسيطرة محبوبة لكل إنسان ولكن الفرق عظيم بين من يهيم بالسيطرة لأنه لا يطيق العيش بغيرها وبين من يطلبها لأنه يفضلها على عيشة بغير سيطرة أو يفضلها على عيشة الطاعة والإذعان للمسيطرين ذلك مضطر إلى طلب السيطرة وهذا مختار في المفاضلة بين الحصول عليها والاستغناء عنها وقد يفضل الاستغناء عنها إذا جشمه الطلب فوق ما يطيق وكان الرجل داهيًا ولكنه لم يكن من الدهاء بحيث يستر مطامعه ولا يثير المخاوف فيمن حوله أو لعله كان داهيًا عظيم الدهاءولكن هيامه بالسيطرة واندفاعه إليها كانا أعظم من دهائه فانكشفت غايته على كره منه وحيل بينه وبين بلوغ تلك الغاية من كل طريق ينافسه فيه المنافسون.
ومما لا ريب فيه أن الرجل لم يكن من الغفلة بحيث يصدق كل خرافة من الخرافات التي كان يذيعها ويتولى نشرها والدعوة إليهاولكن التواريخ والشواهد لم تحفظ لنا خبرًا واحدًا يدل على أنه كان من السمو الفكري بحيث يسلم من جميع الخرافات ويتبطن ما وراءها من الحقائق ولا سيما إذا كان التصديق هو طريقه إلى السلطان والغلبة وقهر الخصوم والانتصار على النظراء فمن مألوف النفوس أن تعتقد ما يواتيها على هواها ويعزز إيمانها بمطمعها كما يفعل المحب الذي يؤذيه الشك ويؤذيه العلم بعيوب محبوبه فيروض طبعه على اليقين وتجميل العيوب على هواه من عذاب الشكوك وانكشاف العيوب.
وهذه الطبيعة المعهودة في أمثاله دون غيرها هي التي تفسر لنا أعمالًا شتى يبدو فيها خادعًا مخدوعًا في وقت واحد فهو حصيف لا شك في حصافته ولكن كيف يقع الحصيف في مثل ذلك السخف الذي لج به حتى يسول له البطش بأقرب الناس إليه
وفيما هو أسخف منه إذا كان مغلوبًا على أمره مضطرًا إلى تسويغ دفعته بعقيدة تجملها في نظره وتلبسها ثوب الواجب الذي لا محيد عنه ولا هوادة فيه يقول الحسن ولما عوفيت وتعرفت إلى أنى نجم السراج رغبت إلي أن يزيدنى حديثاً عن مذهبه وأخذت أفكر تفكيراً عميقاً في تعاليم هذا المذهب وعندما وصل الحسن من الشباب ونضجت قدراته العلمية التحق بالعمل في بلاط السلاجقة كموظف ومستشار إدارى عند السلطان ملكشاه فقد كان ذا علم بالحساب والهندسة ومطلعاً على مختلف علوم عصره النظرية والعملية وقدا استطاع الحسن بقدراته الفريدة ومثابرته في العمل أن يلفت نظر ملكشاه ويبدو أنه كانت تظهر عليه سمات المنافسة للوزير الشهير نظام الملك مما أوغر صدر الوزير عليه لاسيما وأن نظام الملك كان سنياً في حين أن الحسن الصباح كان شيعياً ومن هنا بدأ الصدام بين نظام الملك وابن الصباح الذي استمر بعد ذلك أمداً طويلاً وكانت له عواقب بالغة الأثر وقد قال بعض مؤرخي الشيعة أن الوزير تأمر على الحسن وأخرجه من العمل في بلاط السلاجقة ويروون في هذا الصدد أن ملكشاه رغب في عمل سجل متكامل لكل ما يتعلق بأمور الدولة المالية وعندما طلب ذلك من وزيره نظام الملك قال له الوزير بأن ذلك يتطلب حوالى سنتين فاعتبر ملكشاه هذا الوقت أكثر مما ينبغى ولذا فقد استدعى ابن الصباح وعرض عليه رغبته فأجابه إليها وقال له أن هذا العمل يكفيه أربعين يوماً حتى يتم فتعجب الملك من الفرق الشاسع بين المدتين وظن أن الحسن يبالغ في الأمر ولكن الحسن أكد له أنه قادر على إنهائه في هذه المدة فعهد الملك إليه بالمهمة وكلف موظفى ديوانه أن يقدموا للحسن كل ما يحتاج إليه من معلومات وبالفعل شرع في تنفيذ المهمة المنوطة به مما جعل الدوائر تدور برأس نظام الملك خشية أن يستطيع الحسن النجاح في مهمته فتظهر كفاءة الحسن وتتزعزع ثقة ملكشاه في قدرة الوزير وبناء عليه فإن الوزير شرع في التآمر على الحسن بغية أن يجهض محاولته فكلف غلاماً من غلمانه أن يتقرب من غلام الحسن ويصادفه حتى يثق فيه الثقة اللازمة وعندما ينجح في ذلك يخير الوزير فاستطاع الغلام أن يكسب ثقة غلام الحسن وأصبح ملازماً له معظم الوقت حتى علم أن الحسن على وشك الانتهاء من عمل السجل المالى للدولة فأخبر الغلام نظام الملك وعندما جاء وقت تقديم السجل لملكشاه أمر الوزير غلامه أن يعبث بمحتويات السجل في غفلة من الحسن وغلامه وتمكن الغلام من تنفيذ ما طلب منه. ولما انتهت المدة المقررة طلب الملك من الحسن أن يأتي إليه بالسجل فأتى إليه به ولم يكن يعلم ما آلت إليه محتوياته وعندما اطلع الملك عليه وجد مالم يكن يخطر بباله فقد ضاع نظام السجل واختلطت محتوياته بشكل يصعب معه تمييز الأمور فاستاء الملك استياء بالغاً وخاب رجاؤه وهنا انتهز الفرصة الوزير نظام الملك فوبخ الحسن توبيخاً شديداً وانتقده انتقاداً لاذعاً أمام ملكشاه مما جعل الأخير يتخذ منه موقفاً حاداً ولكنه استطاع الهرب .
فهذه رواية يذكرها بعض مؤرخي الشيعة مفسرين بها أسباب الصدام بين نظام الملك والحسن بن الصباح ويعللون بها دوافع هروب الحسن ولكن ابن الأثير يذكر في ( الكامل ) ما يفيد أنه لم يكن يوجد مثل هذا الصدام في تلك الفترة بين نظام الملك والحسن بل كان نظام الملك يكرم الحسن ويعلل ابن الأثير هروب الحسن بأنه جاء نتيجة انزعاج رئيس الرى أبي مسلم من نشاط الحسن حيث حاول أبو مسلم معاقبته فقر منه يقول ابن الأثير و كان الحسن بن الصباح رجلاً شهماً كافياً عالماً بالهندسة والحساب والنجوم والسحر وغير ذلك وكان رئيس الرى إنسان يقال له أبو مسلم وهو صهر نظام الملك ، فاتهم الحسن بن الصباح بدخول جماعة من دعاة المصريين عليه فخافه ابن الصباح وكان نظام الملك يكرمه وقال له يوماً من طريق الفراسة عن قريب يضل هذا الرجل ضعفاء العوام فلما هرب الحسن من أبى مسلم طلبه قلم يدرومعظم المؤرخين يؤيدون ابن الأثير في هذا التعليل حيث يرجحون أن سبب خروج الحسن وفراره من الرى هو نشاطه الذي كان يمارسه في الدعوة وإيوائه لمجموعة من الدعاة الفاطميين المصريين سبب خروجه إلى مصر هو تنفيذ التوجيه الذي وجهه إليه الداعي الكبير عبد الملك بن عطاش بضرورة الوفود على القاهرة وكما هو واضح فإن هذا التفسير لا ينفى أن السبب الرئيسي الخروج الحسن من الرى هو تضييق السلطات عليه نظراً لنشاطه الملموس في الدعوة إلى الإسماعيليةوعندما رأى ذلك نصح تلميذه خوفا عليه من بطش السلطات بالتوجه إلى مصر حتى يحضر دروس العلوم الباطنية التي كان يلقيها أكبر الدعاة بمصر ويقابل الإمام المستنصر معلناً له ولاءه بشكل مباشر فيقول الحسن في إحدى الشذرات . …. ثم قدر لي أن أتعرف بالداعي مؤمن كان موفداً إلى مدينة الرى من قبل عبد الملك بن عطاش داعى الدعاة في العراقين أى فى العراق العجمي والعراق العربي فتوسلت إليه أن يقبل منى البيعة للخليفة الفاطمي بمصر وأن يأخذ على العهود والمواثيق فتردد الداعي ثم أجابني إلى طلبي وبذلك دخلت الدعوة الإسماعيلية وصرت واحداً من أتباع الإمام الفاطمى بمصر ولما وقد عبد الملك بن عطاش داعى الدعاة إلى الرى مثلث بين يديه ولما وقف على آرائي واختبر استعدادي عهد إلى بيت الدعوة وبذلك أصبحت داعياً إسماعيلياً ثم وجهني بقوله عليك بالوفود على القاهرة لتنعم بخدمة مولانا الإمام المستنصر ولما غادر عبد الملك بن عطاش الرى فى طريقه إلى أصبهان كنت أنا أيضاً في طريقي إلى القاهرة وبعد أن خرج الحسن من الرى سنة ٤٦٧ هـ توجه إلى أصفهان حيث قضى بها فترة يدعو إلى المذهب الإسماعيلي الفاطمي ثم توجه إلى أذربيجان ومنها إلى ميافارقين التي طرده منها قاضيها السنى لأنه ينفى سلطة علماء أهل السنة والجماعة فى تفسير نصوص الإسلام ويقول بأن صاحب السلطة الوحيد في التفسير هو الإمام الشيعي فتوجه الحسن إثر ذلك إلى الموصل ثم إلى سنجار ثم الرحبة فدمشق ،فصيدا ،فعكا ونظراً لأن الطريق البرى كان حينئذ غير مأمون لما فيه من مناوشات حربيه فإنه سلك طريق البحر من عكا حتى شاطئ مصر ثم توجه إلى القاهرة فوصلها في سنة (٤٧١) هـ – ۱۰۷۸م) وعلى وجه التحديد كان يوم وصولة ٣٠ أغسطس وكان في استقباله أبو داؤود داعي الدعاة وجمع من كبار رجاك الدولة ثم استقبله بحفاوة الإمام المستنصر فى قصره وتحدثا في شئون الدعوة وكيفية إقامتها ببلاد العجم وقال الحسن للمستنصر من إمامي بعدك ؟ فقال ابنى نزار وقد أكرمه المستنصر وأعطاه مالاً وأمره أن يدعو الناس
إلى إمامته وقبل قدوم الحسن إلى مصر كان يتطلع أشد التطلع لأخذ العلوم الباطنية عن هبة الله الشيرازي حجة الإمام وداعى الدعاة وعندما وصل الحسن مصر كان هبة الله قد مات ولكن هذا لم يحل بينه وبين التلمذة عليه بشكل غير مباشر عن طريق الاطلاع على مصنفاته التي خلفها والنقاش المتواصل مع. تلاميذه وقد أظهر الحسن أثناء تلك المناقشات علماً واسعاً بالمذهب فلفت الأنظار إليه
وكان شيئاً محتملاً جداً أن يحدث صدام بين الحسن الايديولوجي الثوري وبين بدر الجمال القابض على شئون الحكم والمدير الأمور الدولة صار إليه أمر الدعوة الفاطمية سنة ( ٤٥٠ هـ) ولقب بداعي الدعاة وباب الأبواب ثم تنحى وأبعد إلى الشام وعاد إلى مصر فتوق بها عن نحو ثمانين عاماً وله تصانيف منها والمجالس المؤيدية و المرشد إلى أدب الإسماعيلية.
لم استدعاء إلى مصر واستعان به على إطفاء فتنة نشبت له أركان الدولة فقلده وزارة السيف والقلم وأصبح الحاكم في دولة المستمر والمرجوع إليه وكان حازماً شديداً على المتمردين وكان له ولد كبير فمضى عليه وأستولى على الإسكندرية .
محاصره حتى أخذه فلما قبض عليه كله بيده ..
فإن الحسن سأل المستنصر : من إمامى بعدك ؟ فقال : ابنى نزار … فكان الحسن لذلك من مؤيدى نزار .. في حين أن بدر الجمالي كان مناهضاً له ومؤيداً لأخيه الأصغر أحمد المستعلى كخليفة للمستنصر وكان سبب مناهضة الجمالي لنزار أنه ركب مرة فرسه أيام المستنصر ودخل دهليز القصر من باب الذهب راكباً ونزار خارج والمجاز مظلم فلم يره الجمالي فصاح نزار : أنزل يا أرمني كلب عن الفرس ما أقل أدبك ! فحقدها عليه الجمالي ومن هنا توترت العلاقة بينهما وخشي الجمالي أن ينزله نزار عندما يتولى الحكم فكان يحبذ ولاية المستعلى بدلاً من نزار في حين كان الحسن ابن الصباح يجبد ولاية نزار فكان هذا هو السبب المباشر في عدم الوفاق بين الحسن والجمالي فضلاً عن أن الأخير كان يضيق ذرعاً بما يظهره المستنصر من احترام وتقدير للحسن وقد ذكر هذا أكثر من مؤرخ منهم التنوخي في كتابه ( تشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة ) حيث قال حدث في ذلك الوقت تعيين ولى العهد في مصر فاختار المستنصر ابنه نزار وكان بدر الجمالي يحبذ تعيين المستعلى وناصر الحسن بن الصباح التعيين الأول فغضب بدر الجمالي ولم يرض بما كان يبديه المستنصر للحسن من احترام فعمل على سجنه ثم طرده من مصر وكانت الفترة التي قضاها الحسن فى مصر ثلاث سنوات تقريباً ولكن بعض المؤرخين يذكر أن مدة بقائه بمصر حوالى ثمانية عشر شهراً .
وقد أمر الجمالي بنفيه من مصر إلى المغرب العربي عن طريق البحر وقد تعرضت السفينة التي كان يركبها إلى الخطر أثناء إبحارها حتى كادت تغرق أكثر من مرة وفى الوقت الذى كان يظهر معظم الركاب انزعاجاً وخوفاً شديدين لما يحدث للسفينة فإن الحسن أظهر قوة وجلداً وتماسكاً عجيبين وقد ساقت الرياح والأمواج السفينة إلى عكا ومنها اتجه إلى حلب ثم بغداد وبطبيعة الحال كان يمارس نشاطه فى الدعوة إلى الإسماعيلية الفاطمية أثناء تنقلاته من مدينة إلى أخرى بشكل سرى وقد حقق بعض النجاح وواصل رحلته إلى بلاد فارس فبلغ أصفهان في سنة (٤٧٣) هـ – (۱۰۸۱م) وبعد أن مكث بأصفهان بعض الوقت سافر إلى كرمان ويزد يقول الحسن فى شذرة ( ومن تلك المنطقة من أصفهان سافرت إلى كرمان ويزد ومكنت فيها أدعو فترة من الزمن وبعد ذلك رجع الحسن مرة أخرى إلى أصفهان، ثم إلى خوزستان في الجنوب .
وقد ظل الحسن حوالي تسع سنوات متواصلة بعد رحيله من مصر مارس الدعوة ويكتسب أنصاراً جدداً وينتقل من مكان إلى مكان طبعاً بشكل سری جداً وأسلوب حذر إلى أبعد الحدود وكان هو وأنصاره لديهم الاستعداد لفعل أي شيء في سبيل تأمين أنفسهم وكانت أول عمليات الاغتيال التي قاموا بها قتل مؤذن من أهل ساوة كان مقيماً بأصفهان ذلك أنهم دعوه إلى مذهبهم فلم يستجب لهم فخشوا أن يكشف أمرهم فقتلوه فلما بلغ خبره إلى نظام الملك الوزير السلجوق أصدر أوامره بالقبض على من تدل القرائن على أنه هو القاتل فحامت الشبهات حول نجار اسمه و طاهرفحكم عليه بالإعدام ومثلوا به وجروه من رجله سائرين به في الأسواق .
وكان شيئاً منطقياً بعد ذلك أن تتنبه السلطات السلجوقية إلى خطرهم وتوقن أنهم ليسوا مجرد جماعة عقائدية فقط وإنما لهم توجهات توسيعة ذات خطر على استقرار وأمن السلطة وبناء عليه صدرت الأوامر بتعقبهم مما دفع الحسن بن الصباح للتفكير الجدى فى ضرورة الحصول على حصن منيع يحميه هو وأتباعه ويعطى لهم الفرصة فى نشر الدعوة وهنا اتجهت أعين الحسن نحو الشمال حيث هضبة الديلم ويرجع اختياره لهذه المنطقة إلى سبيين هما أولاً أن سكان تلك المنطقة التي يغلب عليها الطابع الجبلي كانوا يميلون إلى التشيع بل أكثرهم شيعة . ولذا فإنهم أكثر استعداداً من غيرهم لاعتناق
المذهب الإسماعيلى وفضلاً عن ذلك فهم ذو بأس شديد ولديهم لفرة من السلطات السنية التي كانت في صدام مستمر معهم ثانياً طبيعة تلك المنطقة الجغرافية تختلف تماماً عن سائر المناطق الفارسية فهي تقع في الناحية الشمالية من الجبال المحيطة بهضبة فارس الرئيسية وتشتمل تلك المنطقة على هضاب وعرة وطرق عسيرة المسالك ويوجد بها كثير من القلاع وتصحصون التي يصعب على الأعداء والمهاجمين اقتحامها لهذين السبيين عقد الحسن بن الصباح العزم على التوجه نحو الشمال نحو مازندران ، والديلم ، وجيلان ، وقزوين . فخرج من خوزستان الجنوبية متجهاً إلى مازندران غير الصحارى والجبال متلاشياً المدن وأماكن تجمع السكان خشية أن يقبض عليه ، وبعد ذلك سافر إلى دمغان التي مكث بها ما يقرب من ثلاث سنوات واتخذها كمركز للدعوة حيث كان يبعث رجاله المدربين إلى الجبال محاولة جذب سكانها وعندما ضيق نظام الملك الخناق عليه ذهب ناحية الغرب إلى قزوين التي كانت قريبة من هضبة الديلم التي تمثل بدورهاالهدف الأساسى الذى كان يتطلع إلى السيطرة عليه بعد دراسة متأنية للمنطقة وحصوتها وقلاعها ووديانها وجبالها قرر الحسن ضرورة الحصول على قلعة و ألموت و التي تعتبر أحصن القلاع في المنطقة وأقدرها على تحقيق الحماية الحسن وأتباعه ويروى المؤرخون أن الذي بناها ملك من ملوك الديلم إذ كان مغرماً بالصيد فأرسل ذات يوم عقاباً وتبعه فرآه قد سقط على موضع هذه القلعة فوجده موضعاً استراتيجياً حصيناً فأمر ببناء قلعة عليه سماها أله موت ومعناه باللغة الديلمية تعليم العقاب وتسمى هذه المنطقة وما يجاورها و طالقان وفيها عدة قلاع حصينة أخرى غير أن أشهرها ألموت وكانت تلك النواحي تحت رعاية وضمان شرف شاه الجعفرى وقد استناب فيها رجلاً علوياً حسن النية ويتميز بسلامة الصدر وكان الأسلوب الذي اتبعه الحسن في الاستيلاء على القلعة هو بث رجاله في المنطقة المحيطة بالقلعة بل في داخل القلعة ذاتها واستطاع هو ورجاله جذب مزيد من الأنصار بل استطاعوا التأثير على صاحب القلعة نفسه يؤكد ذلك ما يرويه الحسن في إحدى الشذرات قائلاً وقد أرسلت من قزوين مرة أخرى الدعاة إلى قلعة الموت واستطاع الدعاة ضم بعض رجال القلعة إلى العقيدة الإسماعيلية وقد حاول أولئك تحويل صاحب القلعة العلوى إلى الإسماعيلية الذي تظاهر بالانضمام إليهم. ولكنه عمل على إخراج جميع المنضمين إلى خارج القلعة ثم أغلق أبوابها ورفض دخولهم قائلاً أنها ملك السلطان ولكنهم استطاعوا التأثير عليه بعد مناقشات طويلة فسمح لهم بالدخول وعندما قدم الحسن بن الصباح إلى المنطقة تمكن من استمالة أهلها إليه بقدرته الكبيرة على الإقناع وإظهاره الزهد والتقوى حتى أن العلوى صاحب القلعة أعجب به وأحسن الظن فيه لدرجة أنه كان يجلس إليه يتبرك به ولما أحكم الحسن أمره دخل يوماً على العلوى بالقلعة فقال له ابن الصباح أخرج من هذه القلعة فتبسم العلوى وظنه يمزح فأمر ابن الصباح بعض أصحابه بإخراج العلوى فأخرجوه إلى دمغان بعد أن أعطاه ثمن القلعة وسمح له بأخذ متعلقاته منهاوقد كان الاستيلاء على هذا الحصن أول عمل تاريخي في حياة هذا الحزب الجديد
ما يقوله بعض المؤرخين عن الحدائق الغناء التي تحيط بالعرائش الرشيقة والقصور المنيفة التي يزعمون أن الحسن بن الصباح قد بناها للتأثير على رجاله والتحكم فيهم تقع قلعة الموت على صخرة مرتفعة من صخور سلسلة جبال البرز التني ترتفع ۱۰۲۰۰ قدم عن سطح البحر في أقصر وأوعر طريق بين شواطئ بحر قزوین و مرتفعات فارس ومناخ هذه المنطقة شديد البرودة ويتساقط عليه الجليد أكثر من ستة أشهر في السنه بهذا يتضح لنا بشكل حاسم بطلان ما يزعمه بعض المؤرخين الذين وصفوا هذه القلعة كفردوس أرضية في عبارات خلابة إذ كيف يعقل أن توجد مثل تلك الفردوس المزعومة فهم إقليم وعر شديد البرودة أكثر من نصف العام لدرجة آن مؤرخين آخرين يذكرون أن السكان كان يعزلون الحيوانات في مناطق جنوبية خوفاً عليها من البرد الشديد الذي لا يمكن أن تتحمله مما يدل دلالة قاطعة على عدم صحة الوصف الذي ذكره ماركو بولو الرحالة الشهير والذي تبعه فيه كثير من المؤرخين دون تحقق أو تثبت فلقد جاء في نص صريح من عصر متأخر منقول عن نص أصلى كتبه ماركو بولو وصف فيه كاذباً قلعة ألموت وأسلوب الحياة فيها وكان ماركو قد مر في هذه الناحية في سنة ۱۳۷۱ أو ۱۲۷۲ م يقول في وصفه إن شيخ الجبل الذين يطلقون عليه في لغتهم علاء الدين قد عزل وادى بين جبلين ثم حوله إلى حديقة غناء وهذه الحديقة أجمل وأكبر ما يمكن أن تراه العين من حدائق وقد زرع فيها كل ألوان الفواكه وبنى فيها أبدع ما يمكن تخيله من مقصورات وقصور مرسوم عليها بالذهب رسوماً رائعة وتوجد بها أنهار من خمر ولبن وعسل مصفى فضلاً عن أنهار الماء وقد جعل شيخ الجبل نساء فاتنات يقمن بخدمة من بالحديقة والتسرية عنهم حيث يتقن العزف الموسيقى ويغنين بأصوات رائعة ويرقصن رقصات تذهب العقول فقد كان يريد شيخ الجبل من وراء ذلك أن يقنع أنصاره بأن هذه هي الفردوس الحقيقية حيث حاول تصميمها وفقا الموصف الذي ذكره محمد للفردوس بوصفها حديقة جميلة تجرى فيها أنهار من خمر ولبن وعسل وماء ومكتظة بالحور العين وبالتأكيد فإن المسلمين في تلك النواحي يظنون أنها قلعة الموت على صخرة مرتفعة من صخور سلسلة جبال البرز التني ترتفع ۱۰۲۰۰ قدم عن سطح البحر في أقصر وأوعر طريق بين شواطئ بحرقزوین و مرتفعات فارس ومناخ هذه المنطقة شديد البرودة ويتساقط عليه الجليد أكثر من ستة أشهر في السنة بهذا يتضح لنا بشكل حاسم بطلان ما يزعمه بعض المؤرخين الذين وصفوا هذه القلعة كفردوس أرضية في عبارات خلابة إذ كيف يعقل أن توجد مثل تلك الفردوس المزعومة فهم إقليم وعر شديد البرودة أكثر من نصف العام الدرجة أن مؤرخين آخرين يذكرون أن السكان كان يعزلون الحيوانات في مناطق جنوبية خوفاً عليها من البرد الشديد الذي لا يمكن أن تتحمله مما يدل دلالة قاطعة على عدم صحة الوصف الذي ذكره ماركو بولو الرحالة الشهير والذي تبعه فيه كثير من المؤرخين دون تحقق أو تثبت فلقد جاء في نص صريح من عصر متأخر منقول عن نص أصلى كتبه ماركو بولو وصف فيه كاذباً قلعة ألموت وأسلوب الحياة فيها وكان ماركو قد مر في هذه الناحية في سنة ۱۳۷۱ أو ۱۲۷۲ م يقول في وصفه إن شيخ الجبل الذين يطلقون عليه في لغتهم ( علاء الدين ) قد عزل وادى بين جبلين ثم حوله إلى حديقة غناء وهذه الحديقة أجمل وأكبر ما يمكن أن تراه العين من حدائق وقد زرع فيها كل ألوان الفواكه وبنى فيها أبدع ما يمكن تخيله من مقصورات وقصور مرسوم عليها بالذهب رسوماً رائعة وتوجد بها أنهار من خمر ولبن وعسل مصفى فضلاً عن أنهار الماء وقد جعل شيخ الجبل نساء فاتنات يقمن بخدمة من بالحديقة والتسرية عنهم حيث يتقن العزف الموسيقى ويغنين بأصوات رائعة ويرقصن رقصات تذهب العقول فقد كان يريد شيخ الجبل من وراء ذلك أن يقنع أنصاره بأن هذه هي الفردوس الحقيقية حيث حاول تصميمها وفقا الموصف الذي ذكره محمد للفردوس بوصفها حديقة جميلة تجرى فيها أنهار من خمر ولبن وعسل وماء ومكتظة بالحور العين وبالتأكيد فإن المسلمين في تلك النواحي وقد تحدث المؤرخون عن أسرار تلك القلعة العجيبة التي تزجى الأحاديث عنها بين الناس فيصدقونها لأنهم يحبون الاستماع إلى العجب والتحدث بالعجب ويصعب عليهم بعد العثور على حديث عجيب أن يفرطوا فيه كما يصعب عليهم التفريط في كل قنية عجيبة أو كل تحفة نادرة
من هذه الأعاجيب أن الحسن بن الصباح عرف سر الحشيش من أستاذه الطبيب ابن عطاش فسخره في نشر دعوته وأنه توسل به لإقناع أتباعه برؤية الجنة عيانًا لأنه كان يدير عليهم دواخين الحشيش ثم يدخلهم إلى حديقة عمرت بمجالس الطرب التي يتغنى فيها القيان وتتلاعب فيها الراقصات ثم يخرجهم منها وهم في غيبوبة الخدر ويوقع في وهمهم ساعة يستيقظون أنه قد نقلهم إلى جنة الفردوس وأنه قادر على مرجعهم إليها حين يشاء وأنهم إذا ماتوا في طاعته ذاهبون بشهادة أعينهم إلى السماء قالوا وإن هذا الإقناع أو هذا «الإيمان العياني» يفسر طاعة أتباعه الذين كان يأمرهم بالهجوم على أعوانه من الوزراء والأمراء بين حاشيتهم وأجنادهم فيهجمون عليهم ويغتالونهم غير وجلين ولا نادمين وإن كلمة «أساسين»التي أطلقت في الغرب على قتلة الملوك والعظماء ترجع إلى كلمة الحشاشين أو الحسنيين نسبة إلى الحسن بن الصباح وقالوا إن الفتى من أتباع شيخ الجبل كان يبلغ من طاعته لمولاه أن يشير إليه الشيخ بإلقاء نفسه من حالق فيلقي بنفسه ولا يتردد وإن أحدهم كان يقيم بين جند الأمير المقصود بالنقمة ويتكلم لغتهم حتى لا يميزوه منهم وأنه يفعل فعلته ويتعمد أن يفعلها جهرة ولا يجتهد في الهرب من مكانها وإن أمهات هؤلاء الفدائيين كن يزغردن إذا سمعن خبر الفداء ويبكين إذا عاد الأبناء إليهن ولم يفلحوا في اغتيال أولئك الأعداء فإن التكذيب أرجح من التصديق في كل خيط من الخيوط التي نسجت منها القصة ذلك النسيج الواهي المريب إن الحسن بن الصباح كان معروفًا بالصرامة والشدة على نفسه وعلى أتباعه وكان يتنسك ويتقشف رياء أمام أتباعه وتلاميذه ولم يكن من اليسير في تلك القلاع المنفردة أن يخفى أمر القيان ومجالس الراقصات والغناء زمنًا طويلًا دون أن يطلع عليه المقربون إن لم يطلع عليه جيرة القلعة أجمعون وليس من المعروف عن مدخني الحشيش أن يحفظوا وعيهم ويفقدوه في وقت واحد وأن يتلبس عليهم كلهم أمر العيان والسمع هذا الالتباس وليس من المعروف عن الحشيش أنه يهيئ صاحبه لموقف الإقدام على المخاطر والإصرار عليها شهورًا أو سنوات هناك حاجة إلى تأويل شجاعة تلك الفئه من المسلمين وهم في عرفهم قوم هالكون لا يؤمنون بالدين الصحيح فخطر لهم إنهم يستميتون في الجهاد لأنهم موعودون بالجنة التي تجري تحتها الأنهار وترقص فيها الحور الحسان إذا استحبوا الشهادة في سبيل الله واستغرب شجاعة الفدائيين هو الذي أحوجهم إلى سبب كذلك السبب و يقبلون الموت وهم قوم هالكون فهم في شجاعتهم مخدوعون إن القوم قد عجبوا كيف يطيع الفدائيون شيخهم هذه الطاعة وكيف يقدمون بأمره على الموت المحتوم فلم يتخيلوا لذلك سببًا غير الجنة الموعودة وعرفوا الحشيش فالتمسوا فيه سر الجنة التي ترى في هذه الدنيا رأي العيان وقد جاء ذكر الحشيش في كلام مؤرخي الشرق وذكر بعضهم أن أناسًا من شيوخ الطرق كانوا يستبيحونه ولا يحسبونه من المسكرات المحرمة وذكر البندري مؤرخ آل سلجوق جماعة الحشاشين وعنى بهم طائفة الإسماعيليين وحيرة المؤرخين والباحثين النفسانيين هي حياة الرجل في السنوات الأخيرة من مقامه بقلعة آلموت. إنه لم يكد يفارقها بعد دخولها، ولم تكن له أسرة فيها غير امرأته وولديه وهذا الزعيم «الباطني» الذي قيل عن مذهبه إنه ذريعة إلى استباحة المحرمات والتهالك على اللذات فضلًا عن الحرام وزعم بعض المؤرخين حين قتل ابنه أنه قتله لمخالفته إياه في شرب الخمر على الخصوص ولم يقتل ولدًا واحدًا بل قتل ولديه الاثنين وهو في شيخوخة لا مطمع له بعدها في الذرية وهذه هي حيرة أخرى من حيرات لا تحصى في مسلك هذا الإنسان العجيب كله وفي مسلكه قبيل وفاته على الخصوص.
هل هو مجنون مطبق الجنون؟ إن المجنون المطبق لا يستغرب منه قتل أبنائه في شباب ولا شيخوخة وتزول بهذا غرابة القتل ولكنها تزول لتَخْلُفها غرابة أعضل وأدهى وتلك هي قدرة المجنون المطبق الجنون على التدبير المحكم عامًا بعد عام وقدرته على حفظ مكانه ومكانته بين وزرائه وأعوانه ومنهم الأذكياء والدهاة وفيهم الشجاعة والهمة والإقدام
له عقيدة يصبر في سبيلها على الشظف والضنك ويستبيح من أجلها إراقة الدماء دماء الأبناء كدماء الأعداءإنه خلق العقيدة خلقا فمن البعيد أن يخلق العقيدة وينخدع بها ويصبر في سبيلها على ما صبر عليه ويستبيح في سبيلها ما استباح والذي يبطل الحيرة في اعتقادنا هو التفسير المقبول لطبيعة هذا الإنسان العجيب إننا ينبغي أن نستغرب من حسن بن الصباح ما هو غريب منه لا ما هو غريب من غيره ولو كانوا معظم الناس فالغريب تجرده من الحنان الأبوي أو فتور هذا الحنان فيهم ولكن هل خلا الجنس البشري من آحاد يهون عندهم الحنان في جانب النوازع القوية التي لها السلطان عليهم وليس لهم عليها سلطان هل خلا الجنس البشري من آحاد تستهويهم الشهوات الصغار فضلًا عن الشهوات الكبار فلا يبالون ما يصيب أبناءهم بل هو دأب الطامحين من أمثاله إلى السيطرة ودأب الذين يهون عليهم شظف العيش ولا يهون عليهم الخضوع والبقاء في زوايا الإهمال وقد يكون الولدان اللذان أمر بقتلهما قد تآمرا عليه مع بعض أعوانه المتطلعين إلى مكانه كما جاء في بعض الروايات وقد يكون أحدهما هو الذي تآمر عليه كما هو الأرجح ويكون ظنه بالآخر أنه لا يفلح ولا يؤمن على مصير الدولة بعده وقد يكون بطشه بابنه في سبيل رسالته هو المسوغ المقبول أمام ضميره لإقدامه على البطش بالغرباء في هذا السبيل فإذا كان الظن بجنونه المطبق حيرة وكان الظن بغفلته حيرة مثلها فأنفى الظنون للحيرة أنه أطاع طبعه في طلب الغلبة على الرغم منه وأنه اتخذ من فساد زمانه حجة على وجوب رسالته وقداستها وأنه راضَ نفسه على شدائد تلك الرسالة لتكون الشدائد التي يضطلع بها حجة له على صدقه ومطاوعة طبعه وأنه كان نوبة الفتك في أزمات طبعه ولكنها نوبات دون الجنون المطبق في جميع الأحوال وهذا كله جائز غير مستغرب أما المستحيل فهو أنه مصاب بالجنون المطبق أو خادع لا عمل له ولا غواية من وراء عمله غير الخداع والتضليل أو أنه مغفل لا يدري موضع الغفلة من سريرته وهو يتسلل بالإقناع إلى سرائر المئات والألوف ومنهم الأذكياء والألباء والحصفاء.